-
الائتلاف والثورة المغدورة
قام الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة بتأسيس ما أسماه المفوضيّة العامة للانتخابات، مما أثار حفيظة شريحة واسعة من السوريين، حيث إنّهم اعتبروها شرعنة لنظام الأسد عبر التمهيد لمشاركة الائتلاف في الانتخابات المقبلة، رغم نفي الائتلاف مشاركته في أيّة انتخابات يكون فيها الأسد ونظامه موجوداً. هذا النفي الذي كان من المفترض أن يكون مقدّمة لتأسيس الهيئة، إن كانت الامور كذلك، وليس ردّاً على رفضها من قبل شرائح كثيرة من شعبنا.
لا يمكننا فهم ما يجري دون النظر إلى سورية المدولنة.. في هذه المناسبة يجب علينا قراءة تصريحات باراك أوباما بعد صدور كتابه “أرض الميعاد”، وتأكيده أنّه فشل في سورية، وأنّ سورية تؤلمه، الائتلاف تشكَّل بناء على رؤية أوباما وتم فرضه فرضاً على المعارضة السورية وبقية الدول ممن كانت تسمى أصدقاء الشعب السوري، حتى سفير اليابان المعني بالملف السوري شارك بالمشاورات التي سبقت الإعلان عنه.
الائتلاف هو نتاج دولنة الثورة السورية، كما هي سورية مدولنة منذ استقلالها عن فرنسا، أيّة قضية مدولنة في هذا العالم، خاصة بعد انهيار السوفييت، لأمريكا تقريباً حصة الأسد في التحكّم بمسار هذه الدولنة، تتقاسم فيها حصصاّ مع دول أخرى، في الوضع السوري، تقاسم أوباما مع روسيا وإيران وتركيا بشكل أساسي. بناء عليه يمكننا معرفة الأسباب في تشكيل الائتلاف، فلم يعد سرّاً القول إنّ الأمور وصلت لدرجة أنّ كل دولة من هذه الدول تطرح أسماء بعينها، ليس أدلّ على ذلك أيضاً أن يأتي الشيخ معاذ الخطيب كأول رئيس لهذا الائتلاف.
كما أنّه ليس سرّاً أنّ هذا الائتلاف حتى اللحظة ما زال مشرعناً أمريكياً، بغضّ النظر عن درجة الحضور التركي فيه، هذا الحضور الذي لجمته أمريكا أوباما بأن يهتم فقط بما تسمح به أمريكا، ومن ثم أمريكا ترمب.. أليست أمريكا ترمب هي من سلّمت الغوطة وغيرها من المناطق ثم درعا للنظام والروس؟
ما الذي فعله الائتلاف منذ تأسيسه غير تكريس هذه الدولنة، حتى تم هزيمة الثورة، وحصرها بمداولات هذه الدولنة التي جرت بقيادة أوباما.
أندرو إكسوم، نائب المساعد الأسبق في وزارة الدفاع الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط خلال رئاسة باراك أوباما الثانية، أمام لجنة فرعية في الكونغرس تبحث السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط، والتي تناولت مفاوضات أوباما مع بوتين حول طرائق إنقاذ نظام بشار الأسد من سقوط وشيك، صيف 2015. وإذْ يوضّح إكسوم أنّه كان طرفاً في سلسلة مباحثات مستفيضة مع ضباط جيش واستخبارات روس، بدأت في صيف 2015، واستغرقت العام 2016، حول مصير الأسد، يستخلص أنّ إنقاذ نظام الأخير، وشخصه استطراداً، كان هاجساً مشتركاً لدى واشنطن وموسكو وطهران، بالتكافل والتضامن. الائتلاف
هذا التصريح أثار جدلاً في لحظة صدوره، وكنت ممن نشره على صفحتي على الفيسبوك، ويعيد الصديق صبحي حديدي تذكرينا به في مقالته المهمة عن كتاب أوباما وتصريحاته حول سورية، المنشورة في القدس العربي. على هذه الأرضية، كانت تسويفات أستانة وسوتشي وغيرها من المؤتمرات التي شارك فيها الائتلاف.
لهذا إنّ تأسيس هيئة انتخابات، بغض النظر عن نوايا أصحابها، هي الإعلان النهائي عن الغاية من تأسيس هذا الائتلاف، الانتهاء من دولنة الثورة السورية.
الموقف التركي منذ أن رسم أوباما حدود حضوره في الملف السوري، بات يتصرّف بناء على هذا المعطى، وتصرّفه مع الائتلاف ليس خارج هذا المنظور، ويتعامل مع المناطق السورية، وخاصة الكردية، التي يسيطر عليها حزب العمال بوصفها مناطق تركية، أقلّه بالمعنى الأمني، هذه الهيئة الانتخابية إشارة أمريكية روسية تركية.
من جهة أخرى، النقطة الأهم في سياسة أوباما تجاه سورية ليس أنّه شرذم المعارضة فقط، بل أسس لحالة من التشرذم لدرجة أنّ من هم خارج الائتلاف لا يستطيعون الحصول على دعم أية دولة في حالة قرروا القيام بتأسيس حالة ما خارج هذا الائتلاف، حالة أسميها اللائتلاف، هي عاجزة وحدود دورها شتم الائتلاف وشتم بعضها للأسف.
لنلقي نظرة بسيطة مثلاً، نجد أنّه بشكل عام هيمنت الدول نسبياً على المشهد، ليس السياسي فقط، بل حتى الثقافي والإعلامي السوري المعارض، وضع اللائتلاف هو المؤشر الأكثر سطوعاً عما فعله أوباما في سورية، عدا عن مشاركته في دعم المذبحة والإبادة الأسدية.
في النهاية، كما قلت الائتلاف هو جزء من الدولنة المستمرة، ليس للثورة المهزومة فقط.. بل لكل سوريا.
ليفانت _ غسان المفلح
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!