الوضع المظلم
الإثنين ٠٨ / يوليو / ٢٠٢٤
Logo
  • أطفالنا .. قنابل موقوتة ... الصراع في سوريا يحرم الأطفال الأمانَ والبراءةَ

أطفالنا .. قنابل موقوتة ... الصراع في سوريا يحرم الأطفال الأمانَ والبراءةَ
ريف حمص الشمالي

أطفالنا .. قنابل موقوتة ... الصراع في سوريا يحرم الأطفال الأمانَ والبراءةَ .. ويهدد أجيالاً لاحقة




تحقيق: بسام الرّحال - ريف حمص الشمالي

لقد كانت السنوات القليلة السابقة كفيلة بأن تحمل الكثير من الألم والموت

والمعاناة للأنفس البريئة، فما نشاهده من الصور المؤلمة للمصابين والقتلى

والدمار، قد يكون الزمان قادراً على محو بعض آثارها، وتجاوزها ونسيانها

لكن مالا نشاهده ولا يمحوه الزمن فهو الأثر النفسي الذي ستتركه هذه الحروب

بداخل كل من عاصرها وعايش الرعب والقلق، وفقد عزيزاً أو قريباً أو منزلاً

يستظل بظله ليجد نفسه في العراء، حيث يعتبر السلاح الأشد فتكاً في الحروب

هو التدمير النفسي الذي يقضي على التوازن النفسي للمدنيين، وعلى وجه

الخصوص الأطفال منهم...هكذا الحروب دائماً يصنعها الكبار ويقع ضحية لها الصغار.

 

إن أخطر آثار الحروب هو ما يظهر بشكل ملموس لاحقاً في جيل كامل

من الأطفال، وسيكبر من ينجو منهم وهو يعاني من مشاكل نفسية قد تتراوح

خطورتها بقدر استيعاب ووعي الأهل لكيفية مساعدة الطفل على تجاوز المشاهد

التي مرت به، ومن الممكن تفادي هذه الحالات فقط إذا تذكر أحدهم الجانب

النفسي للطفل في هذه الأوقات العصيبة.

 

أطفالنا..قنابل موقوتة... الصراع في سوريا يحرم الأطفال الأمانَ والبراءةَ. أطفالنا..قنابل موقوتة... الصراع في سوريا يحرم الأطفال الأمانَ والبراءةَ.

 

الحرب باتت تحتل حيزاً مهما في ألعاب الأطفال

يقول "أيمن أبو النور"، وهو من إحدى قرى ريف حمص الشمالي

ووالد لطفلين،عمر أكبرهما/13/ سنة ويبلغ أصغرهما/9/سنوات

"أطفالي تملؤهم مشاعر من الخوف والعنف والقلق المستمر واليأس

أستطيع أن أعلم ذلك من خلال مراقبتي لهم أثناء اللعب، حيث يقوم

ولدي(أحمد)، دائماٌ برسم مشاهد من الحرب، كأشخاص يتقاتلون

ويتعرضون للموت، ورسم طائرات مقاتلة ودبابات ومنازل تحترق

ويميل مع أخيه الصغير(خالد) إلى اللعب بالمسدسات والبنادق التي

يصنعوها بأيديهم من الخشب أو من أنابيب البلاستيك الخضراء".

 

يتابع "أيمن" قائلاً: " أكثر ما يخيف "أحمد" و"خالد" ويدبّ الرعب

في قلبيهما، هو أصوات الانفجارات من صواريخ وبراميل الطائرات

وأصوات المدافع والقذائف التي تكاد تسمع يومياٌ، فبعد كل غارة طيران

على المنطقة يجلس "خالد" مع أخيه بجانبي صامتان ويمسكان بطرف

ثوبي، فأحاول إحاطتهما بين ذراعي والحديث معهما بأن كل شيء سيكون

على ما يرام، وأنه لن يصيبهما أيّ مكروه، وأنتقي بعض الكلمات اللطيفة

والدافئة لأشتت أفكارهما عن التركيز في الحدث المروّع، وخاصة إذا كانت

الغارات المخيفة على مقربه منهما".

 



محاولات أبوية لصرف انتباه أطفالهم عن الحرب

"تستطيع مناقشة الطفل الكبير، ومعرفة ما يجري معه، وإقناعه أنه

في مكان آمن ولن يطاله القصف، لكن ما الذي تستطيع فعله مع الأطفال

الصغار والرّضّع، الذين يبدؤون بالبكاء أو التبول على أنفسهم بشكل لا

إرادي من الخوف، بمجرّد سماع صوت قذيفة أو غارة لطائرة"، تساؤل

يطرحه "أبو شاهر" أحد قاطني مدينة الحولة مجملاً ما يحدث مع أبنائه.

 

وبحسب ما يقول "أبو شاهر" فإنه "في ظل هذه الأحداث المروعة بات

من الضروري معرفة ما يدور في تفكير الطفل، وأن يترك لمشاعره

العنان في هذه الأوقات، وهذا ما افعله مع أبنائي الثلاثة، فأقوم دائماً

بالرّد على أسئلتهم والحديث معهم عما يجري، ولا امنعهم من البكاء" لافتاً إلى أنّه"

دائماً ما أشجعهم على قوة التحمل وبث الثقة في نفوسهم، وأحاول أن

لا أغير أسلوب الحياة بشكل كبير، وبقدر المستطاع، حتى لا يتغير

عليهم شيء، فهذه اللحظة هي الأهم في حياة الطفل النفسية وكلّما تركناه

يواجهها وحده يزداد أثرها السلبي بداخله على المدى القريب والبعيد".

 



نجا من البرميل....ولكنه لم ينج ُمن الصدمة

تعرّض الطفل "عمار" ذو السبع سنوات لصدمة قوية عندما سقط

بقربه برميل متفجر ألقته طائرات النظام على مدينة"الحولة" بريف

حمص الشمالي، كما يروي لنا والده، ويشرح "أبو عمار" لـ "ليفانت"

ما حصل قائلاً : "نجا ولدي من الموت بأعجوبة، لكن صوت الانفجار

القوي بقربه شكّل له صدمة، إ لم يشفَ منها حتى اللحظة، حيث أصبح

انطوائياً يتملكه الخوف والقلق دائماً، خصوصاً عند سماع أي صوت قوي

وأصبح يبلل فراشه وهو نائم، مع العلم أنّ هذا لم يكن حاله من قبل، وأسئلته

التي لا تنتهي، (هل سنموت يا أبي.؟، متى يتوقف القصف .؟، هل ستأتي الطائرة لتقصفنا اليوم.؟ )".

 

ويشير " أبو عمار"، وهو مرشد نفسي في إحدى مدارس المدينة

إلى أن "الصدمة التي تعرض لها (عمار) بفعل البرميل المتفجر

أقسى مما قد يتعرض له من جراء الكوارث الطبيعية وأكثر رسوخاً

بذاكرته، ويزداد الأمر صعوبة عليه إذا تكررت هذه الصدمة مرة أخرى

لتتراكم في فترات متقاربة، ومن معوقات الكشف عن الآثار السلبية لهذه

الحالة لدى "عمار" صغر سنه، حيث يصعب عليه التعبير عن الشعور

أو الحالة النفسية التي يمرّبها، والتي بدورها تؤدي على مشاكل نفسية عميقة".

 



انعكاسات الحرب على الطفل...من وجهة نظر أكاديمية

من المعلوم أن الأطفال بحاجة ماسة إلى العديد من الحاجات

الأساسية النفسية، والتي تتجسد عموماً في خفض درجة التوت

ر والانفعالات النفسية التي يعانيها الطفل، كما يشرح المرشد

النفسي والاجتماعي "جهاد المحمد".

 

ويضيف قائلاً: "الطفل يحتاج إلى الحب والحنان والرعاية والإحساس

بالأمن العاطفي والنفسي، إلا أنّ حصاد السواد الأعظم من الأطفال في

ظل استمرار القصف المتواصل والحصار مع بؤس وشقاء الأهالي

شكّل البيئة المناسبة والملائمة لأكوام من الجراح النفسية والمعنوية

وقد انعكس ذلك كلهّ سلبا ًعلى مسيرة الأطفال وحياتهم الروحية

والعلمية والاجتماعية، حيث ظهرت أعراض الاكتئاب لدى العديد منهم

تجلى ذلك واضحا في فقدان الاهتمام عند العديد من الأطفال وعدم

شعورهم بأي متعة في نشاطاتهم اليومية، وتمّ رصد وتسجيل العديد

من الحالات المرضية عند أغلب الطلاب في المدارس من قبل المرشدين الاجتماعيين والنفسيين".

 

ويرى "المحمد" أنّه "هناك شعور عام عند الأطفال بعدم الارتياح

والاضطراب والهم المتعلق بحوادث المستقبل الغامضة ،من شعور

بالضيق، وانشغال الفكر وترقب الشر، وعدم الارتياح حيال أيّ مشكلة

متوقعه أو وشيكة الوقوع، لذلك من المحال ضمان - ولو القليل - من

الحاجات النفسية للأطفال في مثل بيئة كهذه يسودها التوتر والانفعالات

النفسية، حيث أن ظروف الحرب في هذه الحالة تمنع أي عنصر ايجابي

ومناسب لنمو نفسي و اجتماعي سليم لدى الطفل، وتؤدي إلى ميل الطفل

للعنف و الخشونة والتسلط وإخضاع الآخرين من الأطفال لرغباتهم

بالشدة كالضرب والشجار والاستهتار".

 

ويؤكد المرشد النفسي "جهاد المحمد" أن "الحرب تركت أثرها

الواضح من خلال لعب الأطفال، فمعظم الأطفال وعلى طريقتهم

البسيطة قاموا بتصنيع أدوات الحرب من رشاشات وبنادق خشبية

وكانت ألعابهم عبارة عن فرق متحاربة تطلق النار يمنة ويسرة

حيث يقوم الأطفال بتمثيل الأدوار و المواقف، أما بالنسبة للإناث

فقد اختلفت ألعابهم عن العاب الذكور إذ كن يقمن ببناء غرف صغيرة

من الفرش ويدخلن بها وكانت أحاديثهن تدور حول المخابئ الآمنة

وعدم وصول القصف إليهن".

 

لا شك أن هذه السمات السلبية التي تشكّلت عند الأطفال في

ظل هذه الظروف، لها أثرها المدمّر على شخصية الطفل

لأن هذه السمات عند الطفل هي التي تحدد شخصية رجل المستقبل

ومع استمرار الحرب يصبح من الصعوبة بمكان تعديل السلوك غير

السوي إلى سلوك سويّ، ينتج عنه شخصية سوية قوية واثقة متوازنة

تسهم وبشكل إيجابي في بناء المجتمع.

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!