الوضع المظلم
الخميس ٢٥ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
آل الأسد وإسرائيل.. الأصدقاء الأعداء
آل الأسد وإسرائيل.. الأصدقاء الأعداء

لا يكاد يمضي أسبوع دون تواتر أنباء حول استهداف تل أبيب للأراضي السوريّة، وتطرح هذه الغارات التّساؤلات بين المواليين والمعارضين، على حدّ سواء، عن مدى أهمية تصريحات النّظام المستمرة بالرّد، ووصف نفسه بمرتكز محور الممانعة والمقاومة المؤلف من حزب اللّه وإيران ونظام الأسد، إلّا أنّ واقع الغارات يشي بأمر مختلف تماماً عن تلك التّصريحات المتكرّرة منذ أعوام.

ما هو السّر وراء تصاعد الغارات الإسرائيلية

ارتفعت حدّة غارات تل أبيب في الآونة الأخيرة على مواقع في محيط العاصمة السّوريّة دمشق، ففي استهداف هو الرابع على الأقل خلال شهر فقط، تعرّض يوم الجمعة الفائت، 10 يونيو/ حزيران، مطار دمشق الدّولي لأضرار جسيمة، حيث استُهدفت البنية التّحتية للمطار مما أدّى لخروج المهابط عن الخدمة.

وأعلنت وزارة النّقل السّورية تعليق كافة الرّحلات الجوّية القادمة والمغادرة عبر مطار دمشق الدّولي حتّى إشعار آخر.

وأكد المرصد السّوري لحقوق الإنسان تدمير ثلاثة مستودعات تعود لحزب اللّه بحرم مطار دمشق الدّولي.

ويؤكد خبراء أنّ تصاعد وتيرة الغارات الإسرائيلية مرتبط بتزايد حدّة التوسّع الإيراني في الجنوب السّوري، خاصة بعد الأنباء الّتي أشارت إلى سعي طهران لملء الفراغ الّذي تتركه قوات روسيا المنسحبة من المنطقة.

ويعتبر الوجود الإيراني في سوريا تهديداً حقيقياً لأمن إسرائيل، إلّا أنّ الأسد متمسك بطهران، معتبراً التّحالف مع الأخيرة أمراً غير قابل للنّقاش، وفق ما صرّح به رئيس النّظام السّوري، بشار الأسد، في مقابلته الأخيرة مع قناة روسيا اليوم.

وتتحدّث القناة 13 العبرية عن استغلال بعض الإيرانيين للرحلات المدنية من خلال نقل الصّواريخ الدّقيقة ومستلزمات هامّة عسكرية أخرى ضمن الأمتعة الشّخصية، ووفق مصادر إسرائيلية فإنّ حزب اللّه يستخدم خط تهريب جديد من خلال الطيران المدني في رحلات أوروبا وبيروت وطهران للتواري عن أعين استخبارات إسرائيل بعد انكشافه جلياً في دمشق.

ألف غارة وغارة

تناولت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية الغارات على دمشق، مؤكدة أن الطيران الإسرائيلي نفّذ ما يزيد عن ألف غارة في الأعوام الخمس الأخيرة، مشيرةً إلى تنفيذ 408 مهمّات بأكثر من 5500 قنبلة، واستهداف 1200 هدف تحت قيادة سلاح الجو عميكام نورين. وأضاف التّقرير استخدام 586 قنبلة اتجاه 174 هدف في عام 2021 فقط.

وكان فريق صوت العاصمة قد وثّق حوالي 38 غارة جويّة شنتها الطائرات الإسرائيلية استهدفت فيها 25 موقعاً للميليشيات الإيرانية وحزب الله مِؤكدّة وقوع خسائر مادية وبشرية.

كما أنّ الهجوم الأخير على مطار دمشق هو الهجوم الخامس عشر عام 2022 على الأراضي السّورية.

التّنسيق الإسرائيلي الرّوسي

منذ التّدخل الروسي في سوريا عام 2015 بطلب من رأس النّظام بشار الأسد، اتفقت روسيا وإسرائيل على منظومة تنسيق تجنباً لحدوث صدام مباشر بين الجانبين، سواء عبر شنّها الغارات المباشرة أو استهداف الأراضي السورية من داخل المجال الجوّي اللبناني، إضافةّ إلى القصف المدفعي.

وكانت وكالات عالمية ومواقع استخباراتية تداولت اتفاقاً سرياً عقد نهاية عام 2018 بين الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، آنذاك، بنيامين نتنياهو، والّذي ينص على السماح للمقاتلات الإسرائيلية بالعمل دون تدخل من قبل القوات الرئيسة ضدّها.

وفي هذا السّياق، تناول موقع واللا العبري، في يناير 2019، آلية التنسيق التي تناولها الاتّفاق، حيث تقوم إسرائيل بضرب أهداف تابعة لطهران وحزب الله في إطار مكافحة التوسع الإيراني في سوريا.

وأضاف الموقع العبري، أنّ آلية التّنسيق المشترك لا تتضمن منع الدفاعات السّورية من اعتراض الصّواريخ الإسرائيلية، إلّا أنّها تحرص على منع توجيه نيران تلك الدّفاعات نحو المقاتلات الإسرائيلية ذاتها.

ويحتاج العمل على قصف الأهداف الإيرانية إلى معلومات وتقارير استخبارية دقيقة على الأرض وفي الوقت الملائم لتحقيق الهدف من تلك العمليات العسّكرية المتكررة، ويدلل ذلك علم تل أبيب التّام بالمواقع المستهدفة، فالتنسيق الرّوسي الإسرائيلي يمثل دوراً هاماً في الوصول إلى الدّقة المطلوبة من تحقيق الأهداف، حيث لم تسجّل حالات لتعرّض عناصر روسية في الأراضي السّورية لهجمات إسرائيلية.

اقرأ المزيد: إسرائيل تحبط عملية مخابراتية إيرانية في تركيا.. من المستهدف؟

يشار أنّه لا وجود لاتفاقية دفاع مشترك بين النّظام وروسيا، ممّا يعني بأنّ روسيا ليست ملزمة قانونياً بالدّفاع عن الأراضي السّورية.

رد النّظام السّوري على الغارات الإسرائيلية:

ينتهج النّظام السوري منذ ما يزيد عن أربعين عاماً مبدأ الاحتفاظ بحق الرّد في الوقت الّذي تستهدف أنظمة المخابرات والجيش المعارضين للنظام، حيث يكتفي الأخير بإصدار البيانات والتلويح بالرّد المناسب في الوقت المناسب، حسب وصفه.

وكان وزير خارجية النّظام السّوري توعد تل أبيب برد ساحق في حال تكررت الغارات الإسرائيلية، لافتاً بعدم التّسامح مع اعتداءات إسرائيل والقدرة على رد الصّاع صاعين.

ولاقت تلك التّصريحات سخرية واسعة، خاصة بعد تكرر القصف الإسرائيلي من جديد على مواقع عسكرية في القنيطرة جنوب سوريا.

إسرائيل والنّظام السّوري.. الأصدقاء الأعداء

لابدّ هنا من الاعتراف بعبقرية النّظام السّوري والبروباغندا الإعلامية الموالية على مدار عقود في تكريس فكرة بأنّ النّظام السّوري هو شيطان رجيم بالنّسبة لإسرائيل.

كما دأب النّظام على اتهام معارضيه بالعمالة لإسرائيل فأكبر خطيئة يمكن أن يقترفها السّوري وفق ذلك هي العمالة لتل أبيب، لكن مع سقوط الأقنعة وظهور الوجه الحقيقي بشكل جلي لمحور الممانعة والمقاومة تبين أنه يستخدم تهمة العمالة للتغطية على عمالته نفسه لإسرائيل.

وفي تقرير للاستخبارات الأمريكية عام 2012، وصفت نظام الأسد بأنّه "أنشط عملائنا في المنطقة"، كما أطرى وزير الخارجية الأمريكي، هنري كسنجر، في كتابه سنوات التّجديد على حافظ الأسد الّذي كان ينسق معه عملياته العسكرية في لبنان، ويؤكد كسنجر أنّ القوات السّورية دخلت لبنان وفق اتّفاق ضمني بين إسرائيل وسوريا.

وأعلن رامي مخلوف، الذّراع الاقتصادي للنظام السّوري بعد اندلاع الثورة بفترة قصيرة بأنّ أمن إسرائيل من أمن النّظام، وأنّ أي مكروه يحصل للأسد سينعكس بشكل سلبي على إسرائيل.

اقرأ المزيد: استغراب عراقي لاستهداف إيران إقليم كردستان.. للرد على إسرائيل

كما اعتبر الرئيس السابق لجهاز الموساد الإسرائيلي، أفرايم هاليفي، بشار الأسد، رجل تل أبيب في دمشق، وأنّ إسرائيل تضع نصب أعينها أن بشار ومن قبله والده حافظ الأسد استطاع الحفاظ على جبهة الجولان هادئة أربعين سنة، وذلك منذ توقيع اتفاقية فك الاشتباك عام 1974 الأمر الّذي مكّن إسرائيل من تطوير المنطقة وبناء المواقع السياحية.

ويقرّ تشك هيغل، وزير الدّفاع الأمريكي الأسبق، بقوله ينبغي تجاوز مسألة رحيل الأسد، فهو "لم يكن في يوم من الأيام عدواً لنا ولا لحليفتنا إسرائيل". وذهب هيغل إلى أبعد من ذلك، مشيراً بأنّ إسرائيل منعت واشنطن من توجيه ضربة عسكرية للجيش السّوري.

وفي النهاية، ترى الباحثة في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، عيدان كادوري، أنّ تواصل الغارات الجوية الإسرائيلية داخل الأراضي السّورية بالتّزامن مع التنسيق مع روسيا رغم انشغال الأخيرة في حربها على أوكرانيا هو أمر ترغب إسرائيل بأن يكون ذا تأثير أكثر أهمية وطويل المدى.

 

وتدلل المعطيات على أنّ التوسّع الإيراني في سوريا يقوّض قدرة نظام الأسد على بسط سيطرته الكاملة على البلاد ويكرّس استمرار تل أبيب بتنفيذ ضرباتها الجوية، مع الإشارة إلى أنّ نظام الأسد مدين بالدّعم والمساندة لطهران في قمعه للثورة وهو غير قادر على سداد ديونه المتراكمة، والمقدرة بـ17 مليار دولار، ورغم تقليص الميليشيات الإيرانية من وجودها العسكري إلّا أنّ طهران توسّع نفوذها من خلال الميليشيات المحلية وتعزيز نشاطاتها في مختلف المحافظات السّورية، لا سيما في حلب والمناطق الشّرقية المحاذية للعراق.

ليفانت - خاص 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!