-
فساد منظمات الأمم المتحدة يطيل عمر النظام
نشر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية CSIS دراسة بعنوان "مساعدات الإنقاذ في سوريا" تتحدّث عن برامج المساعدات الدولية التي تقدمها منظمة الأمم المتحدة UN لسكان مناطق سيطرة النظام السوري، بالإضافة للمساعدات المقدمة من قبل منظمات دولية غير حكومية بالشراكة وتنفيذ من قبل الهلال الأحمر السوري ومنظمة الأمانة السورية للتنمية التي تديرها أسماء الأسد، زوجة رأس النظام.
وجاء في الدراسة، بينما تساهم الحكومات الغربية المانحة بنحو 2.5 مليار دولار سنوياً على شكل مساعدات إنسانية، إلا أن الاحتياجات بارتفاع مستمر.
وبحسب ورقة مركز الدراسات، تلاعبت حكومة الأسد بالمساعدات الأممية لأكثر من عقد من الزمن، حيث منعت الإغاثة عن المعارضة ووجهتها إلى الموالين لها، مما كرّس الفساد نفسه عند قوى الأمر الواقع الأخرى على غرار ما تقوم به حكومة النظام.
وبينت الدراسة، أنه بإمكان الجهات المانحة أن يكسروا هذا النمط من الفساد وسوء معاملة المحتاجين، لو استطاعوا وضع منهجية جماعية تكون أكثر فاعلية.
وأشارت الدراسة إلى أن تفعيل المبادئ الإنسانية، يتطلب وقف إطلاق النار لتتمكن المنظمات الإغاثية من سد الثغرات وتغطية الاحتياجات والتحرك بمرونة أكثر، مما يساعد على استقرار المنطقة. وسيؤدي عكس ذلك إلى تفاقم الحرمان والقمع اللذين أشعلا الحرب، وإطالة عدم الاستقرار بعيدًا في المستقبل، بحسب الدراسة.
سوريا الجغرافية المبعثرة
الجدير بالذكر، أن سوريا باتت دولة مركبة تخضع لسيطرة عدة قوى عسكرية وحكومات تنفيذية، ففي الجنوب والعاصمة والمنطقة الوسطى والساحل يسيطر نظام الأسد، وتسيطر هيئة تحرير الشام على مناطق واسعة من محافظة إدلب وريف حلب الغربي، بينما تسيطر المعارضة والفصائل التابعة لها على نحو 10 بالمئة من ريف حلب الشمالي، إضافة إلى تل أبيض ورأس العين في الضفة الشرقية من البلاد؛ ومناصفة مع النظام تسيطر قوات سوريا الديمقراطية "قسد" على جزء من ريف حلب الشرقي، إضافة إلى مساحات واسعة من الرقة والحسكة ودير الزور.
وتعمق تقرير مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية CSIS، في التحديات التي تواجه تقديم المساعدة في جميع أنحاء سوريا ويوصي بطريقة للتغلب عليها.
كما استندت الدراسة إلى مقابلات مع أكثر من 130 مسؤولاً في الأمم المتحدة، وعمال إغاثة، ومفاوضين، ودبلوماسيين، ومحللين يعملون على استجابة المساعدات، فضلاً عن مراجعة قواعد البيانات والوثائق مفتوحة المصدر والتقارير والتقييمات الداخلية.
وفي هذا الصددّ، قال الخبير الاقتصادي أحمد عزوز لـ ليفانت نيوز، إن "منظمات الأمم المتحدة على معرفة بكل ما يجري من فساد، ولكي تحافظ على وجودها في دمشق، فإنها تضطر إلى غض الطرف عن ممارسات النظام وأساليبه القذرة، محملاً تبعات ما يحدث لمسؤولي برامج UN وUNDP في دمشق، بل ويعتبرهم شركاء بالفساد".
واستبعد عزوز أن تفتح أي جهة فاعلة في المجال الإنساني تحقيقاً يدين النظام، موضحاً أن كل ما يحدث، هو تحت أنظار موظفي منظمات الأمم المتحدة؛ لأن المانحين الأساسيين هم برامج الأمم المتحدة، وبالتالي هم على بيّنة أن الهلال الأحمر السوري والأمانة السورية للتنمية يخضعان لسيطرة مباشرة من قبل النظام ودوائره المقربة.
وتشير الدراسة الصادرة عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إلى إنَّ "موظفي الأوتشا طُردوا عدة مرات من دمشق؛ بسبب تقاريرهم التي تومئ إلى محاصرة النظام لمناطق المعارضة ورفضه إيصال المساعدات إليها، مما اضطرهم لتقديم تنازلات في هذا الصدد من شأنها فرض هيمنته على القطاع الإنساني"، بحسب الخبير الاقتصادي.
وقام النظام في وقت سابق باعتقال أحد العاملين في الهلال الأحمر السوري، بسبب تقرير صدر عنه يذكر فيه أن النظام يمنع وصول المساعدات إلى مستحقيها، وبعد ذلك توفي الشخص المقصود تحت التعذيب، وقامت الجهات الأمنية بإبلاغ عائلته بمغادرة مناطق سيطرة النظام أو أنهم سيلقون المصير نفسه.
ويقول عزوز في حديثه لـ ليفانت نيوز، إن "المعارضة السورية مقصرّة جداً في هذا الملف، إذ إن الدراسة تتحدث عن سيطرة النظام السوري منذ فترة طويلة على المساعدات، بل ويمول الجيش والمليشيات من خلالها، وبالتالي فإنَّ المعارضة مسؤولة عن هذا الإهمال وتتحمل المسؤولية حيال ذلك".
اقرأ المزيد: السعودية تحتفل اليوم بذكرى التأسيس
وفي ختام حديثه، يرى الخبير الاقتصادي، أنّ "الدول المانحة مسؤولة عن إعادة النظر في سياساتها تجاه منظمات الأمم المتحدة، وإيجاد آلية جديدة لإيصال المساعدات إلى المناطق المتضررة بطرق ووسائل جديدة".
روسيا تسيّس المساعدات
كما ساهمت روسيا، حليفة النظام، في تسييس المساعدات، من خلال الضغط على إدخال شاحنات الإغاثة عبر المناطق لتضمن حصة كبيرة للنظام، وهذا ما رأيناه في مناسبات عديدة، كان آخرها القرار الأممي 2585، الذي ينص على أن "تمديد القرارات الواردة في الفقرتين 2 و3 من قرار مجلس الأمن 2165 (2014)، لمدة ستة أشهر، أي حتى 10 كانون الثاني/ يناير 2022، فقط لمعبر باب الهوى مع تمديد ستة أشهر إضافية دون الحاجة لتصويت، أي حتى 10 تموز/ يوليو 2022. ويصدر الأمين العام للأمم المتحدة التقرير الموضوعي، مع التركيز بشكل خاص على الشفافية في العمليات، والتقدم المحرز في الوصول عبر الخطوط في تلبية الاحتياجات الإنسانية".
وبحسب مختصين، فإنَّ تضمين "الإنعاش المبكر" كأحد بنود التفاهم الروسي الأمريكي لتمرير قرار مجلس الأمن 2585 في تموز/ يوليو الماضي، بشأن تمديد تدفق المساعدات عبر الحدود إلى شمال غرب سوريا، يعد تنازلاً أمريكياً، بعد تشددها في السابق بعدم توفير أي منفذ يؤدي لـ "إعادة الإعمار"، بينما لا توفر موسكو أي فرصة تساهم في تثبيت حكم حليفها بشار الأسد وإعادة تعويمه.
ولا بدّ هنا من الإشارة، إلى أنَّ أكثر من مليون سوري يعيشون في المخيمات بالقرب الحدود السورية - التركية، بعد تهجيرهم من مدنهم وقراهم، حيث يتجاوز عدد تلك المخيمات 1300 مخيم، ثلثهم موزع بشكلٍ عشوائي.
وفي وقت سابق، نشرت وكالة “الصحافة الفرنسية” تقريراً سرياً قدمه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، لمجلس الأمن، قال فيه إن "المساعدات الإنسانية عبر الحدود لشمال غربي سوريا من دون موافقة دمشق ما زالت ضرورية".
وأضاف غوتيريش: "في هذه المرحلة، لم تبلغ القوافل عبر خطوط الجبهة وحتى المنتشرة بشكل منتظم مستوى المساعدات التي حققته العملية العابرة للحدود عند معبر باب الهوى بين سوريا وتركيا"، مشدداً على أن "المساعدات عبر الحدود تبقى حيوية لملايين الأشخاص المحتاجين في شمال غربي سوريا".
ويُشار إلى أن وزارة الخزانة الأمريكية، قد عدلت القواعد الخاصة بالعقوبات السورية، في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، وقالت في حينها أندريا جاكي، مديرة مكتب مراقبة الأصول الأجنبية بوزارة الخزانة، إن "الحكومة الأمريكية تعطي الأولوية لتوسيع وصول المساعدات الإنسانية في جميع أنحاء سوريا للتخفيف من معاناة الشعب السوري، الذي ما يزال يواجه الصراع المسلح وانعدام الأمن الغذائي ووباء كورونا".
ويرى الباحث الاقتصادي كرم الشعار في تعليق سابق على القرار الأمريكي "في ظل عدم توفر الحل السياسي، من الأجدى تسهيل عمل المنظمات غير الربحية، مما ينعكس إيجاباً على السوريين، ولكن في المقابل، سيستغل النظام هذه المرونة ويكون أكثر عناداً في تطبيق القرارات الدولية".
وأكد في الوقت نفسه أنَّ هذه القرارات لن تكون في مصلحة السوريين على المدى البعيد، وما يحصل حالياً، هو عبارة عن استثناءات من الإدارة الأمريكية لعمل منظمات بحرية أكبر وتسهيل حركتها في عمليات شراء الوقود دون قيودٍ ومعوقات، بسبب العقوبات المفروضة على شركات تصفية المشتقات النفطية في سوريا.
اقرأ المزيد: "هيومن رايتس": كندا تمنع امرأة وطفلاً كندياً من مغادرة شمال شرق سوريا
وتشهد مدينة السويداء، جنوب البلاد، موجة من الاحتجاجات المتواصلة بسبب سوء الأوضاع الحياتية، وتجاهل النظام لمطالب المحتجين، بل ومواجهة المظاهرات بإرسال أرتال من الميليشيات والفرق العسكرية لقمع أي صوت يدعو إلى تحسين الظروف المعيشية هناك، في ظل تخلي حلفاء النظام عن دعم السوريين، والإبقاء على الدعم العسكري لتثبيت الأسد في الحكم بعد قتله وتهجيره نصف الشعب السوري.
ليفانت - درويش خليفة
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!