-
"التايمز": روسيا ساعدت الأسد على الإفلات من جرائمه
بقي بشار الأسد، في السلطة رغم كل ما فعله من مجازر، وكان الرهان منذ قيام "الربيع العربي" عام 2011، على انهيار آل الأسد في سوريا في الوقت الذي أخذ فيه منافسوهم من الثوار والجهاديين والقوى الإقليمية والعظمى يعملون على تشتيت شملهم.
لكنّ ما حدث جاء مخالفاً لذلك، حسبما ذكرت صحيفة التايمز البريطانية في تقرير لها، فقد التقطت للأسد صورة قبل مدة وهو يرتدي قميصاً قطنياً عندما كان برفقه أولاده وهم ببالغ السرور إلى جانب زوجته التي لم تتخلّ عنه وهم يسيرون في شوارع حلب، تلك المدينة التي قصفها في أحد الأيام، فبدوا وكأنهم يمضون إجازتهم بين الآثار اليونانية القديمة.
واعتبرت الصحيفة أن الأسد بقي لفترة أطول من غيره من الديكتاتوريين في الشرق الأوسط لسببين، أولهما قرار فلاديمير بوتين القاضي باستخدام القوة النارية للجيش الروسي من أجل تثبيت الأسد الذي تلقى علومه في بريطانيا في السلطة، ليصبح اليوم هذا الطاغية عميلاً لدى موسكو. وأما السبب الثاني فهو أن قادة الغرب والشرق توصلوا إلى قرار واضح لكنه غير معلن، وهو أنه صار من واجبهم تلميع صورة الأسد بعد كل ما ارتكبه من جرائم.
بحسب التقرير، ثمة عملية قانونية تجري حالياً، إذ حكم على ضابط سوري بالسجن المؤبد في محكمة ألمانية وذلك في شهر كانون الثاني الماضي، من جراء مشاركته في عمليات القتل الجماعية. فقد ساعد التحقيق الذي أجري مع لاجئين سوريين هناك على تحديد مكان دفن الأموات والذي يقع على تخوم دمشق، حيث كانت الجثث تنقل من مراكز الاعتقال إلى المشافي، ومنها إلى شاحنة تبريد، وبعدها يتم رمي كل تلك الجثث في حفرة حفرت هناك. كما ذكر شهود بأن أجسادهم ما تزال تحمل آثار التعذيب حتى اليوم.
اقرأ أيضاً: تقرير: موسكو أخفت كميات من مخزونها الكيماوي في سوريا
إلا أن رأس النظام السوري ما يزال بعيداً كل البعد عن لاهاي، حيث يجب أن يكون، ووفق ما أوردته الأمم المتحدة، فإن نحو 350 ألف سوري لقوا حتفهم منذ آذار 2011، كما نزح 14 مليون سوري من بلدهم. في حين يقدر الناشطون المعارضون بأن عدد القتلى أعلى بكثير، وبأنه تجاوز النصف مليون. أما الشبكة السورية لحقوق الإنسان فقد وثقت مقتل 14664 سورياً تحت التعذيب.
وأُخفيت كل تلك الفظائع في الصندوق بعيداً عن كل العيون، ويعود أحد أسباب ذلك إلى ظهور جرائم جديدة في أوكرانيا، وثمة سبب آخر يتمثل بالدرع الواقي الذي أسبغه بوتين على الأسد. إذ ثمة لافتات علقت عند مختلف الأماكن، كتب عليها: "سوريا الله حاميها"، حيث تظهر فوق صورة الأسد صاحب الشخصية الضعيفة، على الرغم من أنه كان من الواضح بأن سيد الكرملين هو من أبقى سوريا ضمن اللعبة.
بات من الواضح بأن الأسد بإمكانه أن يفلت من أي عقاب عند ارتكابه لأي شيء، بعد هجوم بغاز السارين الذي يصيب الأعصاب استهدف الغوطة في ريف دمشق في شهر آب 2013، وتسبب بمقتل 1400 شخص بشكل مريع.
وعلى الرغم من أن الأمم المتحدة سجلت تلك الحادثة على أنها جريمة حرب، إلا أنه لم تظهر سوى محاولة غربية واحدة يتيمة لمحاسبة الأسد، وذلك عندما استغل باراك أوباما الذي رسم للأسد خطاً أحمر يتمثل باستخدامه للسلاح الكيماوي، تلك الفرصة لتجنب أي مواجهة عسكرية مباشرة مع محور الأسد-بوتين. فما كان من الأخير إلا أن عرض إقامة جرد لمخزون السلاح الكيماوي الموجود لدى الأسد ومن ثم التخلص من ذلك المخزون.
وبالنتيجة، تنازلت الولايات المتحدة عن نفوذها في سوريا لصالح الكرملين. فكان نتيجة ذلك أن تم تنفيذ ما لا يقل عن 200 هجمة موثقة بالأسلحة الكيماوية خلال السنوات التي تلت ذلك، أما عملية جرد السلاح الكيماوي فلم تكتمل، ولهذا تم رمي براميل الكلور المتفجرة على "طوابير الخبز".
وحسب الصحيفة، شملت أساليب روسيا إرسال قاذفات القنابل ذات المدى البعيد لتحلق مباشرة من روستوف التي أصبحت محور العمليات ضد أوكرانيا، إلى جانب قصف المشافي بغارتين، حيث تعود الطائرة الحربية للمرة الثانية لتقصف فريق المسعفين. ولهذا يفتخر كبار الضباط الروس بحملتهم في سوريا، لدرجة أن القادة العسكريين أخذوا ينقلون ما تعلموه من دروس هناك بكل حماسة للأكاديميات العسكرية.
أما الرد الغربي الواهن الذي سعى لوضع خطوط حمراء فيشير إلى أن الكرملين بوسعه أن يختار تصعيد الأمور، وهذا بحد ذاته يكشف عن كل التصدعات التي أصابت حلف شمال الأطلسي والفكرة التي قام عليها وهي إنشاء تحالف داعم.
ترى التايمز، أنّ الأسد يحتاج إلى الدعم الروسي والإيراني وربما التركي لإعادة إعمار سوريا، وفي ذلك فرصة أخرى لزيادة ثروات عائلته، ولضمان إقامة تماثيل له ونصبها في عموم أنحاء البلد. ولكن حتى يحتفظ بمصداقيته كقائد مستقل وليس كدمية بيد الروس، يتعين عليه أن يبدي استعداده لتعبئة شعبه وحشده.
ما تزال سوريا حتى اليوم وكأن يداً لم تمسها بعد كل الخراب الذي لحق بها، إذ على مسيرة نصف ساعة بالسيارة من معقل الأسد في اللاذقية، أقيمت قاعدة جوية تابعة للجيش الروسي، تقوم من خلالها وحدة تابعة للاستخبارات العسكرية الروسية بحراسة أجواء بلاده، ومراقبة الاتصالات وإدارة دفة البلد.
ولو قاد سيارته شمالاً نحو تركيا، أو شرقاً باتجاه العراق، فلابد أن يصطدم بجبهات معادية له. إذ في الشمال نجد الجهاديين الذين تحالفوا في السابق مع تنظيم القاعدة، إلى جانب الثوار المدعومين من قبل تركيا. وهناك سيواجه مشكلة أخرى، وهي أنه لن يستطيع أن يدفع ثمن أي شيء بالليرة السورية. أما في حقول النفط السورية فعليه أن يتعامل مع قوات قسد المدعومة أميركياً، إذ على الرغم من تجميد تلك النزاعات إلى حد كبير، إلا أنها حوّلت البلد التي يحكمها الأسد إلى مملكة صغيرة.
اقرأ أيضاً: المرصد: إسرائيل دمرت مستودع صواريخ "أرض- أرض" إيرانية الصنع بسوريا
يظن الأسد بأن عليه بادئ ذي بدء أن يظهر بلده كبلد آمن بما يكفي لعودة نحو 11 مليون سوري يعيشون خارج سوريا. وبمجرد أن يعود هؤلاء ويتم إيواؤهم، يصبح بإمكانه عندئذ أن يقدم للمستثمرين الأجانب قوى متعلمة ومثقفة لتقوم بإعادة الإعمار، وفق الصحيفة نفسها.
إلا أن الطريقة التي تدار من خلالها تلك النقطة تكشف عن مدى افتقار قيادته للحكمة، فقد تواصل أحد الفروع الأمنية لديه مع شخصيات تزعم أنها مؤثرة في مجال السياحة والرحلات، وطلب منهم التجول في الأجزاء التي يفترض أنها آمنة في البلد، وهكذا خرج هؤلاء برفقة حرس ليصوروا أنفسهم وهم يتعاملون مع التجار المبتسمين، وخلفهم مشاهد لم يطلها القصف. ثم أضيفت لقطات ذات حركة بطيئة تظهر العلم السوري وهو يرفرف، مع شيء من الدعاية الفجة المناهضة لأميركا. توقف أحد المدونين ممن يقومون بنشر كثير من الفيديوهات قبالة صيدنايا، دون أن يدري بأن تلك المدينة كانت تحتضن أحد أسوأ سجون الأسد صيتاً، حيث وثقت منظمات حقوقية ممارسة أسوأ أنواع التعذيب في هذا السجن لتصل لـ72 نوعاً، بينها الصلب وقلع العيون.
إن اختار الأسد النفي خارج البلد، فلابد وأن يستهدفه هناك أحد أعدائه الكثر، إلا أن سوريا اليوم استحالت إلى سجن من رخام، بعدما نجا الأسد من كل ما اقترفت يداه بفضل عضلات روسيا وعدم اكتراث الغرب.
ليفانت نيوز_ "التايمز"
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!