الوضع المظلم
الخميس ٠٢ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
ضحايا التضامن.. ألم أكثر من أي وقت مضى
لقطة من فيدو المجزرة. الجاني يقود أحد الضحايا لحفرة الإعدام

وائل سليمان

   رصد_ منصات تواصل

- في الجو العام منذ شهرين

كان يوم 27 أبريل الموافق 26 من شهر رمضان حيث يفترض أن يمر الوقت على السوريين بسرعة بين عمل وزحمة دراما وتحضيرات الإفطار على فقرها أو غناها. هدوء نسبي في الفضاء الإخباري العام السوري، لا تحركات سياسية، لم يعد من حس للائتلاف الذي نُتف ريشه. لا خرائط طريق للحل السوري تفصدت من قرائح قادة الإقليم أو كبار اللاعبين الدوليين أو حتى السوريين. الملف الأوكراني كفيل بشحذ سكاكين الأولويات، وانتخابات رئاسية وبرلمانية في كل حدب وصوب. تحركات صينية ومجالات حيوية تتهدد على المقاييس الغربية في المحيط الهندي وشرق آسيا، وفوق كل هذا يستمر العم سام مع إدارة بايدن بإرخاء حمولته من العالم ويقول أمريكا أولاً، سنراقب وندير من الخلف بفواتير أخف بكثير.

كان الامتعاض والغضب والأسى يعصر قلوب السوريين الذين حلموا يوماً أن يقولوا للسلطة ورأسها في القصر الجمهوري إنكم مخطئين ونريد حقنا، وأن يعيدوا في هذه الأيام الجافة التذكير بالقضية السورية وانتفاضة الشعب التي طواها النسيان منذ سنوات وفشلت المعارضة في تمثيل السوريين على كل الصعد. الجمهور السوري جاهز دائماً لتلقي أي ملف أو خبر ليتداوله في شأن سوري فيصبح ترند، كان آخر السجالات في عالم الترند اليومي السوري مسلسل كسر عضم ومُلكِيته وجرأته أو تنفيسه.


لكن أول أمس كان يوماً كالحاً على الجميع، منذ الصباح الباكر تناقل السوريون رابطاً لتحقيق صحيفة الغارديان البريطانية الرصينة بالتعاون مع باحثين أحدهما سوري، يدور حول مجموعة من مقاطع الفيديو تشترك في إظهار عملية إعدام جماعية راح ضحيتها 41 مدنياً في حي التضامن بدمشق بينهم سبعة نساء. حتى فترة الظهيرة عالم السوشيال ميديا غص بآلاف المشاركات للرابط وفيديوهات التحقيق المنشورة على قناة اليوتيوب الخاصة بالجريدة ولاحقا تسرب بعضها كاملاً دون حذف.

لم يمض وقت طويل حتى انتهى كثر إلى حساب أمجد يوسف على الفيسبوك صف الضابط المجند في الفرع 227 لحفظ بعض صوره وإعادة نشرها والتعليق عنده ليصار إلى تعطيل حسابه لاحقا.

كُتب الكثير وعُلق بالصوت والصورة على هذا التحقيق، وعاد مشهد التصفية في مقاطع الفيديو ينكأ جراح السوريين، ولكن على نحو أكثر شدة لأسباب مرت معنا سابقا وأخرى نستعرضها تباعاً. لكن وقع هذا الفيديو مختلف بدقته وصراحته كما يقول كثر.

اعتقد أن كثر شاهدوا المحتوى المتعلق بالفيديو أو اطلعوا على النص المكتوب، سأختصر الرواية هنا التي نشرت للمرة الأولى عل موقع (https://newlinesmag.com) وبالتزامن مع نسخة خاصة بجريدة (الغارديان البريطانية) أتبعتها جريدة الجمهورية ترجمة كاملة تحت عنوان قرابين التضامن.

في عام 2013 في حي التضامن بدمشق، قتل فرع المخابرات 227 بالتعاون مع ميليشيا الدفاع الوطني 288 مدنياً بينهم سبع نساء و12 طفلاً. سُربت لقطات الفيديو الـ 27 في عام 2019 بواسطة مجند وصله لابتوب من أجل تصليحه وفق الغارديان، فنسخ المحتوى واستطاع في عام 2019 الوصول إلى أوروبا وهناك قدم المحتوى إلى الباحثين أور أوميت أونغر وأنصار شحود. عُمل على المحتوى منذ ذلك الوقت على جبهتين، الباحثين المشتغلين المتخصصين في دراسات الهولوكوست والإبادة الجماعية والغارديان.

مشاهد الموت والدمار وصور قيصر ومجازر الكيماوي وغيرها في طول البلاد وعرضها وعشرات الآف المعتقلين المقتولين مدموغين بالأرقام على جباههم كما سربها لنا قيصر؛ ليست معلومات جديدة على السوريين وليست المرة الأولى التي يتفاعل بها الجمهور مع مشاهد الموت التي تخلفها ماكينة النظام البعثي الأسدي، أي ليست مفاجئة من سلطة ونظام كهذا بل هذه المجزرة إحدى وقائع كثيرة مؤلمة. هذا ما أشار له أيضاً، المحامي والناشط الحقوقي مازن درويش رئيس المركز السوري للإعلام وحرية التعبير في بوست على صفحته على الفيسبوك وشاكراً الباحثين القائمين على البحث.

لكن هذه الفيديوهات المرعبة بسبب درجة وضوحها وانكشاف الفاعلين بهذه الموثوقية والدقة، تدور حول مجزرة واحدة راح ضحيتها 41 إنسان بينهم سبع نساء. يظهر وجه أمجد يوسف صف ضابط وزميله حبيب وجوههم أمام الكاميرا بقبول تام ودون أقنعة ويظهرون بهدوء وسيطرة كاملة يضحكون في بعض اللقطات قبل إعدامهم المدنيين بدم بارد ورميهم في حفرة وإطلاق النار عليهم. تقول الصحيفة أن تحقيقاً استمر عامين على أساس استخبارات مفتوحة المصدر ومقابلات عدة لتحديد المكان وبناء التواصلات، بما في ذلك مع بعض القتلة الذين ما يزالوا يعملون كضباط في وحدة المخابرات العسكرية السورية، أن المذبحة وقعت في 16 أبريل / نيسان 2013 في دمشق حي التضامن.

يذكّر دكتور الفلسفة السوري والمتخصص في الدراسات الإسلامية الشرقية حسام الدين درويش في مشاركة على الفيسبوك المقيم في ألمانيا حول هذه المجزرة بمئات الآف الوثائق التي حصلت عليها اللجنة الدولية للعدالة والمسائلة الدولية. أكثر من 900 ألف وثيقةٍ حكوميةٍ توثِّق جرائم النظام الأسدي وتُظهر مسؤولية كبار المسؤولين فيه عموما، بما في ذلك رأس ذلك النظام ويؤكد على أهمية كل توثيق يحصل، مرجعاً محاكمة المجرمين الأسديين أنها مرهونةً بعوامل كثيرة، ومن بينها توفر الظروف والإرادات السياسية الكافية.

الناشط السياسي والمستشار الحقوقي المحامي عيسى إبراهيم، أكد على ضرورة محاسبة المجرمين أياً يكن منبتهم المذهبي والديني والأيديولوجي وضروة فتح تحقيق بكل المجازر التي حصلت في البلاد. وقال إن إعفائهم من العقاب القانوني بذريعة المصالحة الوطنية سيكون مدخل لتقاسم السلطة بين مجرمي حرب في المستقبل، مجرمي حرب تقاسموا موت ودمار سوريا خلال الفترة الماضية.

وفي بوست آخر أطلق المحامي عيسى إبراهيم مع الدكتور محمد الأحمد وسمير الهواش عريضة عبر منصة آفاز تطلب الأمين العام للأمم المتحدة بالتحرك إلى إحداث محكمة خاصة بجرائم الحرب في سوريا، مقرها لاهاي، والبدء بفتح هذا الملف انطلاقاً من الوثيقة المصورة التي نشرتها كفيديو صحيفة الغارديان البريطانية بتاريخ يوم الأربعاء في 27 نيسان 2022، عن ما تم التعارف عليه بمذبحة حي التضامن في دمشق.

وأشار البيان إلى أسماء مجازر عدة الأشهر بالنسبة للسوريين لتكون على رأس أعمال المحكمة الخاصة بجرائم الحرب في لاهاي الأعمال الإرهابية المتعلقة بقصف المدن والبلدات بالطائرات، والقتل للمدنيين دون تمييز عبر قصف عشوائي. كذلك المذابح التي تمت من قِبل وحدات تابعة لـ " النظام " أو لفصائل متطرفة إرهابية إيرانية. وكذلك مذابح الفصائل الإرهابية المتطرفة دينياً أو قومياً بحق المدنيين وفي كل المناطق السوريّة، بما في ذلك عمليات التغيير الديموغرافي في عفرين والبلدات الأربعة في ريف دمشق والشمال عموماً بما في ذلك الجزيرة السورية ومحافظة إدلب ودمشق  وريف دمشق وغيرها من المناطق السوريّة ذُكرت أم لم تُذكر. كذلك مذابح عدرا العمالية ومذبحة الحولة و مذبحة عكرمة المخزومي، ومذابح قرى صلنفة وكافة المذابح التي تمّت من قبل فصائل إرهابية مدعومة من تركيا وغيرها من الفصائل.

لاحظنا تبادل السوريون الردود والاتهامات والمشادات الكلامية على اختلاف مناهلهم الثقافية واصطفاهم السياسي بين مع وضد وما بينهما وخارجهما ووفق ثنائية استقطاب متوترة تتجدد مع كل حدث مشابه. كان يمكن ملاحظة الأمر في منصة الكلوبهاوس والفيسبوك على صفحات ناشطين سياسيين وحقوقيّن في الداخل والسوري والخارج. في حوارية بين مؤيد ومعارض على صفحة الصحفي والحقوقي عرو السوري المقيم في ألمانيا نقرأ حوارية قصيرة بتشنج خفيف ونهاية توافقية مرضية:

أما الدكتور والناشط السياسي المعارض كمال اللبواني أطل من قناته على يوتيوب يقدم رأيه خلال نصف ساعة تقريبا، أشار لضرورة وصف صريح لمجزرة التضامن على أنها قامت على أساس طائفي فهذه أول خطوة للحل أن نعترف بالمشكلة ووجودها ونوصف أحداث الواقع كما هي دون تجميل. معرجاً على ظاهرة تشكل الدول على أساس ديني أو قومي، مؤكداً على أن حل سوريا بدولة مدنية ديمقراطية، وأهمية المكاشفة بين السوريين، وفصل الدين عن الدولة وتطبيق العدالة الانتقالية..

أم الكاتب غسان المفلح نشر هاشتاغ تضامني مع عبارة مفادها وفي سياق الدراما السورية الحقيقية والباقي كله سوالف مشلخة.. ودراما معفنة مع أصحابها.  هناك الدكتور أمجد بدران ناشط من الداخل السوري مقيم في دمشق وملازم مجند خدم إلزاميا في الحرس الجمهوري ومن أشهر الناشطين في الداخل الذين يتناولون الشأن العام الداخلي والسياسي.

يخلص بدران، لضرورة حاسبة المجرمين من كل الأطراف، ويشدد على ضرورة العمل على الجرائم الذكية التي لم تكشف. وهو إلى ذلك ميز بين ما أسماه جيش الفقراء وبقية التشكيلات التي حاربت معه، وبأنه ليس طرفاً مع أحد أي هذا الجيش.

لن تمر بسهولة هذه المجزرة وهذا التحقيق على الأسد وأجهزته كما كل مرة، يعتقد كثر معارضة وموالاة أن أمجد لن يصمد لأيام على قيد الحياة بعد اعتقاله لتجري تصفيته وتصفية أو تهريب من كان معه في تلك المجزرة بعينها والكبرى التي ذهب ضحيتها 288 في منطقة التضامن. بل ذهبت فعلاً صفحات تديرها المخابرات تنشر صورته وتدعو للمساعدة في القبض عليه، كصفحة المخابرات العامة التي يشترك على إدارتها أشخاص أو شخص في تركيا كما أشار بعض الناشطين.

المخابرات العامة. الصورة تشرح نفسها!

في الكلوب هاوس افتتحت غرفاً نوقشت مسألة الطائفية وتطرقت إلى الجريمة الأخيرة في التضامن، ولم يخلُ الأمر من مشاحنات وصور نمطية عهدتها هذه المنابر ضمن ثنائية صراع مؤيد/معارض لسلطة الأسد ونظام البعث.

طالب كثر في فورات غضب من خلال فضاءات التواصل العلويين بأن يدفعوا بمرجعيتهم الدينية وحيث لا مرجعية لهم! وبمجلس الملة الأعلى وحيث لا مجلس ملةً! أن يقدم اعتذاراً وبراءة ذمة عن الجرائم والمجازر كما رد آخرون أن على السنة الاعتذار عن جرائم داعش وجبهة النصرة وما شاكل من تنظيمات إسلامية جهادية.

وكذا على الكرد في شمال شرق سوريا تجاه العرب. لكن في النهاية يتفق السوريون على ضرورة وجود آلية محاسبة تقاضي مجرمي الحرب في محكمة دولية خاصة. وعلى الركون إلى مرجعية جنيف والقرار 2254 يفضي إلى دولة قانون ومواطنة.

في الخلاصة، تظهر دائما في كل حرب أهلية وبعدها جدلية تتعلق بالمسؤولية والمحاسبة والأولويات، وأخرى تتعلق بالذات والضعف وتنفيذ الأوامر، جدلية أضاءت حلولها حنة أرندت في محاكمة أيخمان في القدس، حول الفرد وقرار الفرد وحريته واستلابه وحول المؤسسة والانضباط والبيروقراطية العمياء ولاسيما في تنفيذ الأوامر. سيحاكم المجرم الجزار أمجد بقضاء الأسد كما يجب أن حاكم رؤساءه من كان معه وبقي على قيد الحياة ومن لم يكن معه وكان يتغاضى عن هذا الإجرام وصولاً إلى قمة هرم السلطة في المسؤولية المباشرة أو التقصيرية كما يقتضيها القانون السوري كما يفترض!

 

 

 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!