-
تركيا تتمادى على الحدود الأوروبيّة وتخرق خطوطها الحمراء
يبدو أنّ ساعة الصدام الأوروبية التركية تدنو بالتدريج، وأضحت أقرب من أيّ وقت مضى، مع مواصلة أنقرة أحلامها التوسعيّة، الرامية بوضوح لاستعادة كل الأراضي التي خضعت يوماً للخلافة العثمانية البائدة، والتي تشتمل، وفق أهواء الأتراك وتطلعاتهم، التمدّد في بلاد الشام والعراق وشمال أفريقيا واليونان وقبرص، وربما غيرها.
فأنقرة التي كانت تعزف ليل نهار على نغمة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وتسعى، ما ملكت، إلى تطبيق شروطه وقوانينه، في إطار ما يؤهلها للانضمام، يبدو أنّها فقدت الأمل تماماً، خاصة عقب الحرب السورية وتوافد مئات آلاف السوريين عليها، والذين تحولوا إلى مادة للإتجار بهم، وتهديد المنظومة، التي تشكل بروكسل عاصمتها، بسيول بشرية لا هوادة لها.
ولأنّ الحال كذلك، ولأنّ الغرب يدرك قبل الشرق، أنّ نوايا أنقرة تتلخّص في التمدّد والسيطرة والتتريك، وفرض الهوية التركية ونهب خيرات البلاد التي تنوي دخولها، والأهم من ذلك كله، أنّ مطامع أنقرة لم تعد تقف عند حدود سوريا وليبيا، بل باتت تضارب على مصالح بلاد أوروبية هي اليونان وقبرص وحتى إيطاليا، يبدو أنّ أوروبا سيصبح لها حديث آخر.
اليونان تستشعر الخطر مع إيطاليا
تعدّ اليونان بوابة رئيسة للاتحاد الأوروبي مع تركيا، وهي تمتلك تاريخاً حافلاً بالصراع مع العثمانيين الأتراك، حتى ما قبل الحرب العالمية الأولى، وعليه، لا تنقطع المناكفات بين الطرفين، إلا أنّها احتدمت بشكل كبير وخطير خلال الأشهر القليلة المنصرمة، وهو ما دفع، فيما يبدو، أثينا للاستعجال بغية حسم خلافاتها الجانبية، تمهيداً ربما لحصر إمكاناتها في جبهة واحدة، إلى جانب السعي إلى إيجاد شركاء إلى جانبها في المواجهة المرجحة، فيما لو واصلت أنقرة خطواتها العدوانية، وعليه أمضت اليونان وإيطاليا، أمس الثلاثاء/ التاسع من يونيو، على اتفاق بشأن الحدود البحرية، يقيم منطقة اقتصادية حصرية بين الجانبين ويحلّ مشاكل كانت عالقة بخصوص حقوق الصيد في البحر الأيوني.
وجاء الاتفاق، الذي وقع أثناء زيارة وزير الخارجية الإيطالي، لويجي دي مايو، إلى أثينا، عقب توتر على مدى أشهر في منطقة شرق البحر المتوسط نتيجة نزاعات على الموارد الطبيعية، حيث وقعت مواجهة دبلوماسية معقدة بين تركيا واليونان وقبرص، ولم تتوضح بعد تفاصيل الاتفاق، الذي يمدّد اتفاقاً أبرم عام 1977 بين البلدين، بشأن الجرف القارّي في البحر الأيوني.
وإلى جانب اليونان، تهدّد تركيا بلداً أوروبياً صغيراً تستولي على جزء من أراضيه وتعلنه دولة لم يعترف بها أي طرف دولي، هي قبرص، حيث تسعى أنقرة عبر قوتها العسكرية لفرض إملاءاتها على الجزيرة الأوروبية القريبة من شواطئها أكثر من أي موقع أوروبي، ما يمنحها المزيد من الامتيازات في أيّ صراع عسكري مستقبلي، وهو ما تنبّه إليه الاتحاد الأوروبي، في السادس عشر من أبريل الماضي، عندما اعتبر أنشطة التنقيب عن موارد الطاقة من قبل تركيا في مياه شرق البحر الأبيض المتوسط، التابعة لجمهورية قبرص، غير شرعية، مُتعهدا بالردّ على استئناف تلك العمليات.
إدانات متوالية للعدوانيّة التركية
وعقبها بقرابة الشهر تقريباً، صدر تنديد مشترك من وزراء خارجية الإمارات ومصر وفرنسا وقبرص واليونان، تجاه تحركات تركيا المثيرة للقلق في شرق البحر المتوسط، واعتبرت الدول الخمس، في بيان مشترك، في الحادي عشر من مايو الماضي، أنّ التحركات التركية في المنطقة الاقتصادية الخالصة لجمهورية قبرص ومياهها الإقليمية “غير قانونية”، مشدّدةً على أنّها انتهاك صريح للقانون الدولي، وهي سادس محاولة في أقل من عام لإجراء عمليات تنقيب غير شرعية داخل المناطق البحرية لقبرص.
وأدان الوزراء بشدة التدخل العسكري التركي في ليبيا، وحثّوا أنقرة على الاحترام الكامل لحظر السلاح الأممي ووقف تدفق المقاتلين الأجانب من سوريا إلى هذا البلد.
ثم جاء استنكار أشمل، في السادس عشر من مايو، عندما استنكر الاتحاد الأوروبي، تحركات تركيا قبالة سواحل قبرص في إطار نزاع مرتبط بالتنقيب عن حقول الغاز، متهماً أنقرة بـ”مفاقمة” الخلافات، حيث دعت الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد، تركيا مراراً إلى وقف حفريات التنقيب عن الغاز والنفط قبالة سواحل قبرص، كونها تتداخل مع المنطقة الاقتصادية لقبرص العضو في التكتل الأوروبي.
وذكر وزراء خارجية الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، في بيان مشترك: “نأسف لأنّ تركيا لم تتجاوب مع النداءات العديدة للاتحاد الأوروبي لوقف مثل هذه النشاطات”، وأردفوا: “نكرر دعوتنا إلى أن تبرهن تركيا عن ضبط النفس، وتتخلّى عن هذا النوع من التحركات وتحترم سيادة قبرص وحقوقها السيادية”.
تكبر واستعلاء تركي
فيما لم يتردد الجانب التركي في رفض سماع تلك الدعوات، لكنه في المقابل، بات يسمع ما ينتج عن سياسته العدائية تجاه اليونان، فاستهجن الناطق باسم وزارة الخارجية التركية، حامي أقصوي، في الثامن والعشرين من مايو، تصريحات لوزير الخارجية اليوناني نيكوس دندياس، بسبب وصفه تركيا بـ”الدولة البربرية”.
وفي سياق إصرارها على التصعيد، قال وزير الطاقة التركي، فاتح دونميز، في التاسع والعشرين من مايو، إنّ بلاده قد تباشر التنقيب عن النفط شرق البحر الأبيض المتوسط خلال 3 أو 4 أشهر بموجب اتفاق الحدود البحرية مع حكومة الوفاق الوطني الإخوانية في ليبيا، فيما اعتبرت اليونان، في الأول من يونيو، منح أنقرة شركة النفط الوطنية التركية رخصة للتنقيب في المناطق التي تعتبرها جزءاً من جرفها القاري، بأنّه “استفزاز”.
وشدّد ديندياس على “استعداد اليونان لمواجهة هذا الاستفزاز في حال قرّرت تركيا تنفيذه”، فيما قال وزير الدفاع اليوناني، نيكوس بانايوتوبولوس، في الخامس من يونيو، في حديث تلفزيوني، إنّ بلاده مستعدة لكل شيء في سبيل حماية حقوقها السيادية، بما في ذلك للعمل العسكري ضد تركيا في حالة وقوع استفزازات، وأشار إلى أنّ وزارته تلاحظ تزايد الاستفزازات التركية في الآونة الأخيرة.
وأضاف: “كان سلوك تركيا عدوانياً جداً في الفترة الأخيرة، أعتقد أنّ طريقتنا الوحيدة للتعامل مع هذا السلوك، الذي يميل عموماً إلى العدوان، تتلخص في استخدام جميع الأسلحة الدبلوماسية، وكذلك ضمان زيادة قدرة جيشنا على الردع”، فيما عدّ الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أنّ اليونان “لا تعرف طاقة تركيا” ويتوجب أن “تلزم حدودها”، منبّهاً أثينا من التدخل في الشؤون التركية، قائلاً، في الثامن من يونيو: “أعتقد أنّ الجانب اليوناني لا يعرف طاقة تركيا وإمكانياتها، فعليهم أن يعرفوا حدودهم ويقفوا عندها”.
الأوروبيون يتوجّهون نحو مواجهة مفتوحة مع أنقرة
ويبدو أنّ نطاق التحمل الأوروبي للنظر الفوقية، التي بات يتعامل بها الأتراك معهم، خاصة مع ما تدّعيه أنقرة من قدرات على إنتاج الأسلحة، والطائرات ذاتية التحليق، قد بات ضيقاً بشكلً جدي، ما قد ينبئ بمواجهة مفتوحة يمكن استشفاؤها مما نبّه منه مصدر دبلوماسي فرنسي من التدخل التركي في ليبيا، لافتاً إلى أنّ الخطر الذي تمثّله التدخلات التركية بات على أبواب أوروبا.
وهو ما يمكن الإشارة إليه من تلويح الاتحاد الأوروبي، اليوم الأربعاء/العاشر من يونيو، بمعاقبة تركيا لتهديدها مصالح قبرص واليونان، فيما طلبت اليونان، اليوم الأربعاء، رسمياً إدراج “سلوك تركيا في المنطقة” على جدول أعمال اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، الاثنين المقبل.
وعليه، يبدو واضحاً أنّ التدخلات التركية في سوريا ومناطق عفرين وشرق الفرات، قد كانت بوابة للتوسّع التركي في مختلف البلاد التي تمني نفسها بالعودة إليها، على اعتبار أنّها جزء من سلطنة بائدة، ولربما لو ردعت تركيا هناك، ما تمادت إلى ليبيا، ولو ردعت في ليبيا ما تمادت إلى قبرص واليونان واليمن، ويبدو أنّ الأوروبيين لا ينوون أن يقولوا لو ردعنا أنقرة في اليونان، لما تمادت إلى فرنسا وألمانيا وبريطانيا.
ليفانت-خاص
إعداد وتحرير: أحمد قطمة
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!