-
أطفال سوريا.. دليل آخر يثبت عدم قابليّة النظام السوري للإصلاح
يصادف السادس والعشرون من يونيو، من كل عام، اليوم العالمي للأمم المتحدة لمساندة ضحايا التعذيب، وذلك بهدف مواجهة جرائم التعذيب وتقديم الدعم والتكريم للضحايا والناجين منه، في أنحاء العالم، فيما كانت الأمم المتحدة قد ندّدت بالتعذيب، منذ البداية، بوصفه أحد أحطّ الأفعال التي يرتكبها البشر في حق إخوانهم من بني الإنسان، علماً أنّ التعذيب جريمة بموجب القانون الدولي، وهو محظور تماماً وفق جميع الصكوك ذات الصلة، ولا يمكن تبريره في ظلّ أيّ ظروف.
ويشكّل حظر التعذيب جزءاً من القانون العرفي الدولي، ويعني ذلك أنّه يلزم كل عضو من أعضاء المجتمع الدولي، دون اعتبار إذا ما كانت الدولة قد صادقت على المعاهدات الدولية التي تحظر التعذيب، صراحة، أو لم تصادق عليها، وتشكل ممارسة التعذيب على نحو منتظم، وبشكل واسع النطاق، جريمة ضد الإنسانية، لكن لا يبدو لتلك العبارات النظرية ما يماثلها في الواقع العملي في سوريا، التي يحكمها بشار الأسد، فالأخير، الذي تقلّد الحكم وريثاً لأبيه، في فعل مشابه للملكية ضمن دولة تدّعي أنّ نظامها جمهوري قائم على الاقتراع، حوّل حكمه الذي بدء في عام 2000، إلى مقصلة تجزّ رقاب كل من تجرّأ على مواجهة جبروته، ولم يستثنِ ذلك الأطفال والقصّر، دون سن الثامنة عشر.
فمنذ بدء الحراك الشعبي السوري في عام 2011، على شكل مظاهرات جماهيرية، وقبل انحرافها عن مسارها السلمي إلى العسكري، والخوض في أجندات الدول الإقليمية، خرجت العديد من القصص حول تعذيب الأطفال السوريين وقتلهم تحت التعذيب، ولعلّ أشهرهم، “حمزة علي الخطيب”، والذي تم قتله بدم بارد، في الخامس والعشرين من يونيو عام 2011، عقب تعرّضه لتعذيب جسدي عنيف، وهو الذي كان يبلغ حينها الـ13 عاماً.
تقارير دوليّة منذ بدء الحراك الشعبي
واستمرّت قوّات النظام السوري، على مدار الأيام والشهور اللاحقة، في انتهاج ذات السياسة القمعية بحق الأطفال والقصّر في سوريا، وبشكل خاص، في المناطق التي انتفضت في وجهه، فطالهم التعذيب والتنكيل والتغييب القسري، وهو ما ذهبت إليه منظمة هيومن رايتس ووتش، التي قالت في الثالث من فبراير/شباط من عام 2012، إنّ النظام السوري وقوات الأمن احتجزت وعذبت الأطفال مع الإفلات من العقاب، على مدار العام الأول، للانتفاضة الشعبية، ووثّقت خلالها هيومن رايتس ووتش 12 حالة، على الأقل، لاحتجاز أطفال في ظروف لاإنسانية مع التعرّض للتعذيب، كذلك وثّقت المنظمة استخدام الحكومة للمدارس، كمراكز اعتقال، وقواعد عسكرية وثكنات، أو منافذ للقناصة، وأيضاً عمليات اعتقال الأطفال من المدارس.
ودعت هيومن رايتس ووتش، حينها، مجلس الأمن إلى مطالبة النظام السوري بوقف جميع انتهاكات حقوق الإنسان والتعاون مع بعثة تقصّي الحقائق التي أرسلها مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ومع بعثة مراقبي جامعة الدول العربية، وقالت إنّ على الحكومة الكف عن نشر قوّات الأمن في المدارس والمستشفيات.
وفي الخامس من فبراير عام 2014، كشف تقرير للأمم المتحدة حول الوضع المأساوي الذي يعيشه الأطفال في سوريا، وذكر التقرير، الذي أصدرته المنظمة الأممية، أنّ كلاً من القوات الحكومية، والمليشيات المتحالفة معها، قامت خلال تلك الفترة، بـ”عمليات قتل لا تُعدّ ولا تحصى، وتشويه، وتعذيب، كما اتهم التقرير، مسلحي المعارضة بـ”تجنيد الشباب، واستخدام تكتيكات الإرهاب، في المناطق المدنية.”
وتضمن التقرير، الذي غطّى الفترة الممتدة من بداية مارس لعام 2011، إلى 15 من نوفمبر عام 2014، “مجموعة من الأوضاع المرعبة”، التي يعاني منها الأطفال في سوريا، منذ سعت المعارضة للإطاحة بالنظام السوري، ومن بينها “سوء المعاملة، بما في ذلك العنف الجنسي، إلى انتهاك حقوقهم العامة”، مثل إغلاق المدارس، والحرمان من الحصول على المساعدات الإنسانيّة، حيث نقل التقرير عن الأمين العام للمنظمة، آنذاك، بان كي مون، قوله: “يجب وضع حدّ للانتهاكات الآن، ولذلك أحثّ جميع أطراف النزاع على أن تتخذ، دون تأخير، جميع التدابير اللازمة لحماية واحترام حقوق جميع الأطفال في سوريا”.
وسرد التقرير، تفاصيل اعتقال قوّات النظام لأطفال لا تتجاوز أعمارهم 11 سنة، لارتباطهم المزعوم بالمليشيات المسلحة، خلال حملات اعتقال واسعة النطاق، مشيراً إلى أنّ “الأطفال تعرّضوا لسوء المعاملة والتعذيب، لانتزاع الاعترافات منهم، أو إذلالهم، أو من أجل الضغط على أحد الأقارب للاستسلام أو الاعتراف، وشمل التعذيب “الضرب بالأسلاك المعدنية، والسياط والعصي الخشبية والمعدنية، والصدمات الكهربائية، بما في ذلك، على الأعضاء التناسلية، وسحب أظافر اليدين والقدمين، والعنف الجنسي، بما في ذلك الاغتصاب أو التهديد بالاغتصاب، وعمليات إعدام وهمية، وحروق بالسجائر، والحرمان من النوم، والحبس الانفرادي، ومشاهدة تعذيب الأقارب”.
النظام قتل 22 ألف طفل حتى عام 2019
كما لم تقتصر انتهاكات النظام السوري على اعتقال الأطفال والقاصرين، بل شملت عمليات القتل والتصفية الجسدية، حيث أوردت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، في الحادي والعشرين من نوفمبر عام 2019، تقريراً حول حصيلة الأطفال الذين قُتلوا في سوريا منذ اندلاع الحراك الشعبي، وقالت الشبكة في تقرير: “إنّ عدد قتلى الأطفال السوريين نحو 29017 طفلاً، وإنّ جميع أطراف الصراع في سوريا انتهكت حقوق الطفل، لكن الحصة الأكبر من ضحايا العنف بسوريا جاءت على يد النظام السوري”، حيث وثّقت الشبكة مقتل نحو 22753 طفلاً على يد قوات النظام السوري، بينهم 186 طفلاً قضوا بسبب الاختناقات بالغاز الكيماوي، و404 أطفال قُتلوا بسبب استخدام قنابل عنقودية، و305 منهم توفوا بسبب نقص الغذاء والدواء في المناطق التي تعرّضت للحصار، وأشارت، حينه، إلى أنّ 3618 طفلاً مازالوا قيد الاعتقال في مراكز الاحتجاز التابعة للنظام السوري، منذ مارس من عام 2011.
وفي السياق، أصدرت لجنة التحقيق الدولية المستقلّة بشأن “الجمهورية العربية السورية”، في السادس عشر من يناير عام 2020، تقريراً بعنوان “لقد محوا أحلام أطفالي”، حول ما خلّفته أعوام الحرب الثمانية، من انتهاكات صارخة لحقوق الأطفال الأساسية، من بينها القتل والتشويه والجروح والتيتّم والحرمان من التعليم، وتحمّل وطأة العنف الذي ترتكبه الأطراف المتنازعة، بالإضافة إلى تشريد أكثر من خمسة ملايين طفل داخل سوريا وخارجها.
وكشف التقرير، عن استخدام قوّات موالية للنظام الذخائر العنقودية والقنابل الحرارية والأسلحة الكيميائية، التي تسبّبت بسقوط عشرات الضحايا من الأطفال. كما استُخدم الاغتصاب والعنف الجنسي، مراراً وتكراراً، ضد الرجال والنساء والأولاد والفتيات، كوسيلة للعقاب والإذلال، وبثّ الخوف بين المجتمعات، كما وثّقت اللجنة حالات تعمّدت فيها قوات النظام الهجوم على المدارس، وبذلك ارتكبت جريمة حرب، وقامت كذلك الميليشيات المرتبطة بها، بحملات اعتقال واحتجاز مدنيين من مؤيدي المعارضة، واحتجاز أطفال وإخضاعهم للتعذيب وسوء المعاملة.
ورغم مرور قرابة التسع سنوات على بدء الحراك الشعبي السوري، مايزال قتلة الطفل السوري، حمزة الخطيب، و22 ألف طفل آخرين دون محاكمة، فيما كان تكرارها لآلاف المرات بسوية منهجيّة، تأكيداً على عدم إمكانية إصلاح النظام القائم في دمشق، وعدم قدرته على التعايش مع إرادة السوريين بحياة كريمة، وهو ما يؤكد أحقيّة السوريين في الانتفاضة المستمرّة عليه، رغم ما شاب انتفاضتهم من تمرير لأجندات الدول الإقليمية، ومتاجرة، الأخيرة، بأحلام السوريين وأوجاعهم، لكن يبقى أطفال سوريا برهاناً حياً على أن لا مستقبل للسلطة الحاكمة في دمشق، دون قصاص عادل من جميع رموزها.
ليفانت-خاص
إعداد وتحرير: أحمد قطمة
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!