-
مقتل هفرين خلف والتمثيل بجثة المستقبل
منذ زمن بعيد لم يهزني الموت كما هزني موت هفرين خلف, المرأة والمهندسة, الشابة التي تبلغ من العمر خمسة وثلاثين عاماً, قتلها فصيل أحرار الشرقية المنضوي في الفيلق الأول الذي أنشأه الجيش التركي في مقدمة أداته المسماة "الجيش الوطني السوري" وهو أبعد ما يكون عن الوطنية!
هفرين الخلف التي لم ألتقيها قط في عمري, ولم أسمع باسمها حتى, كان موتها كفيلاً بقض مضجعي لأيام وأيام, وجدتني أجلس أمام محرك البحث وأرى صورها, وأعرف أنها رئيسة حزب علماني اسمه "سوريا المستقبل" فأي خطر يجسده حزب علماني ترأسه امرأة وتتحدث بثقة أن مستقبل البلاد يستلزم عمل كل مواطنيها سوية: أكراداً وعرباً وسريان وآشوريين!
كان قد تم تصدير صورة نمطية واحدة للمرأة الكردية, المرأة المسلّحة الواقفة على الجبهات وربما تم استخدام هذه الصورة عمداً تحضيراً ليوم تنسحب فيه القوات الأميركية تاركة الأكراد تحت نيران آلة الحرب التركية, أفلا تكون صورة المسلّحات والمسلّحين الأكراد جاهزة للقول بأن الأكراد تركوا لمصيرهم يواجهون!
هنالك مصلحة مشتركة لجميع الدول التي تقاسمت لحمنا السوري للقول بأن الأكراد كلهم مسلّحون, وكلهم بي كي كه, كما تم التعميم قبلاً بأن كل السُنّة دواعش, وكل العلويين شبيحة!
كل الأطراف لها المصلحة ذاتها في التعمية على أن من يموت الآن بالأسلحة التركية هم مدنيون عزّل, يحترقون بالفوسفور, بينهم كرد وعرب, كما كانوا مدنيين عرباً وكرداً وسرياناً, سنّة وعلويين ومسيحيين, عندما كان النظام يقصف.
انتهاكات واسعة قام بها قادة فصائل الجيش الحر في عفرين, معتدين على ممتلكات الكرد, انتهاكات لاحقة قام بها عناصر قسد ضد عرب الجزيرة, الآن يستخدم الجيش التركي قادة الفصائل الإسلامية ذاتها للقول بأنه يعيد الأمور الى نصابها, وبأنه يحارب قادة العمال الكردستاني, غير أنه يقوم بسياسة الأرض المحروقة, ويبث أخباراً مفادها أن المسلّحين الأكراد يتنكرون بملابس مدنية ليبرروا مقتل مدنيين وإصابتهم, وصور المدنيين الفارين والمصابين بحروق, وصور الضحايا أوضح من أن يتم تزييفها.
جريمة مقتل هفرين واضحة وضوح الشمس، حتى أن المصوّر في فصيل أحرار الشرقية روى لوسائل الإعلام كيف تمت ملاحقة سيارتها وإطلاق النار على عجلاتها, وأنهم لم يكونوا ليعلموا أن بداخلها امرأة, فلما علموا ماذا فعلوا, لقد قاموا بتعذيبها بشكل وحشي ثم قتلوها وصوروا جثتها!
يخجل المجرمون من هذا الكم من الحقد! إن هذه الجريمة تكشف بما لا يدع مجالاً للشك الحقد الذي يفيض من نفوس هؤلاء, ويكشف نية الإبادة التي يدعمها حليفهم التركي, فإذا كانوا فعلوا ذلك تجاه امرأة مدنية تعمل من أجل مستقبل سوريا فماذا سيفعلون بالكرد الباقين؟
ومن نافل القول أن الحرب التركية ليست ضد الأكراد وحسب, وأن الاحتلال لن يكون لأراضي ومحلات الكرد, وأن المجرمين الذين وضعوا علامات على بيوت الأكراد والأرمن ومحلاتهم في الجزيرة يتبعون سياسة الأرض المحروقة في عملية أطلقوا عليها زورا "نبع السلام", فأي سلام هذا الذي تحمله الاعدامات الميدانية وتعذيب الناس وسحلهم وأي طمانينة يحملها الفوسفور المحرم دولياً لأجساد الأطفال!
عرب الجزيرة يعون هذا الأمر أكثر من سواهم, وأعلم أن هنالك عرباً فتحوا بيوتهم لعائلات كردية هاربة من القصف, كما سبق وفتحت عائلات كردية أبوابها للعرب, هؤلاء هم ثروة الجزيرة السورية الحقيقية, وهؤلاء هم سوريا الحقيقية التي يطلب رأسها, ولا يسمح بظهور وجهها المشرق في وسائل الإعلام, ويتعامى المجتمع الدولي عن معاقبة قاتليها مع أنهم معلومون ووجوههم سافرة!
في يوم ما سنثأر ل هفرين, بعدالة تقتص من المجرمين, سنثأر لكل أحرارنا الذين قتلوا لأنهم نادوا بحرية سورية, فوحدها العدالة ترهب القتلة, ووحده المستقبل ما لا يمكن التمثيل بجثته لأن تطلعات أبنائه تحميه وسواعدهم أيضاً.
....
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!