-
قمَّة سوتشي.. هي قمَّة في الغدر
عادة ما تؤخذ القرارات السياسية للدول بناء على محددات سياسية عامة تنتهجها الدولة، وبناء على استشارات معمقة يجريها صانعو القرار، وعودة إلى مراكز دراسات، واستعراضاً لتقارير يومية أو أسبوعية.
لكن الأمر في تركيا مختلف جداً في ظلّ وجود رئيس مزاجي روسيا
كيدي يتعامل بردَّات الأفعال غير المحسوبة، حتى لو أضرَّ بمصلحة بلاده، فمعظم مواقفه كيدية تظهره وكأنه يتعامل مع أبناء حارته ومدرسته لا مع دول.
كل القمم بين الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» والرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» كانت في عكس صالح الشعب السوري، وكان أردوغان يعقد الصفقات مع بوتين على مبدأ [أعطونا أيها الروس مصالحنا ونحن نسدد لكم من حساب الشعب السوري]. تلك المعادلة هي التي أوصلت الأمور إلى حالة الاستعصاء الكبير الذي تمر به الأوضاع السورية منذ أكثر من ثلاث سنوات.
لكن القمة الأخيرة بين الرئيسين كانت الأسوأ على الإطلاق، ففيها نجح الرئيس الروسي بإقناع نظيره التركي بأن عملية «شرق الفرات» التي يزمع أردوغان إطلاقها لن تكتب لها الحياة، في ظل رفض (روسي إيراني وأمريكي)، وأن رهان أردوغان على تحقيق مكتسبات إضافية في سوريا هو رهان خاسر، وما عليه إلا الالتفات إلى بلاده الغارقة بالأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وترك الملف السوري للإرادة الروسية، التي تقضي بإعادة «الجغرافيا السورية» إلى نظام الأسد بوصفه النظام الشرعي وفقاً للرؤية الروسية.
كشف أردوغان أن نظيره الروسي بوتين طالب تركيا بالتعاون مع «نظام الأسد» في موضوع مكافحة التنظيمات الإرهابية التي تشكِّل خطراً على أمن أنقرة القومي، والمقصود هنا «قسد». وأوضح أنه بحث مع بوتين الخطوات التي يمكن القيام بها ضدّ التنظيمات الإرهابية في سوريا، والتي تهدد وحدة الأراضي السورية، وتشن هجمات على السوريين، وعلى القوات التركية والمواطنين الأتراك، مؤكداً أنه تم الاتفاق على التعاون بهذا الخصوص.
وقال أردوغان إن بوتين أكد له وقوف روسيا إلى جانب تركيا في مكافحة الإرهاب، وفي الوقت ذاته ألمح إلى أنه في حال سلكت تركيا طريق التعاون مع «نظام الأسد» في ضرب «قسد» فإن ذلك سيكون أكثر صواباً، طالما كان ممكناً.
وأشار أردوغان إلى أن جهاز الاستخبارات التركي على تواصل مع استخبارات النظام السوري حول هذه المسائل بالفعل لكن المهم هو الوصول إلى نتيجة.
ما يميز «قمة سوتشي» الأخيرة هو ذلك الاختراق الذي حققه بوتين في «العقل الأردوغاني» والذي يقضي بتكليف بوتين للرئيس التركي بإقناع المعارضة السورية (أو جرِّها) للتفاوض مع نظام بشار الأسد، والدخول في شراكة وطنية، قد تحظى المعارضة السياسية من خلالها ببعض الوزارات، كوزارة الري والمواصلات.
ويمكن أن يسرح بنا الخيال السياسي قليلاً لنتصور أن من سيحظى بتلك الوزارات الرخيصة هم أعضاء من المعارضة سبق وأن دسَّهم النظام في الكيان المعارض لأداء دور مهم وقد فعلوا، وجاء وقت المكافأة. وبقية أعضاء المعارضة من المهازيل سوف يقتادون لاحقاً إلى المحاكم، ولن تشفع لهم الضمانات الروسية.
المعارضة التي رفضت عروضاً سياسية وطنية منتجة بالتنسيق مع «قوات سوريا الديمقراطية»، وبأوامر تركية سوف تقبل بالانخراط في «شراكة مهينة» مع النظام الذي ثار عليه الشعب السوري في آذار 2011.
المعارضة التي استجرها الأتراك للانخراط في مسار «أستانا» سوف تُستجر للانخراط في مسار «دمشق»، وعندها لن نكون مصدومين، فقد تعودنا من محور «الإخوان المسلمين» بقيادة «المرشد العام أردوغان» أن يرتكبوا كل الشائنات ثم يبرروها بالواقعية السياسية، واختلال موازين القوى، فقد رأيناهم يجلسون مع الروس والإيرانيين، في أستانا، ويتجاوزون «مسار جنيف». ورأيناهم يفتحون مكاتب لتجنيد الشباب للقتال في ليبيا وأذربيجان، ومؤخراً في اليمن، كمرتزقة يقبضون المال مقابل ارتكاب الجرائم، ورأيناهم يقبلون بفكرة إنشاء «كونتون سُنِّي» في الشمال السوري، بعد طرد الشعب السوري الكردي منه.
وسبق لقاء قمة سوتشي إطلاق الرئيسين تصريحات تتحدث عن «رياح تغيير واستقرار» في المنطقة، حيث قال بوتين: “سأبحث الوضع السوري مع نظيري التركي، وهو ما سيحمل رياح تغيير إلى المنطقة، وأن تركيا قدمت إسهاماً كبيراً في تطبيع الوضع في سوريا”.
من جانبه، أكد أردوغان أن مباحثاته مع بوتين حول سوريا “ستجلب الاستقرار للمنطقة”، معتبراً أن تضامن البلدين في مكافحة الإرهاب يحمل أهمية كبيرة، وأن المباحثات ستدعم الخطوات التي سيتم الإقدام عليها بهذا الصدد.
قمة سوتشي الأخيرة تعني أن تركيا باعت آخر ما تبقى للشعب السوري، بعد التضحية بمليون شهيد، ومثلهم من المعتقلين، وملايين المهجَّرين، وهنا يظهر الغدر التركي بأجلى صوره، فحين وضع «الإخوان المسلمون» وفروعهم من «الائتلاف الوطني» و«الحكومة المؤقتة» و«حكومة الإنقاذ» وقيادات «الجيش الوطني» وأمراء «هيئة تحرير الشام» قرارَهم بيد «الضامن التركي» فأخذ من الشعب السوري كل شيء، وأحبط تطلعات السوريين بالحرية والكرامة.
لكن ما الذي كسبته تركيا من الصفقة الأخيرة مع روسيا؟
اتفق الجانبان على زيادة حجم التجارة بين البلدين على أساس التوازن وتحقيق الأهداف المحددة، والسعي للاستجابة إلى توقعات الطرف الآخر في مجال الاقتصاد والطاقة، واتخاذ خطوات محددة في القطاعات المختلفة مثل النقل والتجارة والصناعة والزراعة والقطاع المالي والسياحة والبناء.
وتلقت تركيا وعوداً من روسيا تتعلق بموضوع التعاون في مجال الطاقة، وتحديداً في بناء وإنشاء محطة «آك كويو» النووية في ولاية مرسين جنوبي البلاد. وتضمَّن جدول أعمال محادثات الرئيسين عملية بيع محتملة لطائرات مقاتلة مسيرة من تركيا لروسيا.
تأمل تركيا بتحقيق بعض المكاسب لدعم الاقتصاد التركي وإنقاذ «الليرة التركية» من الاحتراق، مقابل القبول التركي بحرق تطلعات شعب ظن بالأتراك خيراً في لحظة الاحتياج لنصير.
كل ما ورد يتعلق بمخططات مشؤومة دارت بين «بوتين وأردوغان» لكن ذلك لا يعني أن خطط الرجلين سيكتب لها النجاح في ظل وجود عاملين اثنين:
الأول: هو رفض الإرادة الجماهيرية السورية لتلك المخططات.
الثاني: رفض «المجموعة الدولية» وعلى رأسها الولايات المتحدة لذلك العبث.
ليفانت - عبد الناصرالحسين
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!