الوضع المظلم
الجمعة ٠٨ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
تركيا لا تتعظ من سليماني.. وترسل مرتزقة إلى ليبيا
تركيا لا تتعظ من سليماني.. وترسل مرتزقة إلى ليبيا

تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي، مقطع فيديو، يرصد توجه طائرة مدنية تنقل قرابة 200 مرتزق سوري ممن ينتسبون إلى مليشيات "الجيش الوطني السوري" بإتجاه ليبيا، حيث تسعى للقتال إلى جانب مليشيات حكومة الوفاق بقيادة "فايز السراج"، وذلك عقب إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بدء تحرك وحدات من الجيش التركي إلى ليبيا، وأن القوات التركية ستشرف على عمليات تدريب وتأهيل مسلحي طرابلس.



 


ويأتي الإجراء التركي عقب منح البرلمان التركي، الموافقة على مشروع قرار، سمح بإرسال جنود إلى ليبيا، في خطوة تمهد الطريق إلى تعاون عسكري متزايد بين أنقرة وحكومة الوفاق على الرغم من انتقادات الليبيين والأطراف الأقليمية التي تسعى لإنهاء التدخل الخارجي في ليبيا، وخاصة من تركيا الساعية فيما يبدو إلى إحياء العثمانية عبر دعم وتمويل المليشيات مذكرة بذلك بحقة "السفر برلك".


(أكو) عرب بالطيارة..


وكان لافتاً خلال المقطع المصور استخدام تركيا للطائرات المدنية في نقل العسكر، حيث كان واضحاً في المشاهد وجود مضيفين مدنيين على متن الطائرة، ذات المقاعد الخضراء الداكنة، فيما أمتلأت الطائرة بالمسلحين الذين كانوا يرتدون الزي العسكري المعروف بارتدائه من قبل مسلحي "الجيش الوطني السوري"، إضافة إلى سماع مجموعة من الألفاظ السورية المعروفة والتي تثبت بلا شك هوية المسلحين، وبينما طأطأ بعضهم رأسه هرباً من الكاميرا، لوح آخرون بعلامة النصر، ليطرح السؤال ذاته "النصر على من، ولصالح من؟".


ومما أثار الانتباه، قول أحد المسلحين (أكو عرب بالطيارة)، وهي للتدليل على اعتبار المسلحين قضية سفرهم وقتالهم لليبيين على أرضهم لصالح أنقرة، كلعبة القتال المعروفة بـاسم "بوبجي"، متجاهلين الإثم التاريخي الذي يخطه هؤلاء من خلال تحوله إلى أدوات تسمح لتركيا بالهيمنة على ليبيا، كما سمحوا لها سابقاً بالاستيلاء على شمال سوريا، بحجة أن هؤلاء مسلحين سوريين، ويحقهم لهم تحرير أرضهم من "إنفصاليين" مزعومين، لتكشف أحداث ليبيا وإدلب حقيقتهم أكثر، وتؤكد عدم أمتلاكهم أي إنتماء وطني سوى في الإسم، وفق ما يراه مراقبون.


كيف يستقبلهم الليبيون..


ولطالما ندد الليبيون بالأجندة التركية ومحاولات الهيمنة على القرار الليبي، والذي تسعى له أنقرة عن تمويل وتشكيل الميليشيات المسلحة ورفدها بالمسلحين من أصقاع المعمورة، وهي تجربة كانت قد خاضتها في سوريا سابقاً، عبر جلب مسلحين أيغور وتركمانستانين وشيشان ومن البلقان وأواسط آسيا، بغية زرع الفوضى فى سوريا وليبيا وغيرهما، حيث يرى الليبيون أن إرسال المرتزقة والإرهابيين إلى طرابلس لمساندة ميليشيات الوفاق، تأتي في إطار محاولة السيطرة على ثروات الليبيين ومقدراتهم من النفط.


جسر جوي..


وتأتي هذه المشاهد المصورة، لتؤكد رواية "الجيش الوطني الليبي"، الذي قال أن تركيا نظمت جسراً جوياً لنقل المرتزقة والأسلحة إلى العاصمة طرابلس، وصرح آمر غرفة عمليات الجيش الوطني، اللواء المبروك الغزوي، إنّ تركيا لا تزال ترسل المرتزقة لدعم الميليشيات الإرهابية في طرابلس، وإنّ طائرات وصلت مطار معيتيقة تحمل المزيد من المسلحين السوريين والضباط والخبراء العسكريين الأتراك، موضحاً أنّ تركيا خدعت العالم عندما استغلت وقف إطلاق النار لنقل المزيد من المرتزقة والسلاح ونشر عسكرييها في طرابلس وإقامة جسر جوي.


3600 مرتزق سوري..


بدوره، أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن طائرة خاصة حملت مرتزقة سوريين من غازي عنتاب بتركيا إلى إسطنبول ثم إلى ليبيا، وأشار المرصد أن عدد المرتزقة السوريين الذين نقلتهم تركيا إلى ليبيا وصل لـ 3600 مسلح، منوّهاً أن تلك الطائرات تتوجه على شكل رحلات داخلية وهمية كي لا يتم تقديم أدلة عن الواصلين.


إبتزاز أوروبا..


ويبدو أن الرئيس التركي بات يدرك أن الأوروبين لا يمتلكون الشجاعة أو المقدرات التي قد تمكنهم من لجم طموحاته التوسعية على حساب الشعوب والأمم المجاورة، فعمد إلى استخدام ذات الأسلوب السابق لإجبار الغرب على الصمت على الهجوم على مناطق شمال سوريا من عفرين إلى رأس العين وتل أبيض، حيث عاد أردوغان وكرره، حيث قال للأوروبيين غداة الهجوم على شمال سوريا، إذا كنتم ستصفون عملية شرق الفرات بـ "الاحتلال"، فاستعدوا لاستقبال اللاجئين السوريين، ومن ثم عمد إلى تهديد أوروبا بداعش وفرض عليها إعادتهم إلى دولها.


وفي ذات السياق، حذّر الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في مقال نشر في مجلة "بوليتيكو" اليوم السبت، من أن المنظمات "الإرهابية" ستجد موطئ قدم لها في أوروبا إذا سقطت حكومة الوفاق الوطني الليبية، وهو في ذلك يستبق مؤتمر برلين لفرض شروطه، حيث يسعى إلى تثبيت الوجود التركي في طرابلس وجعل حكومة الوفاق أمراً واقعاً على الليبين، خاصة عقب توقيع اتفاقيتين مع السراج لترسيم الحدود البحرية والتعاون الأمني والاستخباري.


وبالتالي يبدو أن الرئيس التركي يضع أوروبا أمام خيارين أحلاهما مر، فإما القبول بحكومة الوفاق والاتفاقات التي عقدتها مع أنقرة مما قد يعني صداماً مع اليونان وقبرص ومصر الرافضين لها، وإما سحب الشرعية من الوفاق وبالتالي الاستعداد لاستقبال إرهابيين وعمليات إرهابية بإيعاز من تركيا أو أدواتها كجماعة الإخوان المسلمين وغيرها.


اللعب على الإنسانية..


وحاولت تركيا في إطار جهودها لتبرير التدخل العكري في ليبيا، اللعب على المبادئ الإنسانية، رغم أن التدخل التركي يريق الدمء في إدلب وسوريا وغيرهما، وفي هذا السياق، زعم وزير الدفاع التركي خلوصي أكار في الأول من يناير الجاري، أن وزارته بدأت التحضيرات لإرسال جنود إلى ليبيا، وأردف أن بلاده لا يمكنها أن تبقى غير مبالية حيال ما وصفه بـ "الضرر الذي يلحق بأشقائها الليبيين".


منذ بداية يناير..


ومنذ الأول من يناير، قالت إذاعة "RFI" الفرنسية إن "المعلومات بخصوص حضور مرتزقة سوريين أرسلتهم تركيا إلى ليبيا، تتواتر الواحدة تلو الأخرى"، بعد نشر مقاطع فيديو وثقت حضورهم في العاصمة طرابلس، وأكدت الإذاعة الفرنسية نقلاً عن مصادر بمطار معيتيقة الليبي، وصول عدد كبير من "المرتزقة السوريين" إلى ليبيا عن طريق رحلات جوية غير مسجلة، مفيدةً بأن شركة الخطوط الجوية الليبية "Afriqiyah Airlines" وشركة الطيران "Ajniha"، التي يملكها عبد الحكيم بلحاج المقيم بتركيا، قامتا بنقل هؤلاء الإرهابيين من تركيا إلى طرابلس، بهدف مساعدة المجموعات المسلحة الموالية لحكومة الوفاق (الإخوانية)، وأشارت إلى أنه قد هبطت 4 طائرات في مطار معيتيقة، وأنزلت مرتزقة سوريين من الألوية الموالية لأنقرة.


إحياء "العثمانية"..


ومهما بحث المسؤولون الأتراك كـ آكار وغيرهم، فلن يوجد ما يبرر التدخل التركي في ليبيا سوى السعي لإحياء مشروع "الإمبراطورية العثمانية" وتوسيع نفوذ أنقرة في منطقة البحر المتوسط واقتسام ثرواتها عبر التدخل في ليبيا، وهو ما ذهب إليه مقال تحليلي نشرته صحيفة "التايمز" البريطانية في الأول من يناير، حيث تساءل روجر بويز محرر الشؤون الدبلوماسية كيف انتهى المطاف بالبحر المتوسط -مهد العديد من الحضارات- ليتحول لنقطة عسكرية تعج شواطئه بتوتر القوى العظمى.


ورجح بويز أنه لا يوجد وقت أفضل من هذا لتركيا، مع قرب نهاية اللعبة السورية وأولوية الوصول إلى شرق المتوسط، وفي ظل التوترات في لبنان، حيث تتواجد مليشيات "حزب الله" القوة التي تخوض حروباً بالوكالة نيابة عن إيران، مشدداً على أن تركيا تشكل مصدر إزعاج كبير، حيث تحاول الوصول عبر المياه الإقليمية إلى ليبيا، بهدف إحياء فكرة الإمبراطورية العثمانية القديمة أو ما يعرف بـ"الوطن الأزرق" من خلال إظهار القوة البحرية التركية في البحار الثلاثة إيجة والبحر الأسود وشرق البحر المتوسط، وأشار إلى أنه في العام الماضي، أجرت أنقرة مناورات بحرية كبيرة بالتزامن مع عمليات التنقيب عن الغاز، والآن أبرمت صفقة مع حكومة فايز السراج في طرابلس، تخلق ممراً استراتيجياً رمزياً بين "دالامان" على الساحل الجنوبي الغربي لتركيا و"درنة" على الساحل الشمالي الشرقي لليبيا.


أوروبا وإدراك حصارها تركياً..


ويبدي الصحفي تنبؤاً لما قد تؤول إلى المخططات التركية، فينوه إلى أن أردوغان ربما ينشر مرتزقة سوريين من أصل تركماني للقتال بالوكالة عن أنقرة، ويرى أنه ربما يسعى إلى إنقاذ موقفه من خلال مساومة الاتحاد الأوروبي على استعداده لإيواء نحو 3.5 مليون لاجئ من سوريا وشمال أفريقيا كانوا سيغمرون أوروبا لولا ذلك، وختم بالقول، إنه في حال زاد نفوذ تركيا في ليبيا، فإن نقطة الانطلاق الكبيرة القادمة للهجرة الجماعية إلى أوروبا ستكون تحت سيطرة أردوغان، الذي يسعى لاستعادة ميزة جيوسياسية، من خلال التهديد المتمثل في فتح صنابير موجة جديدة من المهاجرين واستغلال البحر المتوسط لكسب نفوذ سياسي.


التلاعب بالتاريخ..


بدورها، قالت صحيفة “لوموند” الفرنسية، في التاسع من يناير، إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يتلاعب بالتاريخ لتبرير غزوه ليبيا، وتحت عنوان “أردوغان وسياسة التاريخ في ليبيا”، أوضحت الصحيفة الفرنسية أن الرئيس التركي يبرر إرسال قواته باسم الماضي إلى بلد كان يقع تحت الحكم العثماني حتى عام 1912، وأشارت إلى أن “أردوغان يستخدم التاريخ في تبرير توسعه، وقبل كل شيء، للبقاء في السلطة”، ولفتت إلى أن تركيا تريد الانخراط في الأزمة الليبية، مثلما فعلت في سوريا، التي كانت ضحية جغرافيتها، لكن أردوغان اختار التوسع في ليبيا والبحر الأبيض المتوسط للحفاظ على السلطة.


وأكدت أن سياسة التلاعب بالتاريخ هي لب استراتيجية أردوغان الخارجية، لتبرير الوجود العسكري في ليبيا، وذلك باستعداء الماضي العثماني للبلاد، ووفق لوموند فإن أردوغان رد على سؤال للمعارضة التركية التي اعترضت على الغزو التركي لليبيا بمحاضرة استعراضية عن الماضي العثماني، وتحدث خلالها عن ضرورة عودة الإمبراطورية العثمانية قائلاً: “تجب إعادة بنائها، على الأقل في المساحات التي غزاها السلاطين”، وتابعت الصحيفة “أن أردوغان لتبرير أطماعه التوسعية، ساق 3 حجج وهمية لإقناع شعبه؛ وهي مواجهة معاهدة “سيفر”، والعثمانيين الجدد، والنهضة وعودة القوة التركية”.


الحجج التركية جوفاء..


وأشارت “لوموند” في تقريرها، إلى أن تركيا تبرر غزوها لليبيا بمحاربة ما سمته بمعاهدة “سيفر الجديدة”، وهي المعاهدة الموقعة عام 1920، إحدى سلسلة معاهدات التي وقعتها دول المركز عقب هزيمتها في الحرب العالمية الأولى، وقد قضت المعاهدة بفصل الولايات العربية عن الدولة العثمانية، وفي وجهة نظر أردوغان فإن تلك المعاهدة حوّلت الإمبراطورية العثمانية إلى دولة هشة، ووفقاً للصحيفة فإن أنقرة تزعم أنها تقوم بالتعبئة لتنظيم رد دفاع عن النفس في مواجهة مؤامرة من قِبل القوى الاستعمارية الرومانية وحلفائها السابقين (قبرص، واليونان) و(الدول الإقليمية المختلفة معها في الوقت الراهن).


والحجة الثانية التي يسوقها أردوغان، هي العثمانيون الجدد، باعتبار ليبيا إحدى الولايات العثمانية، تنازلت عنها لإيطاليا في عام 1912، بموجب معاهدة لوزان، وفي لوزان أيضًا، تم التوقيع على معاهدة إنشاء الحدود الحالية لتركيا في عام 1923، ورداً على ذلك الادعاء وفقاً للصحيفة فإن ليبيا لم تكن بالكامل تحت الحكم العثماني، مثل البوسنة أو ألبانيا أو مقدونيا، التي كانت قلب الإمبراطورية العثمانية منذ القرن الخامس عشر.


أما الحجة الثالثة، لإضفاء الشرعية على أطماع أردوغان التوسعية، هي تذكير القوميين، بالانحدار الذي وصلت إليه تركيا، والادعاء بالرغبة في نهضة البلاد وعودة القوة التركية، ورأت “لوموند” أن محو الوجود العثماني في شمال إفريقيا بعد حرب البلقان 1912، كان بداية نهاية الإمبراطورية، وتابعت أنه “كما كانت خسارة ليبيا أولى بداية انهيار الدولة العثمانية، فإن هزيمة تركيا ستكون أيضاً بداية طردها من المنطقة”.


تركيا غير المُتعظة من سليماني..


ويبدو واضحاً إصرار تركيا على استكمال مخططاتها التوسعية سواء في سوريا أو ليبيا، حيث كان أردوغان قد جدد خلال اليومين الماضيين، تهديده باستكمال الهجوم على شمال سوريا، تحت حجج وذرائع لا تبررها له إلا قوته العسكرية، وهي قوة بارزة فقط على شعوب المنطقة وتطلعاتها المشروعة، كما كانت إيران عبر "قاسم سليماني" الذي سعى إلى إخضاع دول المنطقة لهيمنته عبر ترهيبها بمنظومته الصاروخية، والتي لم تنفعه وأثبتت عجزها وضعفها لدى مقارنتها بالجانب الأمريكي.


ويبدو أن الجانب التركي سيواصل في ذات المخططات التوسعية، إلى أن يخطئ في لحظة فارقة من تاريخها، فتدخل في صراع مع قوة دولية أكبر منها، كالتكتل الأوروبي أو روسيا أو أمريكا، وتُلجم حينها وتُلزم بالانسحاب من كل المناطق التي إنتشرت فيها بقوة السلاح والعسكر، خاصة في ليبيا وشمال سوريا.. لكن يبقى السؤال الأهم، هل سترتكب تركيا خطاً سليماني وتتجاوز الخطوط الحمراء، أم أنها قد تواصل في الاستيلاء على المزيد من الأراضي الأقليمية دون رادع؟


ليفانت-خاص


متابعة وإعداد: أحمد قطمة

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!