الوضع المظلم
الأربعاء ٢٥ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
لماذا تندب إسرائيل على العرب؟
كمال اللبواني

تتكاثر الأصوات في إسرائيل التي تشعر بالحزن والأسى نتيجة ضعف الدول العربية وانهيارها أمام الغزو الإيراني الزاحف عبر الحشود الشعبية والحروب الأهلية والميليشيات ومنظمات الترهيب والمخدرات، محطماً كل انتظام سياسي وثقافي وسكاني، ومطلقاً موجة عارمة من الفوضى والجريمة صارت تحاصر إسرائيل من كل الجهات.

إسرائيل التي تفتقر بشدة للرعاية والحماية من الأم الأمريكية أو الجدة الأوروبية، تبحث عن حلفاء محليين يقومون بالنيابة عنها في مقارعة إيران وهزيمتها، مبعدين الخطر الجديد الذي صار يهدّد وجودها وكيانها، بطرق ووسائل لم تكن في حساباتها، مختلفة جذرياً عن الجيوش والحرب النظامية التي طور الغرب استراتيجيته وعدته الدفاعية بناء عليها.

تشعر إسرائيل بالعجز والإحباط في مواجهة حماس وحزب الله وغزو التطرّف والإرهاب والمخدرات، في حين استطاعت سابقاً هزيمة ثلاثة جيوش عربية معاً بستة أيام، واحتلال ثلاثة أضعاف مساحتها، وتحاول اليوم  تعويض الانسحاب الأمريكي بنفوذ روسي، لكن روسيا حليفة استراتيجية لإيران التي تخدمها على الأرض، تحاول إسرائيل الاستغناء عن الدعم الأوربي مستعيضة عنه بعلاقات اقتصادية مميزة مع الصين، لكن الصين أيضاً تستخدم إيران كجرافة تفتح لها المناطق التي كانت مغلقة عليها فيما مضى، كدول إسلامية معادية للشيوعية، ودول حليفة للرأسمالية الإمبريالية الأمريكية.

إيران تحت شعار مقاومة إسرائيل والاستكبار العالمي، استطاعت حصد ثمار كل سياسات الغرب وإسرائيل تجاه العرب السنة، وتمكّنت من الوصول لباب المندب والبحر المتوسط والأحمر وشمال إفريقيا، والصين بدأت ببناء قواعدها الاقتصادية في عرين النفوذ الأمريكي في أهم منطقة في العالم (وسط العالم وممراته وخزانه من الطاقة)، وروسيا تحاول أن تستعيد أمجادها القيصرية مستفيدة أيضاً من هذه الفوضى كحليف للصين.. ولما كانت إسرائيل هي الأداة الغربية في تكريس هيمنته على المنطقة، ولما كانت الصين تريد طرد الغرب منها، فإن إسرائيل لن تكون الحليف والأداة في المرحلة القادمة، لذلك تمتنع روسيا عن مساعدتها في تقويض النفوذ الإيراني، بينما الصين تستثمر مئات المليارات في البنية التحتية الإيرانية والعراقية التي تنطلق منها الحشود والأسلحة والمسيرات ومنظمات الترهيب السني والشيعي.

هكذا لم تدرك إسرائيل أنّها تحصد بيديها ما زرعته منذ تأسيسها، فهي اليوم تحصد ثمار سياسة بن غوريون التي سارت عليها حتى الآن، ولا يجرؤ أحد على مراجعتها من السياسيين. بن غوريون قال لكي تبقى إسرائيل فعليها أن تضعف العرب السنة الذين يحيطون بها، وتقوي خصومهم عليهم، أي إيران الشاه وتركيا أتاتورك. وهكذا نظمت الانقلابات العسكرية وقامت سلطات الفساد والتخريب، تحت ذريعة الاعتماد على الجيش، ولأنّ النهضة والوحدة العربية تتطلب أولاً استئصال إسرائيل، وبدل قذف إسرائيل في البحر، انهارت الجيوش المتضخمة في الحرب، ثم انقلبت على شعوبها قتلاً وتدميراً مستكملة المهمة الحقيقية التي صممت من أجلها، وهكذا انتهت العراق للاحتلال الأمريكي الذي سلّمها لإيران بناء على وصية بن غوريون، ومصر لدولة محطمة جائعة، وسوريا لخراب ما بعده خراب، لم تضعف الدول العربية السنية بل ماتت ودفنت، ودفن معها العدو الذي يهدّد إسرائيل، بينما نشأ عدو جديد ممتد للبعيد هو محور المقاومة الذي يضم إيران وتركيا ومعهم الإخوان، كحلف تجمعه الرغبة في التسلّط واستغلال المجتمع باسم الدين، ولا يوحدهم سوى شعار واحد هو مقاومة الشيطان الأكبر الذي تجسده إسرائيل.

دول الخليج العربي التي نعمت بذهب النفط وفساد حكامها وطوروا نظم الرفاهية والبذخ الخاصة بهم، هم أيضاً لم يكونوا معنيين بأي قضية خارجية بل سلموا أمنهم ودولهم لجيوش أمريكا التي قررت الانسحاب التدريجي من المنطقة رافعة الغطاء عن حليفتها السابقة إسرائيل التي بدأت ترتجف من البرد والخوف عندما اكتشفت عريها وصغرها، وصارت تندب وتبكي كي تجد أماً تغطيها، لكنها لم تسمع أي صوت قادم يفتح الباب.

 

ليفانت - كمال اللبواني

 

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!