-
من عفرين في أقصى الشمال إلى السويداء في أقصى الجنوب ثمة أمل جديد
في عفرين ثمة انتهاكات بالجملة ضد الكرد وتصويرهم كملاحدة وانفصاليين ومجوس، والقتل على الهويّة كما حصل لعائلة بشمرك في عفرين في عشية عيد النوروز القومي للكُرد، والضغط عليهم حالياً للتنازل عن القضية، بالمقابل موقف قسم من المجتمع الوافد من الداخل السوري، الرافض لتلك الجريمة ووقوفهم لجانب الكُرد في مصابهم، وما حصل على وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام السوري البديل والكتّاب والصحفيين السوريين، من هتك للممارسات العنفية، إلى تسليط الضوء على الانتهاكات والتغيير الديمغرافي الذي تقوم به عدد من فصائل المعارضة السورية، مع ذلك لم يُنادِ الكُرد بضرورة القصاص من العرب، بل دوماً كان لسان الحال الكُردي العدالة الانتقالية والاجتماعية، وإحقاق الحق، وإعادته لأصحابه، وفشلت مساعي الانتقاميين من التحقق.
إذا كانت الانتهاكات في عفرين، إحدى صور الراهن السوري، فثمة فُسحات أمل أكبر، وصورٌ أكثر عمقاً وأهمية وتحريكاً للسلوكيات السّوية والسليمة. حيث الصور الواردة من مناطق أخرى من سوريا، الساعية لتجاوز الانقسامات السابقة التي شهدها الشارع السوري، والعمل على تقدير الرموز الهويّاتية لكل المكونات، وإذا كانت تلك الفصائل تعيث فساداً وقتلاً، فإن أهالي السويداء كأخوتهم في كفرنبل سعوا لزرع قيمة أخلاقية عميقة في الوجدان الجمعي السوري، ومحاولة تفكيك الحساسيات ورفض التشدد تجاه الآخر المختلف لوناً ولغة وقومية، والمشتركين في الهويّة الجامعة والغد الجديد.
الأهالي في كفرنبل رفعوا رمزاً يضم العلم الذي اعتمدته المعارضة السورية كعلم رسمي لهم، مُضافاً إليه العلم الكردي، والآشوري وراية الموحدين الدروز. وهذه الأعلام لا يُقصد بها التشهير للانفصال أو تجزئة سوريا، ببساطة هي رموز هويّاتية خاصة لشعوب وأقوام ينتمون لرمز أوسع بهويّة جامعة مفقودة حالياً. وهي الرسالة التي حملها أهالي السويداء أيضاً عبر رفعهم العلم الكردي وراية الموحدين وعلم الآشوريين والصليب ورموزاً للعلويين وحتّى علم المؤيدين للنظام السوري. أملٌ جديد ينبعث بطريقة مختلفة، أن يُدافع الآخر المختلف بكل شيء، لغوياً ودينياً وقومياً وهويّة وتفكيراً، عن المكونات والقوميات المختلفة، وعن الآخر المختلف بانتمائه وتفكيره واصطفافه، والتأكيد على رسالة أن تلك الشعوب والجماعات الخاصة بما تحمل وتملك وتدافع عن رموزها الخاصة، والمؤيدين من أبناء الساحل والداخل، كُلهم جزء من كيان ومجتمع وهويّة أوسع، ودفاع القوميات عن رموزهم وخصوصياتهم لا يتعارض عن دفاعهم عن وطنيتهم ولا يسعون لجعله علماً وحيداً لسوريا المستقبل، بل فقط يرفعهُ أصحابه بوصفه يرمز لفئة من السوريين الراغبين والعاملين مع غيرهم لبناء سوريا جديدة. من كفرنبل إلى السويداء الصوت واحد، أن تلك الرايات والأعلام الفرعية ليست هي موانع التغيير أو الوصول للانسجام والوحدة السياسية للسوريين، ولا ترى أن في هذه الرايات الفرعية ما يضرّ في مسعى التغيير في سورية.
الواضح أن عدّم تقبل القوميات الخاصة ليست صفة ثابتة تُلازم السوري، وليست حالة عامة معممة على كل السوريين. المشكلة تبدأ مع الفكرة والذهنية الداعية لإحداث الفتن والصراعات القومية أو الدينية، كما فعلتها تلك الفصائل مع الإيزديين في عفرين وسري كانيه/ رأس العين، ومحاولات كل من لا يقبل الشراكة /كرداً أو عرباً/ ولا يجد نفسه تحت راية وطنية عامة وهويّة جامعة تحفظ للهويّات الفرعية قومياتها وثقافاتها وكيانها. والساعين لضخ الزيت في النار عبر اللعب على وتر استدرار عواطف المراهقين صوب نزاعات وخلافاتٍ ليس لنا كشعب تواق للحرية والخلاص أيّة علاقة بها، هؤلاء إحدى جذور المشكلة التي تتضخم بشكل سريع ومريب، يفرضون لونهم ورتمهم ورموزهم علينا نحن الساعين صوب وطناً جديداً يأوينا كُلنا، وما تلك الفئات سوى إحدى الأدوات البنيوية في إضعاف السوريين أكثر والمزيد من الصراعات.
قُصارى القول: لنتفق أن الرموز الخاصة ليست هي المشتتة والمُمزقة للسوريين، تلك الرموز تخلقُ دولة تعددية قوية ومتماسكة، فهي ستكون جزءاً من رمز أعم وأوسع، وما اللعب على وتر القوميات وصراعاتها وتصديرها كمركز للشر والشيطنة، سوى أساليب رخيصة لإغراق سوريا في المزيد من المستنقعات، خاصة مع المؤشرات التي توحي بإمكانية تغيرات يُطال الجمود السياسي السوري. للجميع وللكل من يسعى للفتن وهدر الدماء وإهانة الكرامات، الكُرد والعرب لن يتقاتلوا، ولن يدخلوا في صراعاتٍ لأجل تناطح السياسيين أو غيرهم.
ليفانت - شفان إبراهيم
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!