الوضع المظلم
الجمعة ٢٦ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
آبي.. تيغراي
إبراهيم فضلون

أقلية تُهدد دولة وصمود بُطولي ضد آكلي حُقوق الإنسان وصاحب جائزتها "آبي أحمد"، إنها "جبهة تيغراي"، التي سواء أحكمت الحكومة المركزية قبضتها تماماً على عاصمتها "مقلي" أم لا، فبكل الحالات ستولدُ إثيوبيا جديدة، لصعوبة اقتلاع الجبهة الشعبية العنيدة من جذورها.

وهي التي مكنتها من اعتلاء السُلطة، لتمرس أكثر من رُبع مليون فرد الخبرة السياسية والاجتماعية والأمنية على مدار عقود، وقفت في وجه مُثلث الشر (القوات الإثيوبية النظامية، وميليشيات إقليم أمهرة المجاور، والقوات الإريترية)، حيث تمكنت من استعادة السيطرة على الإقليم قبل نحو ستة أشهر، وأسرت في حفل مهيب أكثر من عشرة آلاف أسير للجيش المُهدد، وهددت الحكومة المركزية بالزحف نحو العاصمة أديس أبابا، مما يطرح تساؤلات عن سبب قوتها، وإن كانت تحصل على دعم خارجي رغم الحصار.

إن الهدنة الإنسانية بين الحكومة وجبهة تحرير تيغراي في خطر مُحدق، ما لم يُسمح للمساعدات بالوصول إلى الإقليم الشمالي الذي تُمزقهُ الحرب، مع ارتفاع حدة الانتهاكات التي ارتكبها مسؤولو أمهرة والقوات الخاصة بالإقليم وميليشيات غرب تيغراي، في حملة لا هوادة فيها من التطهير العرقي للتيغرانيين، وفق منظمتي العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش.

لذا، إن إعلان آبي أحمد، هُدنة إنسانية مفتوحة، وما يزال البعض يتساءل هل انتهت الحرب؟ ضمن غُموض يُحيط الساحة ما بين حرب وسلم، وتبعات غزو تيغراي منذ أيام للعديد من المدن في أمهرة وعفر، وهو ما حول المنطقة لطابع جمود (اللاسلم) باحتفاظ تيغراي ببعض المناطق التي احتلتها في السابق، وسط تذمر بعض القوميات المُتأثرة، على إثر إنشاء جبهة تيغراي لجيش مليء بالمليون فرد؛ لشن حرب على حكومة الدكتاتور (آبي أحمد والأريتري أسياس أفورقي) بزعزعة الاستقرار في المنطقة منذ نوفمبر 2020، وكانت وراء بعض أسوأ انتهاكات حقوق الإنسان، ومنها ارتكاب مجزرة بحق مئات الشباب والصبية في مدينة أكسوم المُقدسة، باتفاق سري بينهما، حال فشل المجتمع الدولي في التحرك، وإذا تدخلت تركيا على إثر زيارة رئيس هيئة الأركان الإثيوبي، المشير برهانو جولا، إلى تركيا، في 8 يونيو الماضي، ومُشاركة برهانو التدريبات العسكرية الميدانية التي يرمز لها بـ"EFES-2022" وفق المراقب للنزاع الإثيوبي في شمال إثيوبيا، أليستر طومسون، والتي يراها رئيس إقليم أمهرة، يلقال كيفالي، بأنها مؤامرة شريرة، تؤكدها الخلفية التي أطلقتها حكومة آبي أحمد الفيدرالية في صورة ثعلبية (حوار وطني) لإشراك المُجتمعات المحلية وردم عديد من الفجوات العميقة في إثيوبيا، بدون مشاركة جبهة تيغراي ولا حليفها، جيش تحرير أورموا، المُصُنفتين (إرهابياً).

بالطبع يرى النُقاد والسياسيين أن هذا ليس حواراً. بل هو مُونولوج بين قلة من الفصائل التي تتشارك العقيدة نفسها.. مما لا يُؤدي إلى أي حل، في ظل الحالة المزرية للاقتصاد الإثيوبي، في حين لم تُحتسب للآن تكلفة الأضرار التي ألحقت بالبنية التحتية الأثيوبية جراء تلك الحرب، مع ارتفاع التضخم الذي تخطى نسبة 30 %، وقد تزيد مع مرور البلد بموجة جفاف هي الأسوأ منذ سنوات، وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، لذا قال المؤرخ رينيه لوفور: "من المُستحيل أن تُجابه إثيوبيا أزمة كهذه من دون مساعدات أجنبية".

لقد اختارت الحكومة الإثيوبية أصعب الطرق في التعاطي مع تيغراي، التي قَلّمّ (آبي) أظافرها، في رسائل قوية للأقاليم الأخرى إذا راودها تفكير في التمرد على الحكومة، ولم يبق له سوى كسر كبرياء قادته في عقر دارهم، وقد أصبح على وشك الفوز بالرهان، ولم تفلح مزايداته وتعنته في أزمة سد النهضة في تقديمه كزعيم قومي للشعوب الإثيوبية الذي بدا في نظرهم قليل الخبرة السياسية، وفشله الإداري للمواقف المصيرية كرجل سلام (خائب الرجى)، في منطقة ذات عواصف عاتية، اجتماعياً وسياسياً وأمنياً، فعلى مدار أكثر من عامين تعثرت خطواته، وأوشكت إخفاقاته على الصعيد الداخلي أن تُنهي مسيرته اللاسلمية بل الديكتاتورية، مُعيداً أمجاد أسلافه ممن حكموا بالحديد والنار، ليتبرأ منهم حُكم العدول فيها، فأين أنتم من النجاشي «أصخمة بن أبحر»؟

لقد أُطلق على الأوربيين الرجل العجوز، ليجانبهم (العيبة) رجل شرق أفريقيا المريض (إثيوبيا)، بعد أن كانت هناك تحركات تسعى لتحويلها إلى نموذج واعد يجمع بين الحرية السياسية والرأسمالية الاقتصادية والاندماج الوطني الاجتماعي.

ليفانت - إبراهيم جلال فضلون

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!