الوضع المظلم
الجمعة ٠٨ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
كيف يعيش الساحل السوري مع كوفيد-19؟
الساحل السوري

انتشر فايروس كوفيد 19 في معظم دول العالم وأدخِل ثلث سكان الأرض في الحجر الصحي الإلزامي الكامل، بدأ في الصين وانتقل سريعاً إلى إيران التي تتداخل مع النظام في شبكة علاقات واسعة (عسكريّة وسياسيّة ومدنيّة) وانتقل بعدها إلى إيطاليا وأوربا وأميركا.


ومن غير المعقول الحديث عن إجراءات احترازيّة مبكّرة وقويّة للنظام أدّت للسيطرة على الفايروس، في ظلّ حديث النظام عن 25 إصابة فقط، إذ إنّ هذه الإجراءات والتي يطرحها النظام كتفسير وحيد لروايته هذه، لم تكن كافية على الأقلّ حتى منتصف شهر آذار عندما تحدّثت وسائل إعلام عديدة عن حالات لمرضى بفايروس كورونا في مشافي النظام لم يصرّح عنها، وهذا يعني أنّ الفايروس قد أخذ فرصته الكاملة للتفشّي في مناطق سيطرة النظام، إلّا أنّ تحرّك معظم دول العالم ودول الجوار باتجاه اتّخاذ إجراءات الحجر الصحي دفعت بالنظام للسير مع هذا التيّار العالمي، وهنا تكمن العديد من الأسئلة التي حاولنا في تحقيقنا هذا التقصّي حولها للحصول على إجابات قد تكون شافية حول عدد الإصابات والقتلى في الساحل السوري وطبيعة الإجراءات الاحترازيّة التي قام بها النظام ومدى فعاليتها وآثارها الاقتصاديّة والمعيشيّة على السكان ، ومستقبل الساحل السوري في التعامل مع هذا الوباء. 


طبيعة الحياة اليوميّة في الساحل السوري خلال الحجر الصحي، وكيف يتعامل الأهالي مع الأزمات الاقتصاديّة وتدبير احتياجاتهم اليوميّة؟.


لم تصل المدن في الساحل السوري لمرحلة الإغلاق التام بل استمرّت فترات الحظر المؤقتة والتي تمتدّ منذ السادسة مساءً وحتّى السادسة صباحاً، في حين فرضت سلطة الأسد الإغلاق على المطاعم والمقاهي وكافّة المحال التجاريّة والحرف اليدويّة باستثناء محلات الخضار والفواكه ومحلّات (السوبر ماركت) كما أغلقت المناطق الصناعيّة، وتوقفت باصات النقل الداخلي وباصات الخدمة في المدينة وريفها وأغلقت المدن باتجاه الأرياف منذ منتصف آذار المنصرم، إلّا أنّ قطاعي الصحة والجيش حصلوا على تصاريح بحريّة التنقل ما يضع كل إجراءات النظام في مهبّ الريح، حيث قاربت تصاريح المرور وحريّة الحركة للمدنيين في محافظة طرطوس وحدها العشرين ألف تصريح، عدا قطّاع الجيش الذي ينضوي فيه قرابة المئة ألف عسكري من طرطوس وحدها وأكثر من هذا الرقم بقليل في اللاذقيّة. و بحسب (ح.ك.) الموظف في محافظة طرطوس حيث يصدر مكتب المحافظة التصاريح ممهورة بختم المحافظ، وأشار (ح.ك.) إلى أنّ التصاريح شملت العديد من القطاعات الإنتاجيّة العامّة، كما دخل الفساد الإداري سريعاً على الخطّ ليحصل الكثير من المسؤولين والمقربين منهم والقائمين على أعمالهم الخاصة على تصاريح مفتوحة، تضع كل إجراءات النظام الاحترازيّة في سلّة البربوغندا الإعلاميّة فقط. 


وفي هذا الصدد يقول (ع.ج.) أحد سكان مدينة اللاذقيّة: لم ينقطع الناس في المدينة عن الزيارات والتجمّعات، فالجميع يقضون أوقاتهم مع جيرانهم وأقربائهم، ويتجولون في أوقات فكّ الحظر كما يلتقي الشبّان في المنازل للعب الورق.


وفي الأرياف نكاد لا نلاحظ تغييرات على الأرض باستثناء إغلاق بعض المحال التجاريّة كما تحدّث إلينا الكثير من شهود العيان من قرى الساحل السوري.


وعن الأزمات المعيشيّة المترتبة على إجراءات الحجر يقول الناشط السياسي (س. ش.) : ( لم تتوقف الأعمال الزراعيّة في الأرياف، كما أنّ النظام أعطى تصاريح الحركة والمرور لأغلب الفعاليات الصناعيّة، هذا بالإضافة لوجود شريحة واسعة جدّاً من الموظفين الحكوميين والعسكريين الذين يتقاضون رواتبهم في كل الأحوال، الشريحة الأكثر تضرراً هم سكان المدن المياومين وأصحاب البسطات والتجار الصغار، إذ إنّ أعمالهم توقفت بالكامل، وهم ما يقارب الخمسين ألف عائلة في الساحل السوري، وهؤلاء بدؤوا يدخلون في نفق مجهول قد يطول وقد يتسبب طول الحجر في ظهور حالات نقص التغذية والأمراض الناجمة عنها والموت جرّاء العوز، وفيما يخصّ النظام فإنّه لم يوقف أي ضريبة ولم يقدّم أيّ مساعدات لعجزه عن ذلك كما أعتقد، وهذا ما يجعل الأمور أكثر سوءاً، يبقى موضوع غلاء الأسعار الجنوني الناجم عن الحجر وارتفاع أسعار الدولار والذي لم يستطع النظام التعامل معه لحدّ الآن ما يهدده بثورة جياع فيما لو طال الأمر). 


كميّة الإصابات المعلنة ومنحى الانتشار


بلغت كميّة الحالات المصابة بفايروس كوفيد-19 والتي أعلنت عنها سلطة الأسد ومنظمة الصحة العالميّة في مناطق سيطرته حتى لحظة إعداد هذا التحقيق 25 شفي منها 8 حالات، إلّا أن وسائل إعلاميّة معارضة كشفت عن أنّ أرقاماً أعلى من ذلك مصابة بفايروس كوفيد-19 منذ بداية آذار، وتضاربت الشهادات الطبيّة بين مؤيّد لإحصائيّات سلطة الأسد وبين نافٍ لها، حيث يؤكّد العديد من الأطباء وجود حالات (التهاب رئوي حاد) في جميع المشافي في مناطق سيطرة سلطة الأسد، ومع ذلك، فلو أخذنا بعين الاعتبار تبقى الأرقام أقلّ من مئة حالة في مناطق سيطرة النظام وأقلّ من ثلاثين حالة في الساحل السوري وفي هذا الصدد التقينا الدكتور (ج.ع.) العامل في مشفى تشرين الجامعي في اللاذقيّة حيث يقول: (لم نلاحظ تزايد في أعداد الوفيّات في أمراض ذات الرئة بعد آذار من هذا العام، كما إنّنا لا نستطيع تشخيص كورونا بدقّة في المشافي العامّة لعدم وجود كيتات الفحص فهي موجودة فقط في دمشق، وحدوث وفيّات جراء التهابات رئويّة حادّة بمعدّل عشرين إلى خمسين في العام هو أمر اعتيادي يحصل كل عام)، وعن رأيه في الإجراءات التي اتّخذها النظام للحدّ من انتشار فايروس كورونا يقول: (لا نستطيع الجزم بأنّ إجراءات الحجر الصحّي قد أدّت لمحاصرة الفايروس، فهناك العديد من الخروقات التي تقوّض كل إجراءات الحجر منها الازدحام على الأفران، والازدحام على أبواب المؤسسات التموينيّة وعلى توزيع المساعدات، فالفايروس سريع الانتشار ويبقى لفترة طويلة نسبيّاً في الجسم دون أعراض، كما إنني ألاحظ أنّ السوريين غير مبالين بهذا الفايروس ولا يلتزمون لحدّ بعيد بمسائل التباعد الاجتماعي، لذا من الصعب الحديث عن فعاليّة فارقة في إجراءات الحجر الصحّي التي أتت أصلاً بشكل متأخّر). 


احتمالات استمرار الحجر، ومدى احتمالية حدوث حالة تفشّي للفايروس وفقدان سيطرة وحالات وفيّات كبيرة


قامت سلطة الأسد بتمديد الحجر الصحي الإلزامي حتّى الثاني من أيار، في ثاني تمديد بعد الإعلان الاول للحجر الصحي الذي استمرّ خمسة عشر يوماً تلاها تمديدان كل تمديد يمتدّ لخمسة عشر يوماً، وفي ظلّ أقاويل عديدة وتسريبات عن  استمرار الحجر أو توقّفه يطفو على السطح احتمالان، الأوّل اعتبار سوريا ناجية من الفايروس وإلغاء الحجر، والثاني استمرار الحجر حتّى تبدأ بعض الدول بتخطّي الجائحة وعودتها للحياة الطبيعيّة ليحذو النظام حذوها، وبحسب خبراء فإنّ الخطّ البياني للإصابات في سوريا غير دقيق و”سياسي” يتبع لبروبغندا خاصّة بسلطة الأسد إذ إنّه لا يتوافق مع الخطوط البيانيّة للتفشّي في جميع دول العالم حتّى تلك التي اتّخذت إجراءات أكثر صرامة وفي أوقات مبكّرة أيضاً، وحول هذا الموضوع التقينا الدكتور (ص. ع.) عبر خدمة السكايب ليقدّم لنا بعض التفسيرات حول طبيعة فايروس كوفيد-19 في سوريا وعدد الإصابات واحتمالات التفشّي الواسع يقول: (تكاد احتمالات حدوث حالة تفشّي واسع للفايروس في سوريا تقارب الصفر، وأعتقد أننا تجاوزنا هذه المرحلة منذ زمن، وأنا شاهد على عدّة حالات في المستشفى التي أعمل بها وتطابق أعراض كورونا منذ كانون الثاني من هذا العام، حيث كان الاختلاط العام في ذروته وفرص التفشّي محققة).


وعن تفسيره لما يحصل في بلدان العالم المتقدّم وعدم حدوث مثل هذه الظاهرة في سوريا يقول: (ليست فقط سوريا بل جميع الدول النامية والتي تنتشر فيها الأنفلونزا الموسميّة بشكل متكرر وحادّ طيلة فصل الشتاء، وأيضاً أنفلونزا الخنازير التي كانت منتشرة بكثرة في سوريا في السنتين الماضيين وهنا حدث فرقان هامّان بين البلدان المتقدّمة والبلدان المتخلّفة:


أوّلهما، إنّ حالة الاصطفاء الطبيعي لضعيفي المناعة حدثت بالفعل منذ سنوات جرّاء تفشّي إنفلونزا الخنازير ومات العديد ممن يمتلكون مناعة ضعيفة.


وثانيهما، إننا في هذا البلدان(المتخلّفة) نتعرّض للأنفلونزا بشكل دائم مايعزز المناعة لدى الأفراد، في حين انتشرت وبكثرة اللقاحات السنويّة للأنفلونزا الموسميّة في الدول المتقدّمة ما أضعف من مناعتهم بشكل كبير).


خاتمة:


في أكثر التوقعات تشاؤماً نجد أنّ المقدّرين لعدد الإصابات في سوريا يصل إلى 70 حالة بعد شهرين على الأقلّ من نفس المصادر التي أكّدت وجود حالات إصابة بفايروس كوفيد-19 في سوريا، هذا في حال كانت هذه التوقّعات صحيحة، فإنّ الخطّ البياني لانتشار الفايروس مختلف تماماً عمّا شهدناه في دول أقلّ احتكاكاً بالصين وإيران أولى البلدان التي تفشّى فيها الفايروس، كما إننا لا نستطيع الاختباء من شمس الحقيقة بغربال ادعاءات النظام باتّخاذ إجراءات “حازمة” ضدّ الفايروس، ذلك لعجزه عن تطبيق إجراءات قويّة كتلك التي طبّقت في الصين، إضافة لعجزه عن تأمين الاحتياجات اليوميّة للسكان المحجورين، لذا أمسك العصا من المنتصف واتّخذ إجراءات تبقيه بعيداً عن مسؤوليات إطعام السكان وتأمين البدائل.


وبعيداً عن انتقادات حكومات العالم له لعدم اتّخاذه أي إجراء، ففي النهاية السلطة التي قتلت قرابة المليون سوري لن تكترث بموت بضعة آلاف بفايروس كورونا في ظلّ تداعي حكومات عالميّة أمام هذا الفايروس، لكننا نلاحظ أن الخطّ البياني للانتشار وظهور الأعراض الخطيرة في الدول الناميّة مختلف تماماً عنها في الدول المتّقدة، وهذا ما يحيلنا للرأي الطبي الذي ورد في تحقيقنا عن الأسباب التي تجعل من هذه الدول أقوى في مواجهة الفايروس، فهل سيفتح هذا الفارق الكبير الأسئلة على شركات الدواء العالميّة حول الجدوى من لقاحات الأنفلونزا الموسميّة، أم أنّ الإعلام العالمي سيكتفي بالتعمية على مجريات الأحداث التي قد تغيّر في الفهم العالمي لوظائف الدواء ومدى فعاليّة الكثير من الأدويّة المطروحة في السوق؟، وهل تتبنى حكومات العالم ومنظّمة الصحة العالميّة سياسات تحافظ على المناعة التي أثبت كورونا أنّها الخيار الأفضل للبشريّة جمعاء؟، كلها أسئلة برسم المستقبل ومجريات الأحداث القادمة لتبعات فايروس كوفيد-19.  


أليمار لاذقاني 

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!