-
قوى "جود" من الموجود
اذهبوا إلى شعبة الأحزاب في وزارة الداخلية، وسيسمح لكم بعقد المؤتمر. عدّة اتصالات من قياداتٍ أمنيّة كانت كافية لإيقاف القائمين على المؤتمر عقد مؤتمرهم. رغم ذلك، تجمع بعض الأفراد في دار السيد حسن عبد العظيم، ولكن الشرطة أخرجتهم منها، وكفى المؤمنين شر القتال. قيادة هيئة التنسيق معروفة جيدة لأجهزة السلطة، والأخيرة لا تخشاها بحالٍ من الأحوال، ولكنها لا تريد تشريع نشاطاتها أيضاً.
انشغلت أوساط المعارضة في الأيام الأخيرة بقصة مؤتمر "جود"، وهناك من رأى جرأة بعقدهم المؤتمر وهم في فم النظام، بينما رأى آخرون أنّ روسيا ستشمل بعطفها المؤتمر العتيد، وهناك من لم "يشيل" الزير من أرضه؛ ربما الرأي الأخير الأدق. قضية المؤتمر تتعلق بتكتيك تنتهجه قوى "نص الشرعية" وتريد عبره شرعنة عملها، وفي حالة سوريا، تتوهم أنّها ستفرض نفسها كأمر واقع، بحكم العلاقة الوطيدة مع روسيا، وهناك جملة الأزمات المستحكمة بالنظام، والواقعية تقتضي من الأخير أو يغير من مواقفه، وسيكون سماحه للمؤتمر فائدة له ولقوى المؤتمر ذاتها، ولكن هيهات هيهات، لمن لا يمتلك أية خيارات سوى خياره الأمني، وهو خيار قديم قدم الحركة التصحيحية، وبالتالي، مَنع النظام عقد المؤتمر.
تتبنى وثيقة "جود" موقفاً صلباً إزاء النظام؛ تغييره. الموقف، وأغلب قوى المعارضة تقول به، ولكن وبعد كل ما جرى بسوريا، ونظراً لمعرفة النظام بمرونة حسن عبد العظيم وقيادة الهيئة، فقد رأى أنّ بإمكانهم أن يقولوا ما يشاؤون، فهم لا يشكلون خطراً عليه، ولكن لا يُسمح لهم بالمؤتمرات العلنية. وبالتالي لا قيمة حقيقية لوثيقتهم، والتي تتضمن إصراراً على القرارات الدولية، وهي بالحقيقة أصبحت نافلة القيمة، ما لم تتبناها الدول العظمى والإقليمية وتقيم تسوية وفقها.
الفكرة الأخيرة، هي المجمَع عليها في أوساط المعارضة والتحليل السياسي العالمي للوضع السوري. أي لم تعد القضية السورية سوريّة، وصار حلّها، يتعلق بتوافقات عالمية وإقليمية. وبالتالي ليس من حلٍّ بإرادةٍ وطنية، التي هي غير متوفرة بالأصل، وهذه مأساة إضافية. نعم، السوريون خارج المعادلة ما داموا يتابعون مسيرتهم "العظيمة" كما هي. ليس في سوريا قوى وطنية؛ نظامية ومعارضة، وبالتالي الحلّ من الخارج. مشكلتنا أنّ الخارج لم يصل إلى تسوية للوضع. وبالتالي سيظلّ الوضع مفتوحاً على مزيد من التفتت والتبعية للخارج، وفقاً لمناطق النفوذ التي رسمتها أمريكا وروسيا وإيران وإسرائيل بشكل خاص.
تزامن المؤتمر المقموع، مع أزمة اجتماعية عنيفة، وهي تتضاعف يومياً. صَوّرت الهيئة عبر وثيقتها وبيان التنديد بقمعها أنّها تمثل هموم الشارع السوري. هذا طبعاً غير سليمٍ، فهي قوى معزولة عن المجتمع، وهذا حال كل المعارضة، وأزعم أنّ النظام كذلك لولا سطوته الأمنية، وحاجة الناس إلى إدارته لشؤونهم العامة. قوى "جود" أرادت أن تثقل من وزنها، سيما أنّ الفشل يشملها ويشمل المعارضة، بعقد مؤتمر في الداخل، وخلط الأوراق، ولكن عزلتها وضعف الثقل الشعبي الذي تمثله جعل فكرة المؤتمر ومنعه كغيمةٍ صيف، ولا شيء آخر.
النظام لم يستثمر في "جود" كما لم يعد يستثمر بالجبهة الوطنية التقدمية، وروسيا أهملته وأهملت قمعه، وشخصيات جود نفسها فضلت عدم عقد المؤتمر بشكل صدامي، وكأنّها كانت تريد أن تُرخِص له، ولكن طبيعة النظام الشمولية تمنعها، وكذلك عدم شراء خطوتها تلك من إحدى الدول الفاعلة، وبالتالي فضلت إثارة ضجة إعلامية، سرعان ما ستنتهي.
إنّ تحرّك قوى جود يأتي بسياق محاولات أخرى من أطراف عديدة من قوى المعارضة، وبهدف تشكيل بديل عن الائتلاف الوطني، وبالطبع عن هيئة التنسيق. أيضاً، طغى في الأشهر الأخيرة الحديث عن مجلسٍ عسكري انتقالي، يقود المرحلة الانتقالية، ويستلم البلاد من النظام القديم ويسلمها للنظام الجديد. قيادات جود تتحدّث عن أنّ مؤتمرها العتيد كان يعدُّ له منذ سنوات، وهذا لا يشكل حجّة يُستند إليها بعقد هذه الفترة، هي لحظة تشهد تحركات متعددة، وأزمة عميقة، وهناك قضية الانتخابات الرئاسية، التي لم يصدر بعد بياناً يؤجلها بسبب كورونا أو لسبب آخر.
طبعاً فشلت القوى الرافضة للائتلاف في تشكيل بديل له، وكذلك فشلت بقية القوى في تشكيل معارضة قوية؛ وقوى قسد وهيئة تحرير الشام والفصائل التابعة لتركيا هي قوى أمر واقع، وسيطالها الشطب حينما تنعقد التسوية الإقليمية والدولية، وهي لا تشكل مرتكزاً لمعارضةٍ جديدة وجادة، ومثال عما نتحدث، أنّ قسد لم تستطع إقامة تحالف مع قوى كردية أخرى رغم الضغط الأمريكي نحو ذلك.
لو نجحت قوى "جود" في عقد مؤتمرها وانتخاب قيادة لها، هل كان سيتغير المشهد السوري؟ لا طبعاً. للدقة نقول، إنّ قوى جود وقبلها هيئة التنسيق، عوّلت كثيراً على دورٍ روسي، يحتضنها، ويقويها وتقوى به، وربما تتوّهم باستلام قيادة البلاد عبر الروس. إذاً هيئة التنسيق وبقية قوى جود طامحون لشغلٍ سياسيٍّ مستقبلي، وربما هذا هو فحوى المؤتمر، ولو أنّه فشل. وبالطبع هم يتحسبون لقمعه، ولكنهم نجحوا بدون شك في وضع أنفسهم في مصنفٍ عند القادة الروس وللحظة تحلُّ فيها ساعة التسوية، وليس القيامة.
أهم ما قد يكون له مفاعيل في سوريا، هي الأزمة الاجتماعية، والتي أجبرت روسيا، وهذا تحليلي، على تشكيل منصّة الدوحة، وربما تجبرها، وقد أصبحت غير مستفيدة من وجودها في سوريا، وربما تبدأ عملية استنزافها واستنقاعها كذلك ورغم كل الاتفاقيات الاقتصادية لصالحها؛ فداعش يُجدد له، وأمريكا باقية وقد تتمدّد، والأتراك أيضاً طامحون إلى سلخ أراضٍ جديدة من سوريا. وبالتالي ليس من مصلحة روسيا تأجيل تسوية الوضع السوري، وكافة محاولاتها لتعويم النظام وإنعاشه فشلت؛ فأمريكا والاتحاد الأوربي يرفضان المسارات الروسية كافة.
قوى جود ربما درست جملة التفاعلات أعلاه، وتنتظر مبادرة روسية قوية، وحينها قد يكون للشخصيات الأساسية في هذه القوّة دور ما في التسوية المستقبلية. أخيراً لا قيمة لأيّة قوى سوريّة لا ترى أنّ سوريا لم يعد يحكمها النظام، بل يحكمها الاحتلال الروسي أولاً، والإيراني ثانياً، والأمريكي والإسرائيلي والتركي ثالثاً؛ هذا ما على قوى جود أن تفهمه وتعيه جيداً، وكذلك على بقية قوى المعارضة.
ليست روسيا راعياً نزيهاً يا هيئة التنسيق، ومن يجنّد نفسه عندها لن يكون إلّا تابعاً ذليلاً لها، يأتمر بأمرها، وهو حال الائتلاف مع تركيا وقسد مع الأمريكان وهيئة تحرير الشام مع داعميها، وهم كثر.
ليفانت - عمار ديوب
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!