الوضع المظلم
الجمعة ٠٣ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
أنقرة تقتل “إيبرو تيمتيك”.. ولا تمشي في جنازتها
إيبرو تيمتيك

لا يبدو أنّ مقتل المحامية “إيبرو تيمتيك” بعد 238 يوماً من الإضراب عن الطعام، للمطالبة بمحاكمة عادلة كانت كافية لأنقرة والموالين لحزب العدالة والتنمية وحليفهم حزب الحركة القومية المتشدّد، ليشفي غلّهم تجاه السيدة البالغة من العمر 42 عاماً، والتي أشار أصدقاؤها أنّ وزنها بعد أيام طويلة من مقاطعة الطعام، قد أضحى أقل من سنوات عمرها، فوصل إلى رقم فاجع لا يتعدّى الـ30 كيلو غرام، وهو وزن طفل قد لا يتعدّى عمره العشر سنوات، لتواصل أنقرة الاستشفاء بالضحية حتى بعد موتها، عبر مهاجمة مشيعيها بالغازات المسيلة للدموع والاعتقالات.


ولا عجب في ذلك، فأنقرة التي اعتادت على مدار عقود أن تمارس مجازرها وجرائمها بحق الأقلية العرقية، كالكُرد والأرمن، في صمت ودون حساب، ترغب في مواصلة ذلك وبذات الأساليب، خاصة أنّ الذريعة التي اختلقتها لكل من يُطالب بحقوقه المشروعة جاهزة وحاضرة، وهي متمثّلة بالإرهاب.


اقرأ أيضاً: تركيا من صفر المشاكل إلى صفر الأصدقاء داخل الناتو


فالإرهاب الذي بات مُشكلة العصر، وجدت أنقرة فيه ضالتها، بغية تبرير ارتكاب المجازر وتدمير المدن، دون حسيب أو رقيب، ودون إدانة أو شجب، فتكون معها الطامة الكبرى في كون أنّ من يزاود بالإنسانية في أنقرة، هو ذاته من يمارس القتل والترهيب بحق شرائح من شعبه لأسباب عرقية أو دينية.


إصرار على القتل


ولم يأتِ مقتل إيبرو على حين غرة، فالسيدة تدهورت صحتها بالتوالي، وكان بالإمكان إنقاذها، لو نفذ أردوغان بعضاً من كرم أخلاقه الذي يقوم بتمثيل مشاهده أمام عدسات الكاميرات، من خلال استغلال مأساة السوريين، وادعاء استقباله لطفل سوري (مثلاً) نجا من براميل النظام، وهو ربما ما كان الشعب التركي بحاجته أكثر، كونه الأولى بتلك الرعاية وحل المشكلات الداخلية العالقة منذ عشرات السنوات، بدلاً من تصنعها والصعود على آلام السوريين ومحنتهم، التي لتركيا ونظامها كامل اليد فيها.


حيث رفضت المحكمة الدستورية العليا في تركيا، في منتصف أغسطس، أي قبل نحو أسبوعين من وفاة إيبرو، طلباً للإفراج عنها، بجانب زميلها المحامي “أيتاش أونسال”، اللذين أضربا عن الطعام منذ شهور للمطالبة بمحاكمة عادلة لهما، وزعمت المحكمة الدستورية في قرارها أنّ “صحة المحاميين لم تكن في خطر كبير”.


اقرأ أيضاً: من أنقرة إلى الحسكةالحياة ممنوعة.. موتوا عطشاً


فيما نقل محامو المحتجزين عن معهد الطب العدلي في إسطنبول تأكيده، بأنّه “ليس من المناسب أن يبقيا في السجن”، فيما أصدرت منظمة “تنسيق حرية الدفاع” بياناً صحفياً يدعو للإفراج عن “تيمتيك” و”أونسال”، اللذين سجنا في ديسمبر 2019، بتهمة التعاون مع حزب “الثوار الشيوعيين” المُسلح الذي نشط في تركيا منذ عام 1970، مستندةً في لائحة الاتهام على إفادة شهود سريين (مفترضين)، ليبدأ المحاميان إضرابهما عن الطعام في 3 فبراير الماضي، في مكان احتجازهما بسجن “سيلفري” قرب إسطنبول.


الجنازة مناسبة جديدة للقمع


فيما شهدت جنازة المحامية مواجهات دامية بين المشيعين وقوات الأمن التركية، حيث أطلقت الشرطة التركية الغاز المسيل للدموع وطاردت مئات المشيعين أثناء مراسم الدفن، وأطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع، فيما كانت أسرة وأصدقاء تيمتيك يقتربون من مقبرة في شمال إسطنبول، حيث هتف المشيعون “تيمتيك خالدة” و”الدولة القاتلة مسؤولة”، بعد أن وضعوا رداء المحاماة الخاصة بها وزهوراً على قبرها، فيما هدّدت الشرطة المسلّحة بدروع مكافحة الشغب بمهاجمة المشيعين إذا لم يتوقفوا عن ترديد الشعارات وطاردتهم بعد مراسم الدفن.


ويشير مراقبون أنّ مأساة المحامية السجينة “تيمتك” هي اختزال لحجم القمع الذي تمارسه السلطات التركية بحق معارضيها، وتكشف كمية الترهيب الذي يسود تركيا عقب التعديلات الدستورية التي منحت أردوغان صلاحيات تنفيذية واسعة لتكثيف ممارسات القمع ضد منتقديه، فيما ما يزال المحامي أيتاك أونسال مستمراً في إضرابه عن الطعام، الذي بدأه مع تيمتك بعد أن حُكم عليه أيضاً بالسجن، وكان كلا المحاميين يطالبان بمحاكمة عادلة، قائلين إنّ “إدانتهما لم تستند إلى أدلة”.


اقرأ أيضاً: أردوغان يعوّل على ترامب في تمدّد تركيا.. وبايدن قد يقلب الطاولة


وفي الصدد، ذكر النائب عن حزب الشعوب الديمقراطية المؤيد للأكراد، عمر فاروق جَرْجَرلي أوغلو، في تدوينة صوتية: “كان الجميع يعلم أنّها كانت تسير نحو وفاتها منذ أن بدأت إضرابها عن الطعام لمدة 238 يوماً، أهملوا صيحاتنا”، مضيفاً: “تيمتك لم تكن تريد أن تموت، لكن سلطات الدولة التركية تجاهلتها، وقد أثارت قضيتها مخاوف بين المنظمات القانونية الدولية بشأن نزاهة واستقلالية المحاكمة”، فيما تؤكد جمعية المحامين التقدميين أنّ القضية التي جرت فيها محاكمة تيمتك وأونسال برفقة 16 محامياً آخرين كانت بسبب أدلة مزورة وغير مقبولة.


إيبرو تيميك ليست الأولى


لكن مأساة تيميك ليست الأولى، وهو ما يشير إلى أنّ أنقرة مصرّة على عدم الإصغاء إلى معارضيها في السجون، ولربما ترغب في مواصلتهم لما يسمونها بمعركة الأمعاء الخاوية، فتلك الأمعاء كانت لتسمع لو أراد حاكم أنقرة، بيد أنّه وكما يبدو، راغب في صمتهم الأبدي، كونه الأمر الوحيد الذي يكفل له دوام حكمه واستتبابه دون منازعة أو اعتراض.


فقد سبق تيميك وفاة مغنية في الفرقة الموسيقية التركية “يوروم”، في الثالث من أبريل/ نيسان الماضي، بعد نحو 300 يوم من دخولها في إضراب عن الطعام، احتجاجاً على القمع الذي استهدف فرقتها وعلى الملاحقات ومضايقات الأجهزة الأمنية التركية ومداهمة المراكز الثقافية.


كما دخل كثير من المعارضين البارزين الأكراد في إضراب عن الطعام، ردّاً على الممارسات القمعية للسلطات التركية، ولعلّ إضراب النائبة الكردية المناصرة لقضايا الأكراد “ليلى غوفين” كان الأبرز، والذي برهن اكتواء المعارضين والمنتقدين للرئيس التركي، بنار القمع.


تنديد داخلي وخارجي


وقد أثارت النهاية المأساوية للمحامية تيميك امتعاضاً شعبياً ورسمياً في الداخل التركي وخارجه، حيث أكّد الاتحاد الاوروبي أنّ وفاة تيمتيك تكشف “أوجه القصور الخطيرة” في النظام القضائي التركي، وقال الناطق باسم الاتحاد “بيتر ستانو” في بروكسل، إنّ “إضراب إيبرو تيمتيك عن الطعام للحصول على محاكمة عادلة ونتيجته المأساوية توضح بألم حاجة السلطات التركية العاجلة لمعالجة وضع حقوق الإنسان في البلاد”.


وأدانت أحزاب المعارضة التركية بشدة وفاة تيمتيك، وكتب النائب عن حزب الشعوب الديمقراطية، غارو بايلان، على تويتر قائلاً: “إيبرو تيمتيك ذبحت على أيدي الطغاة في السلطة”، فيما قال سيزغين تانريكولو، النائب عن حزب الشعب الجمهوري في تغريدة: “إيبرو تيمتيك أرسلت إلى الموت أمام أعيننا”، مضيفاً: “خسرناها بسبب الضمير الأعمى للقضاء والسياسات، كانت رغبتها الوحيدة محاكمة عادلة ونزيهة”.


اقرأ أيضاً: أردوغان يُخطط للعثمانية الجديدة منذ دافوس.. وداود أوغلو يكشف المستور


وضمن تجمع منفصل، أقيم أمام مبنى نقابة المحامين في إسطنبول، هتف الحاضرون بشعارات “إيبرو تيمتيك خالدة” و”المحامون الثوريون هم حياتنا كلها”، حيث قرأ المحامون في التجمع رسالة بعث بها رئيس نقابة المحامين في إسطنبول، محمد دوراك أوغلو، وقال فيها: “صدر قرار جائر لإيبرو تيمتيك وزملائها الآخرين، عدم القدرة على الدفاع عن النضال من أجل الحقوق أسوأ من الموت”، مردفاً: “يجب أن يعلم الجميع أنّه كان من الممكن منع هذه الوفاة”.


بينما بعث أيتاش أونسال رسالة من المستشفى إلى تيمتيك، قال فيها: “صديقتي العزيزة، زميلتي، لقد قتلوك بشكل صارخ، لكنك ولدت في قلوب الناس، هل هناك محامٍ آخر في هذا العالم ضحى بحياته من أجل العدالة، سوف نطالب بحقوقنا، سوف نحاسبهم من أجلك”، لكن دون أن يدرك أونسال ومحبوه، إن كان سيلقى هو الآخر مصير تيميك، أم أنّه قد يستيقظ الضمير الميت في أنقرة.


ليفانت-خاص


إعداد وتحرير: أحمد قطمة 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!