-
من حافظ إلى بشار... أمريكيون في قبضة نظام الأسد
ليفانت- نور مارتيني
منذ دخول الجيش السوري إلى لبنان، تحت مسمّى جيش الرّدع العربي، إبّان الحرب الأهلية، سعى للاستفراد بالمشهد فيه، وإيقاعه في قبضة نظامه الأمني العميق، ولكن ثمّة عقبة حقيقية كانت تقف أمام النظام الذي سعى منذ وصوله إلى حكم سوريا، إلى انتزاع هذه المفردات من قاموس السوريين، ولكنّ العلاقات اللبنانية السورية المتشابكة، كانت دائماً حاجزاً يحول دون هيمنة مماثلة على لبنان، الذي سعى النظام إلى تكريسه كمستعمرة سورية.
كان الحلّ الوحيد أمام النظام السوري هو ترك الحياة الثقافية في لبنان تسير وفق المعتاد، خشية تصعيد من قبل مثقفي البلد الذي لطالما كان صوته مسموعاً في الغرب، مع تأسيس تيارٍ ثقافي وإعلامي موازٍ، يسير في ركاب النظام السوري وحزب الله، ومن خلفهما إيران، وهو ما ظهر بشكل واضح بعد اندلاع الثورة السورية، وجيوش الإعلاميين اللبنانيين الذين سعوا لوأد الثورة إعلامياً. نظام الأسد
رمى النظام من خلال هذه الخطوات إلى مسألتين: إحداهما هي إبعاد السوريين عن هذه المنابر التنويرية وتركها حكراً على اللبنانيين، لتكريس سياسية "فرّق تسد"، من جهة، والغاية الأخرى هي ترك واجهة حضارية له يستثمرها عند اللزوم، وكلما ضاقت به السبل، وتزايد الضغط عليه دولياً، وليستخدمها لاحقاً في المساومات الدولية.
في الثمانينات، كانت قواعد الاشتباك التي يلتزمها "حافظ الأسد" تقضي بعدم الاصطدام بشكل مباشر، بل الاكتفاء بإرسال رسائل ما شأنه أن يجعل عملية المساومة أسهل، وهو الدرس الذي لم يفهمه بشار الأسد، بأنّ للممانعة والمقاومة حدوداً لا ينبغي تجاوزها!
موازين اللعبة تغيّرت بشكل كبير بعد مقتل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق "رفيق الحريري"، وانكشاف الدويلة الأمنية السورية، داخل الدولة اللبنانية، وهو ما دفع بحزب الله إلى الإعلان عن مشروعه الحقيقي لاحقاً، من خلال احتلال ساحة الشهداء عاماً كاملاً، إلى أن تمكّن من فرض هيمنته على المشهد، ولكنّ النظام السوري عاد ليدخل من نافذة "حزب الله" وأجهزته الأمنية التي هيمنت على المفاصل الأمنية، وحركات الملاحة البرية والبحرية، لتتحوّل النافذة إلى باب واسع مفتوح بين النظام السوري ولبنان.
اقرأ المزيد: بدعم “حزب الله”.. خطة إيرانية لتزويد نظام الأسد بـ”وقود الطائرات”
ولهذا لم يكن غريباً أبداً أن يتمكّن مدير عام الأمن اللبناني "عباس إبراهيم"، من الدخول في وساطة للإفراج عن المحتجزين الأمريكيين في سجون النظام السوري، والنجاح في إطلاق سراح أحدهم، في حين لم يفلح السفير الأمريكي "روبرت فورد"، أو الوسطاء الروس في تحقيق ذلك.
هل بات حزب الله وصياً على "النظام السوري؟
ويأتي الإعلان الخجول عن إطلاق سراح أحد هؤلاء المحتجزين، بعيد وصول إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، في حين عملت إدارة الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب" على هذا الملف مطولاً، ورفضت مساومة النظام السوري على حرية المعتقلين الأمريكيين، مقابل إلغاء "قانون قيصر"، وهو ما دفع بوالدة الصحفي الأمريكي المغيّب قسرياً في دمشق "أوستن تايس" لاتهام إدارة ترامب بالتقصير، ومع ذلك لم ترشح معلومات جديدة عن مصير "تايس"، رغم الحديث عن وساطة "عباس إبراهيم" في الملف ذاته.
المفاجئ في الموضوع أنّ "عباس إبراهيم" تمكّن من إطلاق سراح الرهينة الأمريكي "سام غودوين" رغم اعتراض "علي مملوك"، والذي يعد الاسم الأشهر حين يجري الحديث عن روافع نظام الأسد الأمنية، والذي لم يقبل بمقولة تواجد "غودوين" كسائح، وهو ما يثير تساؤلاً حول طبيعة الدور الذي باتت تلعبه الأجهزة الأمنية اللبنانية التي يقودها حزب الله بالدرجة الأولى في الملف السوري، بعد أن ظلّ نظام الأسد يحكم الملف اللبناني ردحاً من الزمن.
ويعتبر “إبراهيم” في الوقت الحالي الوسيط الوحيد بين واشنطن ونظام الأسد، من أجل بحث مصير المختطفين الأمريكيين، على رأسهم الصحفي “أوستن تايس”، حيث لعب دوراً في وقت سابق في إطلاق سراح ثلاث معتقلين في سوريا، بينهم سام غودوين، وهو مواطن أمريكي أُطلق سراحه من سوريا، العام الماضي.
منذ الثمانينات.. صورة "حافظ الأسد" و "اللفتنانت روبرت أوو غودمان"
لم يكن الطيار الأمريكي الذي يقاتل في لبنان يتخيل أن يجد نفسه في زنزانة قذرة وقد علّقت على جدرانها صورة لحافظ الأسد، رغم أنّ كل ما يتذكّره أنه كان يحلّق مع زميله فوق سماء لبنان.
كان غودمان في ذلك الوقت طياراً يبلغ من العمر 27 عاماً، حين أقلع بطائرته مع الليفتنانت طيار "مارك لانغ" على متن طائرة من طراز (إيه6-إي انترودر) في الرابع من ديسمبر/كانون الأول عام 1983 من على متن حاملة الطائرات الأمريكية جون إف كينيدي، المتمركزة قبالة السواحل اللبنانية.
وكانت مهمة الطيارين تتمثل في إسقاط ألف رطل من القنابل على دبابات سورية وقواعد صواريخ مضادة للطائرات في وادي البقاع في لبنان على مقربة من الحدود السورية، في إطار عمل القوات الأمريكية التي كانت جزءاً من قوة كبيرة متعددة الجنسيات، غير أنها بمرور الوقت وجدت نفسها متورطة في مواجهة مفتوحة مع دمشق.
يتذكر غودمان تكبيله واقتياده على متن شاحنة دون أن يعلم إلى أين وجهته أو من هم آسروه، ثم علم بعد ذلك أن زميله لانغ توفي متأثرا بإصابته.
وقال "عندما ذهبنا إلى دمشق وضعوني في زنزانة ثم أحضروني من أجل استجوابي." كانت هذه اللحظة التي شاهدت فيها صورة شخصية للرئيس السوري حافظ الأسد معلقة على الجدران.
ناشدت والدة غودمان علنا إطلاق سراحه، وزاره في الأسر السفير الأمريكي لدى سوريا في ذلك الوقت، روبرت باغانيلي، وكذا وفد من رجال الدين بقيادة الناشط الحقوقي القس جيسي جاكسون الذي سافر إلى دمشق ملتمسا إطلاق سراحه من رئيس النظام السوري السابق حافظ الأسد.
اقرأ المزيد: سام غودوين.. رحالة أمريكي قضى رحلته في سجون النظام السوري
وبحسب تصريحات جاكسون لإعلام، فقد "كانت حجة الأسد أن الليفتنانت جودمان ليس سائحاً، بل هو جندي وما كان ينبغي له أن يكون هناك. وكانت حجتي أن ذلك كان خطأ وإنه لم يكن في مهمة إسقاط قنابل في سوريا، وأن إطلاق سراحه سيكون علامة على حسن النوايا." نظام الأسد
الصحفي الأمريكي أوستن تايس.. هل يفعل بايدن ما رفضه ترامب؟
أوستن تايس، كان هو الآخر جزءاً من الملفات التي فاوض "عباس إبراهيم"، النظام السوري عليها، وقام برحلات مكوكية بين الولايات المتحدة ودمشق قبيل انتهاء ولاية الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" لإطلاق سراحه، غير أن ترامب رفض مطالب النظام السوري برفع "عقوبات قيصر"، حيث قال الرئيس الأمريكي السابق وقتها، في تصريح نقله عنه وزير خارجيته "مايك بومبيو": “قال الرئيس بوضوح إننا لا ندفع مقابل إعادة الرهائن. نحن نعمل على إثبات أنهم بحاجة إلى إعادة هؤلاء الأشخاص”.
وفي السياق ذاته، قال بومبيو: "“سنواصل العمل، ليس من أجل عودة أوستن فقط، ولكن لكل أمريكي محتجز. لن نغير السياسة الأمريكية للقيام بذلك”.
وكانت مجلة نيوزويك، قد أفادت بمعلومات حول رغبة النظام السوري بتخفيف العقوبات وانسحاب القوات الأمريكية من سوريا، مقابل تعاونه في ملف المعتقلين الأمريكيين، وهو ما رفضته إدارة ترامب.
يشار إلى أنّ أوستن ( 39 عاما)، هو صحافي أمريكي مستقل كان يتعاون مع العديد من الصحف ووكالات الأنباء مثل صحيفة "واشنطن بوست" وشبكة "سي إن إن" ومجموعة "ماكلاتشي نيوز"، ووكالة "فرانس برس"، واختفى أثناء توجهه من ريف دمشق إلى لبنان في آب 2012.
وقبل اختفائه، كان أوستن يغطي أحداث الثورة السورية ضد نظام بشار أسد، حيث تحدث في آخر تغريده له على حسابه في تويتر عن مشاركة مقاتلين من الجيش الحر له في احتفاله بعيد ميلاده.
في ظل الحديث عن معتقلين أمريكيين في سجون النظام السوري، يكاد يغيب اسم الأمريكيين من أصول سورية عن المفاوضات، باستثناء إدارة ترامب، التي طالبت بالطبيب "مجد كم ألماز"، المعالج النفسي المعتقل منذ عام 2017، بين من طالبت بإطلاق سراحهم من سجون النظام السوري، في الوساطة التي يقودها مدير عام الأمن اللبناني "عباس إبراهيم"، فيما يتمّ تأكيد خبر تصفية الشابة "ليلى شويكاني" في سجون النظام السوري، حيث كشفت صحيفة الاندبندنت البريطانية أنّ المواطنة السورية الأمريكية ليلى شويكاني (26 عاماً) أُعدمت بعد محاكمةٍ لم تستمر أكثر من 30 ثانيةٍ فقط! نظام الأسد
قد تحب أيضا
كاريكاتير
قطر تغلق مكاتب حماس
- November 11, 2024
قطر تغلق مكاتب حماس
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!