-
استعصاء التوافق واتساع الانقسام في آفاق الحل الليبي
يتجه الوضع في ليبيا إلى مزيد من التعقيد مع استعصاء التوافق في اجتماع القاهرة، وصعوبة الخروج بنتائج ملموسة ومزيد من الانقسام في مجلس الأمن حول تعيين مبعوث جديد، في وقت يلوح فيه شبح الانزلاق مجدداً للصراع المسلح.
اختتمت اجتماعات ممثلي مجلسي النواب والدولة الليبيين في العاصمة المصرية القاهرة، الاثنين، التي بحثت المسار الدستوري.
ورغم البيان الإيجابي الذي أصدرته المستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بشأن ليبيا ستيفاني وليامز، حول الأجواء الإيجابية، إلا أنّ المشاورات التي جرت على مدار أسبوع لم تفضي إلى نتائج ملموسة، واكتفى البيان بعرض القضايا التي نوقشت خلال أسبوع والاتفاق على استمرار اللقاءات عقب عيد الفطر.
ومن القضايا التي نوقشت في الاجتماع، الاتفاق على اللائحة الداخلية المنظمة لعمل لجنة المسار الدستوري المشتركة بين المجلسين، والاتفاق على استمرار اللقاءات عقب عيد الفطر.
بيان المستشارة الخاصة للأمين العام بشأن ليبيا حول اختتام الجولة الراهنة لأعمال لجنة المسار الدستوري الليبي في القاهرة 👈 https://t.co/8J19bdNafg pic.twitter.com/38I1rsX92V
— UNSMIL (@UNSMILibya) April 19, 2022
وأضافت أن الأمم المتحدة يسرت النقاشات بين الطرفين على مدى الأيام الماضية، وقدم فريق الخبراء التابع لها إيضاحات فنية حول جملة من القضايا الدستورية المهمة، مستشهدا بتجارب بلدان في المنطقة والعالم.
تتنازع ليبيا حكومتين متنافستين منذ الشهر الماضي عندما عيّن البرلمان الذي يتخذ من شرقي ليبيا مقراً له فتحي باشاغا ليحل محل رئيس الوزراء الذي يتخذ من طرابلس مقراً له عبد الحميد الدبيبة، الذي رفض التنحي قبل إجراء انتخابات جديدة.
اقرأ أيضاً: ليبيا.. حشود عسكرية في محيط العاصمة طرابلس
وزاد الانقسام مع تعلّيق ممثلي الجيش الليبي الذي يقوده الجنرال خليفة حفتر في بنغازي شرق ليبيا، السبت 9 أبريل الحالي، مشاركتهم في المجلس العسكري المشترك "5+5" المدعوم من الأمم المتحدة، ودعوا إلى قطع الطريق ووقف الرحلات الجوية بين شرقي ليبيا وغربها.
في أوائل العام 2020، تشكلت اللجنة العسكرية المؤلفة من عشرة أعضاء مقسمين مناصفة بين شرقي وغربي ليبيا، تحت رعاية الأمم المتحدة حيث جمعت مسؤولين عسكريين من الطرفين المتنازعين في البلاد. وفي أكتوبر من نفس العام وقع أعضاء اللجنة على اتفاق للسلام في جنيف نص على انسحاب المرتزقة الأجانب وإعادة فتح العديد من الطرق عبر خطوط المواجهة.
استعصاء التوافق
ولم يفلح اجتماع القاهرة في سد بؤرة الانقسام، بالرغْم محاولة المستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بشأن ليبيا إظهار أجواء إيجابية في بيانها، وقالت إن هذه الجولة من مشاورات المسار الدستوري الليبي تأتي في إطار المبادرة التي أطلقتها مطلع الشهر الماضي، بهدف المضي قدماً للتوصل إلى إطار دستوري وتشريعي لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في أقرب فرصة ممكنة، في إشارة إلى مشاورات تونس، التي رفضها البرلمان، واعتبرها مساراً موازياً.
وتسعى وليامز منذ أسابيع عدّة لإعادة مجلسي النواب في طبرق والدولة في طرابلس إلى طاولة المفاوضات، لحل الخلافات التي ثارت بينهما أخيراً حول الملف الدستوري وتغيير السلطة التنفيذية.
وأكدت وليامز أن الأمم المتحدة، تسعى للبناء على التوافق الذي تحقق بين المجلسين مطلع العام الجاري؛ لإعادة تفعيل المسار الانتخابي وتلبية آمال الليبيين الذين يؤمنون أن الحل النهائي للمراحل الانتقالية المتعاقبة والأزمات المترتبة عليها، يأتي عبر انتخابات تستند إلى إطار دستوري سليم وإطار انتخابي بمدد زمنية محددة.
لكنّ بيان وليامز المقتضب وغير الواضح، دفع بإثارة الشكوك حول مدى صدقية التوافق الذي تحدثت عنها، وذكرت تقارير إعلامية أن بيان وليامز ما هو إلا محاولة من المبعوثة الأممية للتغطية على انسحابات بعض أعضاء مجلس النواب، والذين رفضوا استكمال المشاورات.
وحسب المعلومات فإن المبعوثة الأممية وجهت دعوات مغايرة لطرفي المشاورات؛ حيث دعت المجلس الأعلى للدولة لمناقشة القاعدة الدستورية مع مجلس النواب، في حين دعت الأخير لمناقشة التعديل الدستوري الثاني عشر، الذي أقره البرلمان في فبراير/شباط الماضي.
اقرأ أيضاً: الدبيبة يرفض مطالب ممثلي شرق ليبيا بلجنة الـ5+5
وكان سبب الدعوات المغايرة التي وجهت إلى الطرفين، خوفًا من رفض طرفي المشاورات حضورها، خاصة أن البرلمان يرفض القاعدة الدستورية التي أقرها الأعلى للدولة، فيما تراجع الأخير عن دعمه للإعلان الدستوري الثاني عشر.
استمرار الانقسام في مجلس الأمن
يأتي ذلك في وقت يستمر الانقسام بشأن تعيين مبعوث جديد لهذا البلد، حسب دبلوماسيين. وعقد مجلس الأمن الدولي الثلاثاء اجتماعا مغلقا لبحث الملف الليبي، إذ تنتهي مهمة البعثة السياسية للأمم المتحدة في ليبيا في 30 نيسان/أبريل.
ويشهد مجلس الأمن منذ النصف الثاني من 2021 واستقالة السلوفاكي يان كوبيش في تشرين الثاني/نوفمبر، خلافات بشأن عدد من المسائل في ليبيا. لذلك لم يتم تمديد مهمة بعثة الأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر لأكثر من أربعة أشهر، ثم تم تمديدها مجدداً في كانون الثاني/يناير لثلاثة أشهر فقط.
ونقلت فرانس برس عن دبلوماسي طلب عدم كشف هويته إن مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية روزماري ديكارلو شددت في اجتماع الثلاثاء على أهمية تمديد بعثة المنظمة الدولية لمدة سنة.
في حين، اكتفى المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك رداً على سؤال حول ليبيا في مؤتمره الصحافي اليومي، بالقول إن "الرسالة الأساسية علناً وسراً هي ضرورة اتحاد القادة الليبيين من أجل مصلحة الشعب الليبي".
منذ تشرين الثاني/نوفمبر لم يقدم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى مجلس الأمن أسماء شخصيات يمكن أن تتولى المهمة خلفا ليان كوبيش الذي سيتم نقل منصبه من جنيف إلى طرابلس. لكنه عيّن مستشارة خاصة لهذا الملف هي الدبلوماسية الأميركية ستيفاني ويليامز التي شاركت في إدارة بعثة الأمم المتحدة في الماضي. وتنتهي مهمتها مبدئيا في نهاية نيسان/ أبريل.
وذكر دبلوماسيون أن إفريقيا التي تأمل في تعيين إفريقي مبعوثا للأمم المتحدة إلى ليبيا، اقترحت أسماء شخصيات على غوتيريش في خطوة تلقى دعم روسيا والصين.
تنعكس الانقسامات سلباً على عمل اللجنة والتطبيق الكامل لبنود اتفاق وقف إطلاق النار، وبخاصة تلك المتعلقة بوجود مقاتلين أجانب في البلاد. وتجميد العمل بالاتفاقيات العسكرية الخاصة بالتدريب في الداخل الليبي، إلى جانب توحيد المؤسسة العسكرية وحل الميليشيات. وكانت اللجنة قد حققت إنجازات مهمة في اتفاق وقف إطلاق النار، خلال بداية عملها.
مخاوف من عودة القتال
تثير مخاوف من اندلاع قتال جديد أو انقسام مناطقي، الشارع الليبي. وتحاول الأمم المتحدة والدول الغربية إحياء عملية الانتخابات التي أخفق الطرفان في إجرائها في 24 ديسمبر من العام الماضي. وتوسع الخلافات بين حكومة الدبيبة والبرلمان.
نهاية مارس الماضي، حذرت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، ستيفاني وليامز من إدخال اللجنة العسكرية المشتركة في خضم الخلافات السياسية الحاصلة في البلاد، وطالبت بالحفاظ على التقدم المحرز في المسار الأمني.
يشهد محيط العاصمة الليبية طرابلس تحركات عسكرية كثيفة، بعد أنباء عن اعتزام رئيس الحكومة الجديدة المكلف من البرلمان فتحي باشاغا، الدخول إلى العاصمة.
ووفقا لما نقلته وسائل إعلام ليبية، فقد تم رصد تحركات عسكرية في محيط العاصمة وتوجه أرتال عسكرية كبيرة تحمل أسلحة ثقيلة ومتوسطة خرجت من عدة مدن بالمنطقة الغربية متجهة نحو العاصمة.
اقرأ أيضاً: ليبيا.. تحركات دولية لحل الأزمة بعد تصاعد التوتر
ومساء الجمعة 15 أبريل، شوهدت أعداد كبيرة من العربات العسكرية قادمة من مصراتة والزنتان والزاوية، حاملة على متنها أسلحة متوسطة وثقيلة ومقاتلين، تتجه نحو طرابلس.
ووصلت تلك المجموعات المسلحة، التي أفيد بأنها تابعة لحكومة الوحدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، إلى محيط العاصمة لاحقاً.
وأشارت إلى أن أرتالاً مسلحة عبرت منطقة السواني ضمت أكثر من 100 سيارة مسلحة متجهة نحو العاصمة، كما تمركزت قوات أخرى أمام مقر الأمن الخارجي قبل فتحة السريع.
حمّل رئيس الحكومة الليبية المكلفة من مجلس النواب، فتحي باشاغا، الأحد 17 أبريل، حكومة الوحدة الوطنية "المنتهية ولايتها" برئاسة الدبيبة، المسؤولية عن أي تصعيد عسكري يمس بالأمن والاستقرار ويهدد سلامة المدنين.أي تصعيد يهدد سلامة الليبيين.
1/2 تابعنا البيانات الصادرة عن القوى الأمنية والعسكرية في #مصراتة و #طرابلس والتي تؤكد على نهجنا الثابت بعدم استعمال القوة. وإذ نشيد بهذه البيانات، نؤكد تحميلنا الحكومة المنتهية الولاية مسؤولية التصعيد والتحريض على العنف.
— فتحي باشاغا Fathi Bashagha (@fathi_bashagha) April 17, 2022
وأكّد باشاغا في بيان، نُشر على حسابه في "تويتر"، أنه سيواجه ما وصفه بانحراف حكومة عبد الحميد الدبيبة بالطرق السياسية والحزم.
وعبّر باشاغا عن ترحيبه بموقف القوى الأمنية والعسكرية في مصراتة وطرابلس الداعي لتجنيب طرابلس الصدام، مشيراً إلى أنها تؤكد نهج حكومته في تجنب استعمال القوة.
على الرغْم من كل الدعوات إلا الدبيبة متعنت ومستمر على موقفه، واعتبر في تصريح جديد أن الحديث عن تسليم الحكومة مهامها لحكومة أخرى هو "عبث وتضييع للوقت"، مؤكداً أن حكومته ستستمر بأداء مهامها.
قال الدبيبة، خلال الاجتماع العادي الخامس لمجلس الوزراء مساء الثلاثاء 19 أبريل، إن الحكومة مستمرة في أداء مهامها بشكل طبيعي الى حين التسليم الى حكومة منبثقة عن سلطة تشريعية منتخبة.
واعتبر أن "محاولة حصر المشكلة في إمكانية اقتحام العاصمة طرابلس والدخول الى مقرات الحكومة ما هو إلا قفزة على الحقيقة التي تقول من ولد بالتزوير والتدليس لن تحييه محاولات التسلل والاقتحام". مستنكراً موجة الإغلاق التي استهدفت الموانئ والحقول النفطية من قبل الأطراف المناهضة له، لافتاً إلى أن المسؤول عن ذلك الطبقة السياسية التي ترفض إجراء الانتخابات.
وكان رئيس البرلمان عقيلة صالح، قد دعا، الاثنين الفائت، عدداً من مؤسسات الدولة السيادية لوقف التعامل مع حكومة الدبيبة، أو التخاطب باسمها، بسبب "انتهاء ولايتها".
مع فشل اجتماع القاهرة في التوصل لتوافق واستمرار الانقسام في مجلس الأمن حول الشأن الليبي يبدو أن الوضع ينزلق بحدة نحو صراع جديد كما كان الوضع بين 2014 و2021 في أوج حرب أهلية، في ظل الانقسامات التي تشهدها البلاد بين المؤسسات في الشرق والغرب.
ليفانت نيوز_ خاص
إعداد وتحرير: عبير صارم
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!