الوضع المظلم
الجمعة ٢٠ / سبتمبر / ٢٠٢٤
Logo
نحن
ريما فليحان

ريما فليحان


لا يعنينا كثيراً نحن من عشنا التجربة ونزلنا الى الشوارع وتظاهرنا وغنينا للحرية وكسرنا حاجز الخوف في مملكة الرعب، أراء هؤلاء الذين يسخرون من صورتنا السلمية ومظاهراتنا، لأن تجربتنا تلك لا يمكن أن تقارن بأي تجربة أخرى يمكن أن يمر بها أي انسان، إنها انعتاق للحرية، ولادة جديدة وشعور بالكرامة لا يماثله أي شعور آخر، نحن الشعب "الفولغيير" المسلوب المنهوب والمغدور بكرامته وحريته، يكفينا شرفاً أننا نهضنا من حالة الاستلاب تلك، تظاهرنا بحضارية وسلمية في شوارع سوريا، رفعنا الورود، وصرخنا سلمية سلمية، حرية حرية، الشعب السوري واحد، وما بينذل، نحن من خفق قلبنا لأبناء وبنات وطننا في كل شبر من سوريا، لنا شرف أننا رقصنا بالشوارع وغنينا لوطننا الجنة وحريته، بكينا وضحكنا، أنشدنا موطني حتى ونحن في لحظات الاعتقال، تعنينا نضالية رزان زيتونة وابتسامة باسل شحاذه و ورود غياث مطر ولا تعنينا سخافتكم.


لكن وبكل الأحوال يجب فهم كيف يصل الحال بشركائنا بالوطن إلى تلك المرحلة التي يعبرون بها بازدراء عن نظرتهم لأبناء الشعب "الفولغير والزومبي" ويختزلون ثورتهم السلمية العظيمة في وجه أعتى نظام ديكتاتوري بالمنطقة ليسخروا منها ويسموها "فورة" بينما يطربون لحراك ثوري في الدول العربية الأخرى وآخرها انتفاضة الشعب اللبناني العظيم في وجه الفساد والمنظومة الطائفية.


هي ظاهرة لها أبعاد وعوامل نفسية ومجتمعية واقتصادية وثقافية لا بد من الحديث عنها لكي نفهم ردة الفعل تلك وحتى نضعها بسياقها الطبيعي، فعلى المستوى النفسي لا يستطيع هؤلاء مواجهة حقيقة مفادها أن موقفهم كان لا أخلاقياً اتجاه ثورة شعبهم في عامها الأول، وأنهم لم يكونوا أكثر من جبناء وأنانيين فضّلوا ذواتهم على مصلحة الشعب برمتهاـ والتي تمثلت في تلك الفترة بالتغيير نحو نظام ديموقراطي ودولة حريات والخلاص من منظومة القمع والفساد المتمثلة بنظام الأسد بأذرعه الأمنية والاقتصادية والحزبية والعائلية، يمكنني أن أجزم أنهم بقرارة أنفسهم يدركون بشاعة هذا النظام الذي يحكمهم، ولا بد أنهم مروا بتجربة أو اثنتين على الأقل تواجهوا بها مع الإهانة والخوف والابتزاز على يد هذا النظام، وعلى مستوى أخر فهم أيضا اعتادوا هذا الجلاد بصيغة مرضية نفسية تخلق لديهم حالة من التعاطف مع الجلاد، فيما يسمى "متلازمة ستوكهولم" بحيث يصعب عليهم الانعتاق من هذه العلاقة المرضية التي تربطهم بجلادهم.


أما على المستوى المجتمعي فهناك شريحة بسيطة من السوريين لديها نظرة فوقية وطبقية للناس، بحيث يرون أن كل هؤلاء الذين نزلوا الى الشارع من عامة الشعب "فولغيير" وهم من طبقة "الأكابر" ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكونوا مع هؤلاء في نفس المكان، وهو يعكس مدى الطبقية والغرور الذي يعيشه هؤلاء، هم أنفسهم يريدون أن ينتخبهم الشعب ذاته ليصلوا الى مجلس الشعب أن جاز التعبير! وأيضا على المستوى الاجتماعي فان تركيبة النظام الأبوي بأمراضه الاجتماعية وتقاليده البالية لم يكن ليناسبها أي خضه اجتماعية قد تؤدي لتخلخل مكانة القيادات الاجتماعية المكرّسة، سواء كانت عائلية، أو دينية، أو قبلية، لأن معظم قيادات تلك الفئات مرتبطة أصلاً بهذا النظام الذي كرّس مكانتهم تلك، بل صنعها، ومنهم الزعماء الدينيين من كل الطوائف، هؤلاء لا يناسبهم أي حراك أو تغيير في بنية النظام ولا البنية الاجتماعية التي قامت عليها عوامل استمرار هذا النظام، ومنها فكرة التبعية وانعدام قيمة الفرد لصالح قيمة الجماعة، طبعاً الحراك السلمي الحضاري الذي كان في عام الثورة الأول "باعتراف رأس النظام نفسه لاحقاً بسلميته" كان يهدد بنقله نوعية على مستوى المجتمع المدني والحريات والزعامات التقليدية تلك.


أما على المستوى الاقتصادي فان الطبقة التي نمت وتغذت وقامت على فساد هذا النظام وخلقت كل أدواتها معتمدة على الترابط العضوي مع السلطة، تدرك تماماً أن سلطتها الاقتصادية تلك والقائمة على الفساد ستصبح في مهب الريح إن نجح التغيير في سوريا، لذلك فهي ناصبت الحراك السلمي العداء منذ اليوم الأول، ودعمت النظام أو استفادت فيما بعد من تجارة الحرب.. كما أن طبقة مستجدة نشأت في الشارع السوري بعد انتهاء الحراك السلمي والدخول في حالة الصراع المسلّح وهي تجار الحروب الذين خلقوا ثرواتهم نتيجة لتلك الحرب على جانبي الصراع وهؤلاء ليس لديهم أي مصلحة في انتهاء هذا الصراع وليسوا مكترثين حقيقة بنتيجته بقدر اكتراثهم في تنمية ثروتهم وسلطتهم وهم لم يكن لديهم أي مكانة اجتماعية أو اقتصادية قبل تلك الحرب.


عمل الإعلام الرسمي السوري وتوابعه كقناة الدنيا وغيرها من المحطات الإذاعية منذ بداية الحراك الشعبي على بث الخوف بين السوريين وشيطنة الحراك الشعبي وتخوينه، وتغيير شكل تغطية الإعلام مرحلة بعد الأخرى، فبدأ بإنكار المظاهرات أولاً، على مبدأ" أكذب أكذب حتى تصدق" ثم شيطنة هذا الحراك "حين لم يعد من الممكن انكاره" مندسين، خونه، عملاء، أنت أيها الآخر، يتلقون مال للخروج بالمظاهرات، جراثيم ، فقاعات ، مسلّحين إلخ، كما تم تشويه رموز الحراك الشعبي والمعارضة واللعب على الوتر الطائفي وتركيبة المجتمع السوري الديموغرافية، طبعاً ولكي يتمكنوا من كل ذلك كان لابد من منع وسائل الإعلام العالمية من التغطية فطردوها من سوريا منذ بداية الحراك الشعبي، ولاحقوا وقتلوا النشطاء والإعلاميين الذين كانوا ينقلون الحقيقة واطلقوا جحافل الجيش الالكتروني الذي كان يعمل على التلفيق والتشويه والاختراق لوسائل التواصل الاجتماعي، والتحريض الطائفي وتشويه سمعة الثوار والنشطاء والسياسيين، وهذا أدى الى خوف شريحة من السوريين من الحراك، وتهديد شعورهم بالأمان وبالتالي قرروا أن يلتصقوا بالنظام طبعاً، هؤلاء زادت لديهم تلك المبررات حين انزلق البعض على الطرف المقابل إلى حيث يريد النظام تحديداً، حيث ارتفع الحس الطائفي والمناطقية وتحول الحراك من سلمي إلى عسكري "ساحة النظام وملعبه" وهو مالم يحصل صدفه حيث مهّد إليه ودفع له عنف النظام وجرائمه بحق المدنيين والمتظاهرين السلميين والتقاء ذلك بمصلحة شريحة كانت تنتظر الانقضاض على الحراك السلمي لأنه كان يهدد بعلمانية ومدنية الدولة القادمة وهم لا يريدون ذلك، هم يريدون السلطة وهو جل التغيير الذي يرنون إليه فعلياً. فما كان منهم إلا أن تلقفوا ذلك وبدأوا بأسلمة الحراك وعسكرته، والتغاضي عن الأخطاء التي كانت تقع في جانب الثورة وهي كانت خدمة كبيرة للنظام واجندته البغيضة في سوريا.


أخيراً، صدقوني لا يعنينا نفاقكم وخوفكم وتزلفكم، يعنينا أننا حين سنرحل سنمضي ونحن نشعر بأننا لم نفوت لحظة الانعتاق تلك من أجل وطن كريم وحر من عمرنا القصير في سجل التاريخ، يكفينا أن نقول لأبنائنا لقد حاولنا ولم نصمت عن الظلم فهل تستطيعون أنتم ذلك؟


 


...


النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!