الوضع المظلم
الخميس ٠٧ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • أوكرانيا.. قداحة الحرب الأوروبية الروسية وبوابة تحرير سوريا

أوكرانيا.. قداحة الحرب الأوروبية الروسية وبوابة تحرير سوريا
كمال اللبواني

منذ بداية التاريخ الميلادي تقريباً خضعت أوكرانيا للغزوات البربرية القادمة من الشمال (بولندا وروسيا) وهم شعوب همجية مقاتلة استعبدت السكان، في جنوب ووسط أوروبا، وسمتهم بالسلاف، أي عبيد الأرض، ولم تستطع أوكرانيا كشعب الاستقلال عن هذا الغزو حتى الآن، فقط عندما تفكك الاتحاد السوفييتي تمكّنت من الحصول على استقلالها، بداية التسعينات من القرن المنصرم.

لكن هذا الاستقلال لم يكن يروق للروس من جديد، حيث سعوا منذ الاتحاد السوفييتي لتوطين أعداد كبيرة من الروس تضاف لروس كييف الذين حكموا أوكرانيا طيلة القرون الوسطى والحديثة، تبلغ نسبة الأوكرانيين الأصليين، بمن فيهم روس كييف القدامى 77٪ من السكان، ويشكل الروس المستوطنون حديثاً البقية، ويتركّزون في الإقليم الشرقي، وفي القرب من القرم، التي سبق وأفرغت من سكانها المسلمين أواخر العهد العثماني بمساعدة قيصر روسيا، وشكل تحالف الأوكرانيين القوزاق مع قيصر روسيا القوة العسكرية الضاربة للقيصر الذي خاض الحروب لتطويع الشعوب المسلمة ومقارعة الدول الأوروبية، وانقسمت أوكرانيا بين تبعية النمسا وبين تبعية روسيا، في الحرب العالمية الأولى، ثم خضعت لروسيا بعد الثورة الشيوعية والحرب العالمية.

تشكل أوكرانيا البوابة الجنوبية لروسيا على البحر الأسود، وكذلك تشكل منطقة زراعية غنية بالثروات، وهكذا بقيت أطماع الروس في أوكرانيا بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، وبقيت الأقلية الروسية عنصر عدم استقرار وأداة للتدخل والروسي. اليوم يعيش نظام بوتين حالة انكماش اقتصادي كبير، وحالة نزيف حاد في الشباب والخبرات، وتسيطر المافيات على اقتصاده، ويقوم النظام بقمع منظم للحريات والمظاهرات، ويحاول بوتين تجديد دماء الإمبراطورية الروسية من دون توفر قدرات ذاتية كافية، لذلك هو بحاجة حاسمة لضم أوكرانيا أو اقتطاع أقسام منها ليغطي عجزه ويشبع نهم مافياته، وهكذا صارت أوكرانيا هي الوجبة الضرورية للمافيا الروسية الحاكمة، وهنا وقف الاتحاد الأوروبي ومعه أمريكا في وجه الأطماع الروسية، وقرروا مع الشعب الأوكراني التصدّي للأطماع الروسية، وهم معاً يصعدون باتجاه لجم الطموح الروسي بأي ثمن وغير مستعدين للسماح له باحتلال أو تقسيم أوكرانيا، وحتى الأقلية الروسية غير راغبة بالعودة للحكم الروسي الفاسد وتفضل البقاء كأقلية في أوكرانيا على التحوّل لعبيد في ظلّ القيصر الروسي.

لا يملك بوتين الكثير من الأوراق ما عدا زعزعة الاستقرار والعمليات العسكرية، وهو يحشد الجنود لكي يوحي بقرب الحرب، وتخويف الاتحاد الأوروبي على أمل أن يتراجع الغرب، الذي نظم حملة مقاطعة وعقوبات تزيد من تدهور الأحوال الروسيّة، مما دفع الروس لرفع أسعار الغاز، وقطع الواردات وتقليلها للضغط على أوروبا التي تقاوم بانتظار انهاكه اقتصادياً بحرمانه من عائدات النفط التي يسعى الغرب لتخفيضها باستمرار.

لم يقبل الأمريكي أن يفتح باب التفاوض مع الروس على أوكرانيا، ولا حتى بعد التدخل الروسي في سوريا وسعيه لمقايضتها بأوكرانيا، بل اعتمدت سياسة الاستنزاف الطويل المدى بانتظار تنامي نقمة الشعب وتصاعد الصراعات الداخلية التي ترى أنّها ستقوّض نظام بوتين الإمبراطوري.

في حال فكر الروس باحتلال قسم من أوكرانيا سيخوض الأوكرانيون حرب مقاومة منهكة بدعم أوروبي تعيد للذاكرة احتلال روسيا لأفغانستان. أوكرانيا تعد 40 مليون نسمة قادرة على مقاومة الاحتلال الروسي واستنزافه، وذلك ما سيحرك بقية الشعوب المستعبدة التي تحتلها روسيا، خاصة المسلمين، الذين يعدون أيضاً حوالي 40 مليون داخل روسيا الاتحادية وقد سبق لهم وخاضوا حروب استقلال كبيرة قمعها بوتين بشدة ووحشية، وجنوب روسيا هي مناطق محتلة وهي الأغنى والتي تعيش روسيا على ثرواتها، بينما يتدهور الشمال وينزف ويهاجر معظم شباب روسيا هرباً من الفقر والاستبداد، ويتناقص السكان وتتراجع معدلات النمو والخدمات، ويتدهور المناخ في سيبيريا بما يهدّد كامل البنية التحتية هناك.

باختصار، الغرب لن يخوض حرب شاملة مع روسيا لكنه سيحاربها في أوكرانيا، وستكون تلك الحرب هي الخنجر الذي سيفكك روسيا نهائياً ويزيلها من الخارطة كقوة عظمى، تعيش مرحلة صحوة الموت الذي ينتظرها بسبب فشلها في التحول لدولة ديموقراطية متحضرة وإصرارها على العودة لنظم القمع والاستبداد الذي لم يعد قادراً على أسر الشعوب وسجنها.

هزيمة روسيا في أوكرانيا ستكون بوابة تحرير سوريا، حتى الآن لا يوجد أفق ولن يوجد للتفاوض، لابد من الحسم، مصير أوكرانيا سيحدّد مصير سوريا، التي يتمسك بها بوتين كورقة ضغط وتبادل، لكن الغرب لا يريد التفاوض ولن يرضخ للضغط، ولن ينجرّ لحرب شاملة، لذلك يقع الشعب السوري والأوكراني تحت وطأة الضغوط الكبيرة التي عليه تحملها ككل شعوب الدول الضعيفة في عالم الأقوياء المتوحشين.

 

ليفانت - كمال اللبواني

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!