الوضع المظلم
الخميس ٠٧ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
مازن درويش للمحكمة: هكذا بُنيت الدولة الأسدية
محاكمة كوبلنز

لونا وطفة- ليفانت


خُصصّت جلسات المحكمة (32) و(33)، للشاهد السيد مازن درويش مدير المركز السوري للإعلام وحرية التعبير وضابطٌ منشقٌ جاء بالنصف الثاني من الجلسة الثانية، حيث أخبرت القاضي الأولى أطراف الدعوة أن شهادة الشاهد لن تتضمن تجربة اعتقاله فحسب، وإنما سيتحدث أيضاً عن مسار الأحداث في سوريا. مازن درويش


بدأت الجلسة الأولى كما المعتاد تمام الساعة التاسعة والنصف صباحاً، تناول فيها الشاهد الوضع في سوريا، شارحاً للمحكمة أسباب تحول سوريا إلى دولة دكتاتورية تورث الحكم ولا تحظى بأي حريات حقوقية أو إنسانية. بدأ بقوله “إن ما يحدث في سوريا هو نتيجة طبيعية لتركيبة نظام الحكم والسلطة الذي نشأ فيها، إيان الوحدة بين سوريا ومصر عام 1958”.


الحقبة الأولى في حديث الشاهد كانت مرحلة جمال عبد الناصر وقال فيها: “لقد ارتضى السوريون التضحية بكل أشكال الحرية مقابل الوحدة”، حيث أن شروط عبد الناصر للوحدة كانت: حلّ الأحزاب والبرلمان ومنع كافّة أشكال الصحافة المستقلة. بيد أن الوحدة لم تستمر أكثر من ثلاث سنوات، وكانت السبب لتأسيس الدولة الديكتاتورية.


بعد انقلاب حزب البعث عام 1963، كان أول قرارٍ له هو إعلان حالة الطوارئ، وابتدأت مرحلة جديدة هي مرحلة الحزب الواحد. ثم حدثت انقلابات داخل الحزب نفسه، وكانت نتيجتها إزاحة الحزبيين المدنيين وتكريس السلطة للعسكريين البعثيين. مازن درويش


حافظ الأسد والوصول إلى السلطة


الحقبة الثانية في حديث الشاهد بدأت عام 1970، عندما قام حافظ بالانقلاب على مجموعته وتفرد بالسلطة لنفسه وهنا بدأت مرحلة الدولة الأسدية.


ذكر الشاهد، أن حافظ الأسد كان أكثر براغماتية من القيادة السابقة، وأنه سرعان ما حصل على قبولٍ دولي وإقليمي خاصةً بعد ما عُرفَ بأيلول الأسود، حين منع الجيش السوري من مساعدة منظمة التحرير في الأردن.


بدأت صناعة الدولة الأسدية بإقرار دستورٍ دائمٍ للبلاد عام 1973، مع صلاحيات مطلقة للرئيس، وبأخطر مادة فيه كما وصفها الشاهد، وهي المادة الثامنة التي جعلت حزب البعث قائداً للأمة والمجتمع. بعد ذلك بدأت عبادة الفرد وتأليه الرئيس وإطلاق يد الأجهزة الأمنية لتحل محل مؤسسات الدولة.


تلتها مرحلة أدلجة الشعب بكافة أعماره ابتداءً بالأطفال من خلال المنظمات الرديفة للنظام وهي منظمة طلائع البعث، وشبيبة الثورة للناشئة، واتحاد الطلبة للشباب والشابات. وقضى بعد ذلك حافظ الأسد على النقابات بعد المجزرة التي ارتكبها بحقهم وتأسيسه لنقابات تعمل تحت إمرته.


بعد ذلك جاءت مجزرة حماه وكان هدفها إخضاع الشعب السوري بالكامل وحكمه بالخوف والقوة وإبراز دور الأجهزة الأمنية في سوريا.


بعد موت حافظ الأسد، بدأت الحقبة الثالثة بتولى الوريث بشار السلطة وتغيير الدستور ليناسب عمره، وبدأ حكمه ببروباغندا الإصلاح ومحاربة الفساد ومنح الشعب مساحة بسيطة من الحرية كانت سبب نشأة المنتديات السياسية والثقافية، التي سرعان ما أغلقت عدا منتدى الأتاسي، واعتُقل منظمي هذه المنتديات.


ثم تحدث عن استخدام بشار الأسد التهديد بالإرهاب لمجابهة فكرة الشرق الأوسط الجديد التي تم طرحها في أمريكا. نتيجة لذلك قام النظام بالسماح لرجال الدين التابعين له بتشجيع الشباب على الجهاد إبان حرب العراق، وتحدث عن تجميع الشباب في دمشق ونقلهم بباصات كبيرة مع مرافقة أمنية، لإيصالهم إلى الحدود مع العراق بغية الجهاد هناك.مازن درويش


بعد حرب تموز عام 2006 فتح المجال للتغلغل الإيراني أكثر تحت بند الاستفادة من انتصار حزب الله، وبدأت حركات التشييع وتحولت سوريا كجزء من المشروع الإيراني فيها. بعد العام 2008 وحتى 2011 بداية الثورة السورية، اعتقل النظام ما تبقى من السياسيين الذين وقّعوا على إعلان دمشق وبيان “دمشق بيروت، بيروت دمشق” وأعاد تطبيع علاقاته مع المجتمع الدولي مع إطلاق يد الأجهزة الأمنية، وخصخصة الاقتصاد ليكون اقتصاد ظل موازي للدولة.


استراتيجية جديدة لسحق المعارضين..بعد الثورة


مع بداية الثورة قُسّمت سوريا لقطاعات بحيث يتبع كل قطاع لجهاز أمني، وبالتزامن مع بداية المظاهرات ومجابهة الأمن لها بالعنف، تم إطلاق سراح ما لا يقل عن 800 شخص من المتطرفين والجهاديين، وبدأ النظام الدفع باتجاه العسكرة والعنف والتطرف، بما يتناسب مع ما صرّح به بشار الأسد في أول خطابٍ له بعد الحراك الشعبي بتاريخ 30.03.2011، حين قال: “إن أردتموها حرباً مفتوحة فلتكن”.


ويذكر الشاهد أن أول عملية إطلاق رصاص حي على المتظاهرين حضرها بنفسه كانت في دمشق قرابة الشهر السادس من ذات العام حين دُعي لاعتصام في ساحة العباسيين تضامناً مع درعا وكان المشاركون فيه من مدينة دوما بشكل خاص، وأضاف الشاهد أن إطلاق الرصاص بدأ قبل ذلك في درعا، لكنه لم يكن حاضراً بشكل شخصي بل قام مركزه بتوثيقها وكانت بتاريخ 18.03.2011.


تحدث بعدها الشاهد عن وجود التعذيب في سوريا قبل وبعد العام 2011 بذات الأدوات المستخدمة الآن، وأنه قبل هذا العام كان يخص شرائح قليلة من المنظمات الحقوقية والسياسيين والمعارضين، ولكن التغيير في منهجية التعذيب التي حدثت بعد بداية الثورة كانت بنقطتين: الأولى أنه أصبح عاماً لشريحة أوسع، فازداد عدد الضحايا بشكلٍ كبير وصل للملايين، والثانية أن التعذيب قبل العام 2011 كان لغايةٍ أساسية وهي الحصول على المعلومات، ويتوقف التعذيب بإعطائها كاملة، أما بعد الثورة فلم تعد المعلومة هي المهمة بل الانتقام والعقوبة والتصفية.


انتقل الشاهد بعد ذلك للحديث عن الفرع 251 موضوع المحاكمة ومعرفته الشخصية به، فقال أنه واحدٌ من أهم فروع الأمن في سوريا، من جهة تدخله بكل تفاصيل الحياة السياسية والاقتصادية والدينية والعلمية، وتولي إدارته من قبل رجال موثوقين جداً عند النظام. وأضاف بأن مهمة هذا الفرع الاستراتيجية هي الحفاظ على أمن دمشق وريفها بالمعنى السياسي، وأنه أيضاً يتحكم بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية والتعيينات الوزارية، بالإضافة لوظائفه الأمنية الاعتيادية. مازن درويش


وعند سؤال المدعي العام له إن كان قد قام من خلال مركزه بتوثيق حالات قتل تحت التعذيب، أجاب الشاهد بالإيجاب، وأخبر المحكمة أنه أحضر وثائق خاصة مترجمة للألمانية ويريد تقديمها لهم. وبعد جدالٍ طويلٍ بين أطراف الدعوة عن عدم معرفتهم بهذه الوثائق مسبقاً، وبالتالي عدم تمكنهم من طرح الأسئلة لعدم معرفة محتواها، قررت المحكمة سؤال الشاهد عن مضمونها بالعموم خلال الجلسة، وأخذها منه للإطلاع وسيتم مناقشتها في وقتٍ لاحقٍ من المحاكمة، ولكن ليس خلال هاتين الجلستين لعدم اتساع الوقت لذلك، وسنخصص لهذه الوثائق تقريراً منفصلاً.


انتهت الجلسة تمام الساعة الرابعة مساءً بعد أسئلةٍ استيضاحية كثيرة من أطراف الدعوى جميعاً، تتناول التفاصيل التي قام الشاهد بذكرها في شهادته وعن اعتقالاته السابقة في سوريا.

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!