الوضع المظلم
الجمعة ٢٧ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
مجابهة إيران تبدأ من قصّ أذرعها المليشياوية
درويش خليفة

أوصلت السياسات التصعيدية الإيرانية منطقة الشرق الأوسط إلى توتر غير مسبوق، لا سيما بعد انخراطها المباشر في الحرب على الشعبين السوري واليمني، وتغذية أذرعها العربية بالخطاب والتشنج المذهبي الذي أسفر عن تطرّف مقابل، وهو ما كرسّ لنزاعات "هوياتية" ما دون وطنية، لا تعرفها شعوبنا العربية سوى مسمياتها وتوصيفاتها، وخصيصاً في سوريا.

ولقد أحدثت السنوات العشر الماضية تغيراً إقليمياً ودولياً في النهج والتعاطي مع الجمهورية الإسلامية في إيران، بعد أن استغلّ نظامها الراديكالي مطالب الشعوب العربية بالتغيير، بتدخله ومساندته للأنظمة المعادية للمملكة العربية السعودية، مثل نظامي بشار الأسد ومعمر القذافي في سوريا وليبيا، وأحدث شرخاً في كل من الجسد العراقي واليمني واللبناني، رافداً أذرعه الولائية، بالسلاح والذخيرة، مسنداً إليها مهمة مؤازرة الطغاة، وبالتالي؛ التستر على جرائم قادة إيران بحق شعوبها من غير الفرس.

لكن أن تصل ألسنة النيران المذهبية الإيرانية إلى الحدود السعودية، فهذا ما لم يكن في الحسبان، الأمر الذي أدركته القيادة في المملكة، بتشكيل قوة درع الجزيرة، لقطع أيدي إيران من البحرين، وتقديم الدعم للمعارضة السورية، وتثبيت الحكومة الشرعية في اليمن، إلى أن وصل الأمير "محمد بن سلمان" ولياً للعهد، ليُغير من قواعد الاشتباك ونقل السعودية من حالة الدفاع إلى حالة الهجوم، وذلك بتشكيل التحالف العربي وضرب الميلشيات الإيرانية في عقر دارها.

تُغير السعودية اليوم من عاداتها التي تتعلق في القضايا الإقليمية، وهو ما شهدناه بفتح نيران طائراتها على مليشيا الحوثي في عدد من مناطق جنوب اليمن، وإحراز تقدم واضح لقوات الحكومة الشرعية، فضلاً عن وقف استيرادها مع بعض أشقائها الخليجيين للمنتجات اللبنانية، بعد أن كانت الداعم الأول لاقتصاد هذا البلد، الذي أنهكه حزب الله بسبب سياساته وتدخله في شؤون دول المنطقة بقتل مناهضي النظام السوري، ومساندته لميليشيا "أنصار الله" جماعة الحوثيين الإرهابية، والتصريحات التي تخرج عن أنصاره ومتزعميه بين الحين والآخر، كان آخرها؛ خطاب حسن نصر الله بالذكرى الأولى لمقتل "قاسم سليماني" أول من شرعَ الإرهاب والقتل في سوريا، تبعها كلمة لنائب الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، مخاطباً قادة السعودية "أنتم الإرهاب ونحن المقاومة"، وأضاف "وإن عدتم عدنا" في تحدٍّ واضح غير قابل للتأويل.

ورداً على اتهام الإعلام الولائي للمملكة السعودية بالتشدد وتصديره إلى العالم، قال ولي العهد السعودي، في حديث سابق لصحيفة "ذا إتلانتيك": "إنَّ الإسلام هو دين السلام" وأوضح بأنَّ (إيران، الإخوان المسلمين، الجماعات الإرهابية)، وبحسب مفهومهم الخاص للخلافة، يدعون المسلمين لبناء إمبراطورية بالقوة وفقاً لإدراكهم وأطماعهم.

في غضون ذلك، السؤال في هذه الأثناء، هو كيف سيكون العقاب السعودي لحزب الله؟ ففي الربع الأخير من العام الماضي، وعلى ضوء تصريحات وزير الإعلام اللبناني المستقيل "جورج قرداحي"، قطعت الرياض علاقاتها الدبلوماسيّة مع بيروت، أما اليوم، تمثّل تصريحات متزعمي مليشيا حزب الله، تطاولاً صريحاً على المملكة.

على أي حال، قافلة التحالف العربي تسير في اليمن وكلاب حزب الله في الضاحية الجنوبية تنبح، وهي مقتبسة من أبيات شعرية للإمام الشافعي " قل ما شئت بمسبتي.. فسكوتي عن اللئيم هو الجواب.. لست عديم الرد لكن.. ما من أسد يجيب على الكــــلاب".

ومن زاوية أخرى، يقود الملك سلمان مساراً جديداً يهدف إلى كبح نفوذ إيران الإقليمي، في ظلّ غياب التسويات للأزمات الكبرى في المنطقة، بالقوة أحياناً، كما هو الحال في اليمن، وتقدّم قوات العمالقة في بيحان وعسيلان لتمهيد الطريق باتجاه محافظتي البيضاء ومأرب، وفي أوقات سابقة من خلال جولات استكشافية لاستخبارات بلاده مع الإيرانيين في العراق. وهذه إحدى أدوات السياسة، في ظلّ انشغال كامل من الولايات المتحدة الأمريكية عن قضايا المنطقة، ومفاوضاتها مع القوى الكبرى في فيينا حول البرنامج النووي الإيراني، والاضطرابات على الحدود الأوكرانية، إضافة إلى الانسحاب المخيب للجيش الأمريكي من أفغانستان، لتأتي احتجاجات كازاخستان وتضيف تشابكاً أكثر تعقيداً للقضايا الإقليمية.

مخطئ من يظن أنّ السعودية تواجه ميليشيا الحوثي بمفردهم في اليمن، بل تواجه قواتها هناك؛ إيران وحزب الله والنظام السوري، الذي شرعَ بفتح سفارة للحوثيين في دمشق، إضافة إلى الحشد الشعبي العراقي، وهم بكامل عتادهم وصواريخهم البالستية، أي المواجهة لم تعد سعودية مع جماعة انفصالية، المعركة هناك بين محور معتدٍ، يقابله تحالف همه إعادة الاستقرار إلى محيطه وعمقه العربي.

اليوم، المملكة العربية السعودية مطالبة قبل أي وقت مضى، ببناء تحالف مع دول عربية، بعد تخطي مسألة ترتيب البيت الخليجي خلال العام المنقضي، وتجاوز الخلافات البينية، للتصدي لمشروع إيران، وأي مشروع ينال من استقرار بلدانهم ويكون رادعاً للطامعين بأراضيها ومياهها ونفطها.

وقبل ذلك، لا بدّ من قصقصة أذرع إيران، وخاصة "حزب الله"، الذي لطالما اعتمد عليه فيلق القدس الإيراني في عملياته خارج حدود بلاده؛ من خلال الاغتيالات وتهريب المخدرات، وتنفيذ تفجيرات وقتل للمعارضين الإيرانيين في الخارج، وتلويث المناخ السياسي في لبنان والمنطقة بالشراكة مع النظام السوري.

وأخيراً: لدي تساؤل أخير أضعه بين أيديكم، هل يمكن تصنيف "حركة حماس" الفلسطينية كإحدى أذرع إيران في المنطقة؟

 

ليفانت – درويش خليفة

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!