الوضع المظلم
الثلاثاء ٠٥ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
تشاركية المثلثات المتقاطعة
باسل كويفي

ليس لأنها من قبيل الصدفة، ولكن لتأثيرها الحضاري والجيوسياسي تتربع سوريا على تشاركها أضلاع أو رؤوس المثلثات الأهم في العالم، فالموقع الجغرافي الفريد والمناخ المتميز بالفصول الأربعة وإطلالتها على البحر الأبيض المتوسط يشكل امتداداً لحضارة كانت ولم تزل تفيض على الإنسانية بالعطاء الثقافي والاقتصادي سواء عبر الحدود الطبيعية أو عابرة للحدود كونها احتضنت ثقافات وشعوب عديدة على مر الزمان في كل الأزمات التي دوّنها التاريخ القديم والمعاصر.

إن الناظر بتمعّن الى موقع سوريا الجيوسياسي والجغرافي الهام يرى أنها تُشكل القاعدة أو رأس المثلث مع تركيا وروسيا، وكذلك مع إيران وتركيا، وأيضاً مع مصر والخليج العربي، فكيفما نظرنا إلى المثلثات نراها متشاركة فيها سواء تناظراً أو تقابلاً أم تقاطعاً، وبالتالي فالدور السوري وقدرة التحكم في تلك المشتركات هو الأساس لبناء استقرار وأمن وسلام مستدام في منطقتنا الأوسطية.

من زاوية أخرى، وخلال النصف الثاني من عام 2022 والى الآن، واستقراءً لأفول القطب الواحد وبداية تشكّل نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، فقد شهدت منطقتنا موجات تسويات سياسية أمنية ناعمة وإيجابية بانعكاساتها الاقتصادية والاجتماعية على الفضاء الأوسطي:

أولها توحيد مواقف الدول العربية الخليجية مدفوعة برغبة مشتركة لتصحيح الانقسام الماضي بالحوار والدبلوماسية. وثانيها حوارات وتوافقات بين الدول العربية مع منافسين إقليميين تقليديين (إيران وتركيا) عبر التطبيع السعودي - الإيراني ومصالحة تركيا مع دول الخليج.

وثالثها عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية وتفعيل دورها في مؤسساتها وعلاقات ثنائية مع الدول العربية وافتتاح السفارات بالتبادل بما يوحي عودة العلاقات السورية - الغربية التدريجية بعد تسهيل الدفع بمسارات الحل السياسي (خطوة بخطوة) وفق مبادئ خارطة الطريق التي أدرجتها توافقات اجتماع عمان الخماسي وخطة المبعوث الدولي غير بيدرسون.

إن هذه التموجات والموجات تمثل تحولًا جذريًا في المشهد الجيوسياسي للمنطقة، حيث أعادت تنظيم التحالفات وفتحت إمكانيات أكبر للمشاركة الاقتصادية والاجتماعية بغطاء سياسي يحقق الاستقرار وإعادة دمج سورية في النظام الإقليمي والنظام العالمي الجديد، حيث أضحى واضحاً بأن المشاكل العالقة والملفات المتشابكة لا يمكن حلها دون وجود سوريا على طاولة المفاوضات.

بعد انتهاء الانتخابات في تركيا، أكد أردوغان في خطاب النص: "نحترم دائما إرادة الشعب ولسنا وحدنا الفائزين بل الفائز هي تركيا والديمقراطية وإن الوقت حان لنجتمع ونتحد حول أهدافنا وأحلامنا الوطنية، فالانتخابات انتهت وسنسخر كل وقتنا وطاقتنا للعمل وإنجاز المشاريع وتقديم الخدمات وتضميد جراح منكوبي زلزال 6 فبراير 2023 وإعادة بناء مدننا المدمرة ستكون في مقدمة أولوياتنا، وأضاف المسألة الأهم في الأيام القادمة هي حل مشاكل زيادة الأسعار الناجمة عن التضخم.

كما وفرنا الإمكانية لعودة نحو 600 ألف شخص إلى المناطق الآمنة في سوريا حتى اليوم، وسنضمن عودة مليون سوري إضافي في غضون سنوات قليلة من خلال مشروع سكني جديد ننفذه مع قطر.

سنواصل سياسة الاستقرار، والتخطيط لبناء اقتصاد إنتاجي يقوم على أساس الاستثمار وخلق فرص العمل. وبالتالي قد تكون نتائج الانتخابات وفوز أردوغان استمراراً لمسيرة التطبيع التركي - السوري عبر مسارات اللجنة الرباعية في موسكو". 

باعتقادي آن الأوان للعودة إلى مسار التنمية المستدامة التي تحقق الأمن والاستقرار والسلام في منطقتنا، ويُشكل التعافي المبكر وإعادة البناء والمصالح المشتركة القائمة على المنافع المتعادلة المتقابلة بوصلة العمل القادم في مستقبل سوريا الواعد، هنا لا يعني التعادل أنه المساواة، فلكل بلد خصوصياتها وثقلها، ولكنه يعني التقابل، بمعنى وجود فكر أو حركة "هي الحركة المقابلة أو المناهضة لحركة أخرى".

وكما يرى الأديب توفيق الحكيم: تقتضي التعادلية الإيمان بوجود «آخر» يختلف عنك قد يعادلك في حركته، ليتحقق نظام التوازن في الحياة الاجتماعية والفكرية. التعادل هو الذي يحكم نظام الكون، فلو اختل لابتلعت الشمس الأرض.

 

ليفانت - باسل كويفي

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!