-
حديث المصالحة وانتهازيّة الإخوان تتصادم وثوابت الدولة المصرية
جاء حديث الرئيس عبدالفتاح السيسي، خلال الندوة التثقيفية واضحاً، ليقطع السبيل حول دعوات البعض للمصالحة مع جماعة الإخوان، وذلك بناء على اعتبار رئيسٍ، يتمثّل في أن لا تصالح يمكن حدوثه مع طرف مدان بجرائم عنف وإرهاب، وتورّط في قتل أبناء الشعب المصري، وكذا استهدف مؤسسات الدولة. الدولة المصرية
قراءة حديث الرئيس، خلال هذا الشهر، يجب أن تتّسق مع الدعوات التي انطلقت، في الآونة الأخيرة، فيما يتصل بمسألة المصالحة على مستوى الجماعة، من ناحية، ومستوى آخر، يتصل بالدول التي تدعم التنظيمات الإسلاموية، وتوّرطها في أعمال عدائية ضد استقرار القاهرة، سواء كانت قطر أو تركيا، ودعمهما اللامحدود، لوجستياً ومادياً، لعدد من قيادات الجماعة.
عدد لا محدود من التحقيقات التي تجريها أجهزة الأمن المصرية مع قيادات الجماعة بعد القبض عليهم، تؤكد دوماً انسلاخ عدد من التنظيمات المسلحة التي تبنّت جرائم إرهابية من الجماعة الأم، وذلك عقب ثورة 30 حزيران (يونيو) 2013، وهو ذات الأمر الذي اعترف به إبراهيم منير، القائم بأعمال المرشد عقب اغتيال محمود عزت، بمسكنه في التجمع الخامس، شمال القاهرة، حيث أقرّ أنّ الأخير اضطلع بمسؤوليات عدّة خاصة بالتنظيم، وعمليات بعض لجانه النوعية التي استهدفت حياة المواطنين، واستقرار مؤسسات الدولة، الأمر الذي يجعل شعار “أن لا تصالح مع دماء الشهداء” شعاراً يرفعه المواطن قبل المسؤول.
ليس ثمّة شك أنّ دعاوى المصالحة التي تنطلق، بين الحين والآخر، مردّها ومبعثها الرئيس الأزمة التي تعيش تحت وطأتها الجماعة، وذلك على مستوى التنظيم، الذي يتداعى يوما بعد آخر، بينما تبدو الانشقاقات والصراعات بين القيادات واضحة للجميع. وحديث المصالحة دائم ومتكرر خلال السنوات السبع الأخيرة، وهي سبع عجاف بالنسبة للجماعة، وقد جاء هذا الحديث عبر أكثر من طرف سواء في داخل مصر أو خارجها، وربما، العنصر مشترك بين أغلب تلك المبادرات، يتمركز حول مسألة المناورة السياسية، والسعي نحو تهذيب صورة القيادات في ذهنية الأعضاء وترتيب نسق القيادة، والخضوع مرة أخرى على مستوى القاعدة التنظيمية، لاسيما بعد تحلحل التراتيبية، وتمييع رابطة النفوذ بين المستويات التنظيمية على إثر الانفلات والسيولة، ونهب الأموال من قبل القيادات.
تستند الجماعة دوماً نحو تمرير عدة خطابات متباينة بغية اختبار حساسية معطيات توجهاتها، وهو ما نستطيع أن نتتبعه من دأب إبراهيم منير بإطلاق عدة مبادرات للمصالحة، وطرح مسألة استعداد الجماعة للدخول في مفاوضات مباشرة، وقد دعا الإخوان للارتداد خطوة للخلف، وهو ما يعكس إقراراً ضمنياً بتدنّي وانهيار الجماعة وعمق الانشقاقات التنظيمية التي ييدو معها التنظيم في لحظات النهاية الحتمية.
وقد كشفت عن جانب مهم ولافت في هذا السياق، وكالة بلومبيرج الأمريكية، في شباط (فبراير) 2018، إذ أشارت إلى محاولات الجماعة الوصول الى عقد صفقة مع الحكومة المصرية، يتم بموجبها إطلاق سراح قيادات الإخوان من السجون مقابل اعتزالهم التام للعمل السياسي، الأمر الذي سعت الجماعة إلى نفيه في بيان، بعدما واجهت الرفض من فصائل أخرى. بيد أنّ مضمون تلك الصفقة عاد وطرح مرة أخرى، في شهر آب (أغسطس) 2019، حين أعلنت مبادرة لشباب الإخوان، تحت عنوان “اقتراح اتفاقية مستقلة لإطلاق سراح المعتقلين بالسجون المصرية”، والتي أعلنها الإخواني عمر حسن مالك، حيث حاول الأخير أن يصور أنّها جاءت بشكل فردي، حفظًا لماء الوجه، إذا ما تم رفضه.
في المقابل، بدا خطاب الدولة المصرية المواجه لتلك الدعاوى واضحاً ومحدداً، ولا يتبدل بتعاقب السنوات، فما جاء على لسان الرئيس عدلي منصور، هو نفسه ما صرّح به الرئيس عبدالفتاح السيسي في أكثر من مناسبة، خلال السنوات الأخيرة، وجميع تلك التصريحات، لم تخرج عن ذلك المضمون، الذي يرى أنّ جماعة الإخوان لن يكون لها ثمة دور في المشهد المصري، خلال فترة وجوده في السلطة، وأنّ شعب مصر لن يقبل بعودتهم؛ لأنّ فكر الإخوان غير قابل للحياة ويتصادم مع شروط الواقع والسياسة.
تفصح التصريحات التليفزيونية التي جاءت على لسان طلعت فهمي، المتحدّث باسم جماعة الإخوان المسلمين، من خلال قناة الجزيرة، لا تتجاوز ما طرحناه في السطور السابقة، كون السؤال الذي طرح على فهمي يحمل صيغة الاستغراب والتعجّب من طرح فكرة المصالحة والتلميح بها، وكأنّها من عنديات الدولة المصرية وصاحبة المبادرة لا الجماعة، التي طرحت صيغاً عديدة لذلك غير مرة، ويأتي مطلع الاجابة ليستكمل ذات النسق المكون للسؤال، ثم ينتقل في إجابته بمناورة أخرى أنّ صيغة المصالحة إذا كانت مطروحة وواجبة فالأولى بها فئات الشعب، وهو هنا لا يكلّ من محاولاته المستمرة استنساخ موقف مزعوم للجماعة ضمن المصفوفة السياسية في المجتمع المصري، ويطرح لذاته وجماعته المنتهية تنظيمياً وميدانياً محض فرصة للتواجد ضمن حزمة قواعد المجتمع المصري.
ثمة نقطة أخيرة بشأن معالجة هذه القضية، في ضوء تصريحات الندوة التثقيفية، وتتمثّل في أنّ الرئيس المصري في معرص حديثه عن رأيه في مسألة المصالحة، أشار إلى نقطة جوهرية ومهمة، تتحرّى تجاوز الخلافات مع الدول الراعية والداعمة لتلك التنظيمات، خاصة، قطر، وذلك في ضوء الترتيبات والتوازنات الإقليمية.
ولهذا حرص الرئيس المصري على تسجيل موقفه الإستراتيجي من علاقة القاهرة بالدوحة، وأنّه لا ينبغي الحديث حول تجاوز تلك الخلافات دون أن نضع كافة الحقائق في موضعها السليم، والمتمثّل في رفع الدوحة وأنقرة قبضتها عن دعم الإرهاب وتنظيماته المسلحة، وكذا الدور الوظيفي الذي تؤدّيه لصالحهما، حيث إنّ ذلك الأمر سيكون بمثابة المرتكز السياسي الذي لن تحيد عنه القاهرة في بناء موقفها الجديد والمغاير، والذي يتّسق ورؤيتها الإستراتيجية الثابتة لأمنها القومي، واستقرار المنطقة. الدولة المصرية
ليفانت – رامي شفيق
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!