-
هل يمكن إعادة تعويم النظام عالميّاً؟
إن دعم أمريكا وإسرائيل للنظام السوري هو السبب الجذري في بقائه من قبل، والآن تعويمه وتأهيله مجدّداً لحكم سوريا. ا
الفكرة السابقة لا تكترث جديّاً للدعم الإيراني والروسي، رغم أنّه هو من أنقذ النظام مرّاتٍ من الرحيل؛ وفي هذا فقط يمكن قراءة غياب الدعم الأمريكي للثورة والمعارضة. ولكن وللحق، هل من عاقلٍ يعتقد أن أمريكا ستدعم انتصار ثورةٍ شعبية؟ خطاب الأسد الأخير، وخفوت الرفض لانتخابه مجدّداً من الغرب، وتأخر أمريكا في تعيين مندوبٍ خاص بالإدارة في سوريا، يدعم حجج القائلين، إنّ التعويم قاب قوسين أو أكثر.
هناك ما يشبه الإجماع في تحليل الشأن السوري، ويؤكد أنّ تغيير هذا الشأن صار مرتبطاً بالتوافقات الإقليمية والدولية؛ المقصد أن لا تغيير جاد في تأهيل النظام أو إسقاطه دون تغييراتٍ فعليّة في تلك التوافقات. السؤال هنا: هل حدثت تغيّراتٍ في تلك التوافقات، لينبري بعض المحلّلين، ويؤكد أن النظام السوري أعيد تأهيله، وعليكم الإقرار بذلك؟ وحتى قبل خطاب "الانتصار" قيل ذلك الكلام.
لا شك أن واقع المعارضة السورية، وواقع "الثورة" وغياب المعارضة عن التأثير، ووجود روسيا وإيران خلف النظام، يدفع نحو فكرة التأهيل؛ لكن هذا المعطى ليس كل اللوحة السورية. اللوحة هذه تؤكد رفض أمريكا والغرب للانتخابات تلك، ورفض إعطاء سوريا لروسيا قبل التوصّل إلى صفقة حقيقية بينهم ومع روسيا، ومفتاحها تخفيف الحضور الإيراني، وإحداث تغييرات في بنية النظام، ومراعاة القرارات الدولية الرافضة لاستمرار النظام كما هو، وهناك قضايا دولية كثيرة تلاحقه. لا يكفي هنا الاستعانة بفكرة أن النظام لم يطرد من الهيئات الدولية، ليصار للقول إنّ الغرب سيقبله من جديد، وكما هو.
نضيف إلى ذلك، أنّ روسيا ذاتُها معاقبة أمريكيا وكذلك إيران، وهذا لا يخفف منه "اللهوجة" التحليلية في أن إيران سترفع عنها العقوبات وستتلقى مليارات الدولارات، وستظل سطوتها الإقليمية حاضرة. هذا ليس بتحليلٍ جادٍ للواقع، فالتوقيع على الاتفاق النووي لن يكون دون شروطٍ تضعِف من التمدّد الإقليمي لإيران، وكذلك لن يغير اللقاء المرتقب بين بايدن وبوتين الكثير من المعطيات، وفي حال كانت هناك ملفات جادة للنقاش، فلا يمكن لأمريكا أن تتجاهل القرارات الدولية والقضايا المرفوعة على النظام السوري أمام المحاكم الدولية وسواها.
وبالتالي، لا يمكن شطب السنوات بين 2011 و2021، وكأنّها من بنات الخيال الجامح؛ هذا لا ينسجم مع التحليل السياسي الصائب للعلاقات بين الدول، وطبعاً لا يعتمد الأمر على صحوة أخلاقية أو التذرّع بحقوق الإنسان، كما قيل إن بايدن يراعيها في سياساته الدولية؛ القضية تكمن في تعذّر التأهيل، نظراً لكثرة الوقائع التي لا يمكن شطبها أو تمييعها.
إنّ سياسات الغرب إزاء الشعب السوري وثورته، قد لا تدفع نحو تشدّدٍ ضد روسيا وإيران، والأخيرتان لن تغيرا كثيراً من سياساتهما، سيما على ضوء دعمهما الانتخابات الأخيرة، وتتفيه القرارات الدولية لجهة التغيير السياسي. وبالتالي، ورغم الحديث عن الاتفاق النووي، ولقاء بايدن وبوتين، فإنّ الأوضاع قد تستمر على حالها. أغلب الظن، سيستمر تفكك الوضع السوري، وليس فقط التفكك بمعنى تبعية إدارة قسد لأمريكا، والفصائل المعارضة لتركيا، وتحكم هيئة تحرير الشام بإدلب، بل وكذلك التأزم الشديد في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمناطق تحت سيطرة النظام.
لا يمكن للتفكير العقلاني نسيان أنّ فاتورة الحرب تتجاوز الخمسمائة مليار، وهذه لن يدفعها أحدٌ للنظام السوري أو لروسيا، وهناك قانون قيصر مسلّط على رقاب حلفاء النظام، والخليج، ويمكننا إضافة هشاشة الوضع الأمني، وكذلك لم تحدث تغييرات كبرى في سياسات النظام الحالي، والتي لا ثقة بها إقليمياً ودولياً. وهنا لا يمكن القول بأنّ أمريكا هي فقط المانعة للإمارات أو السعودية من تدفق الأموال إلى سوريا. الإمارات متحالفة مع إسرائيل، وهناك تنسيق ومشاورات، ولنفترض أن إسرائيل تريد تأهيل النظام السوري، فهل يمكنها أن تفعل ذلك، وإيران تتواجد في سوريا وعلى حدودها، ورفضت كل الاقتراحات بالابتعاد عن تلك الحدود؟ هذه حجة إضافية للاسترخاء في تحليل الشأن السوري.
هناك تأزمٌ شديد في وضع النظام السوري، حيث يتأثر بسياستين متعارضتين دولياً، أمريكا وروسيا، ووضع إقليمي قلق ولم يستقر بعد؛ فهناك تعارضات بين تركيا وإيران وتنعكس على الأرض السورية، والوضع بين تركيا ومصر لم يتغير، وهناك شروط إسرائيل، وهي مؤثرة على روسيا وأمريكا، ونضيف تعارض المصالح بين روسيا وإيران، والاختلاف في مراكز الثقل الأساسية في السلطة ذاتها.
إذاً، لا يشكل خطاب الرئيس بشار الأسد جديداً عمّا سلفه؛ فكافة خطاباته ومنذ 2011، في الإطار نفسه؛ إطار الخيار الأمني والعسكري وتجاهل ما أصبحت عليه سوريا من احتلالٍ خارجي متعدد، وتهجير قرابة نصف سكانها، والدمار الهائل، وضرورة تبني خطاب جديد يتجه به للموالاة والمعارضة. إن الخطاب الحربي ذاك، لا يفيده في تأهيل النظام من جديد، ولا يفيد روسيا في تسليم أمريكا لها سوريا. وبالتالي، وربما من مساوئ قدر السوريين، أن الخيار الممكن حالياً هو استمرار الاستنقاع، والتفكك، وربما بعض الحروب الفاشلة ضد إدلب أو الحسكة أو في درعا وسواها، ولكن لن تكون حروباً حقيقية؛ فروسيا لن تدعمها ضد تركيا ولن تفتح معركة ضد أمريكا، وشروط إسرائيل واضحة، ولا سيما لجهة تحجيم الوجود الإيراني بشكل كبير.
الانتخابات الرئاسية وخطاب "الانتصار" يقودنا للقول إنّ ذلك الخطاب وواقع المعارضة لا يشيان بتغييرٍ في السياسات تجاه الوضع السوري؛ وهذا من أسوأ ما تواجهه سوريا، وأكثر مما تحبذه الدول الداعمة للنظام ولمعارضته المكرّسة. الممكن في سوريا إذاً، استمرار التفكك والاستنقاع والتأزم، ويظلُّ الحلّ بيد الخارج المختلف.
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!