الوضع المظلم
السبت ١٩ / أبريل / ٢٠٢٥
Logo
  • معهد العالم العربي بباريس يحتفي بأول انطولوجيا للشاعرات الفلسطينيات

معهد العالم العربي بباريس يحتفي بأول انطولوجيا للشاعرات الفلسطينيات
معهد العالم العربي

نظم معهد العالم العربي في باريس أمسية شعرية موسيقية مساء الجمعة، احتفاءً بصدور الجزء الأول من أول أنطولوجيا معاصرة لشعر المرأة الفلسطينية، من إعداد وتقديم الشاعرة الفلسطينية نداء يونس تحت عنوان "فلسطين متشظية".


 وهذه هي أول أنطولوجيا مخصصة بالكامل لأصوات الشاعرات الفلسطينيات من مختلف الجغرافيات: من الداخل الفلسطيني (1948)، ومن غزة، والضفة الغربية، والقدس، ومن المنافي والشتات. ولا تشكِّل الأنطولوجيا تجميعًا لنصوص شعرية، بل وثيقة أدبية نقدية وتاريخية تتبعت التحولات في الخطاب الشعري الذي تكتبه الفلسطينيات، وبما يعيد رسم خارطة فلسطين عبر هذه التجارب الشعرية التي تتقاطع مع أزمنة المنفى والوطن والذات من خلال التركيز على موضوعات الجسد، واللغة، والذاكرة، والأرض.


وقالت الشاعرة يونس: إن هذه الانطولوجيا، بجزأيها الأول الصادر بالعربية عن مرفأ في بيروت وبالفرنسية عن دار المنار، والثاني الذي تم الانتهاء من إعداده مؤخراً، أتاحت نظرة بانورامية تاريخية للشعر الفلسطيني الذي تكتبه 115 شاعرة فلسطينية منذ بداية القرن العشرين وحتى وقتنا الحاضر، ومساحة واسعة لأصوات الشاعرات الفلسطينيات اللواتي قدّمن رؤى جديدة وجريئة حول قضاياهن، من المقاومة والهوية، إلى الموضوعات الأكثر حميمية مثل الأمومة والبيت والجسد، حيث برزت مقاربات جديدة لتجربة الجسد والذات والنضال الفردي، متحدية الرقابة السياسية والاجتماعية.
 وأشارت يونس إلى أن هذه النصوص تساهم في إعادة صياغة الحكاية الفلسطينية من منظور نسوي، يعكس تعقيدات الواقع بأبعاده الاجتماعية والسياسية، ويبرز دور الشاعرة الفلسطينية كفاعل رئيسي في الإنتاج الأدبي والثقافي وبناء السردية الفلسطينية من منظور إنساني شعري يقاوم التهميش ويحتفي بإنسانيتهن تحت الاحتلال.


وقد سلطت الأمسية التي نظمت في المعهد بإشراف مديره العام الشاعر شوقي عبد الأمير، وأدارها مترجم هذه الأنطولوجيا المسرحي والمترجم محمد قاسمي- سلّطت الضوء على مضامين الأنطولوجيا وأهميتها الثقافية والسياسية في ظل واقعي الإبادة والمحو، بمشاركة الباحثتين سعاد أجسوس- بيانشتاين، المحاضرة في قسم الدراسات العربية بجامعة باريس 8 (فانسان)، والباحثة في الدراسات الثقافية، ودراسات الترجمة، والفكر العربي الحديث، مع تركيز خاص على الفلسطينيين في داخل المناطق المحتلة عام 1948، والعلاقات العربية- اليهودية في فلسطين، والأرشيف الثقافي الفلسطيني قبل عام 1948، ومقاومة معاداة السامية في النصوص والثقافات البصرية العربية (1894– حتى اليوم). وستيفاني لات عبد الله، الباحثة والأكاديمية المتخصصة في الأنثروبولوجيا الثقافية، التي تعمل على قضايا اللاجئين والشتات الفلسطيني، والهوية، والحدود، والذاكرة، والمنفى. 


وأضافت الشاعرة يونس إن المشاركات تناولن عدة قضايا معقدة وحساسة حول الحرب، والاعتقال الجماعي، والواقع الاحتلالي والشعر كوسيلة تعبير واحتجاج، حيث، أكدت المشاركات إحداث تحول جوهري في المشهد الأدبي الفلسطيني بعيداً عن هيمنة الأصوات الذكورية التي طغت على الساحة الأدبية لعقود طويلة، حيث يميل الشعر الذي تكتبه الشاعرات بشكل أكبر نحو التجربة الذاتية والجسدية وطرح قضايا إنسانية واجتماعية معقدة تتعلق بحياة النساء الفلسطينيات تحت الاحتلال، وبعيدًا عن الشعارات السياسية التي كانت سائدة في السابق، ما يساهم في إعادة تشكيل المشهد الأدبي الفلسطيني. 


مسألة الإبادة المستقبلية  "futuricide"
وأما فيما يخص الإبادة المستقبلية "futuricide فقد تناولت المتحدثات مسألة الإبادة المستقبلية  "futuricide"وهو مصطلح جديد يسلط الضوء على السياسة الإسرائيلية الرامية إلى حرمان الفلسطينيين من أي أفق للمستقبل، في ظل  تبني الاحتلال لسياسة "السجون المفتوحة"، حيث يتم تصوير غزة كرمز لهذا النوع من السجون، وهي الحالة التي امتدت أيضًا إلى الضفة الغربية، حيث يعاني الفلسطينيون من الانقسام الجغرافي والسياسي، والرقابة السياسية والقمع لمنع النشطاء المؤيدين لفلسطين من التعبير عن مواقفهم السياسية والانسانية تجاه القضية الفلسطينية، مع الإشارة إلى أن وصف ما يحدث في فلسطين كإبادة جماعية أصبح أكثر قبولًا بين بعض الأوساط السياسية والإعلامية في فرنسا.
هذه الأمسية شكلت في ظل الحرب المفتوحة على غزة، وحصار الذاكرة الفلسطينية، تأكيد دور الكلمة في مقاومة الإبادة الثقافية. 


وأوضحت الشاعرة نداء يونس في كلمتها خلال الأمسية أن هذه الانطولوجيا لا تكتفي بجمع القصائد، بل تمنح الشاعرات الفلسطينيات حقّهن في أن يُسمعن، وفي أن يُرى أثرهن، وأن تبقى فلسطين حيّة.


 وأكدت أن هذا العمل هو "احتفال بالشعر"، لكنه أيضًا "تأكيد أن فلسطين، رغم التشظّي، ما زالت قادرة على الغناء"، وأن القصيدة قادرة على "خياطة الجرح"، وعلى أن الشاعرات الفلسطينيات، وهن يكتبن عن الجسد، والأرض، واللغة، والمنفى، يعِدن رسم خريطة فلسطين الحقيقية من خلال القصيدة: ويبنين جسورًا من التعبير الفني والكتابي التي تتجاوز الحدود السياسية والجغرافية، ويمنحنها امتدادًا إنسانيًا يليق بها.


 وثمَّنت يونس جهود معهد العالم العربي، الذي احتضن هذه الفعالية الثقافية في فترة يعاني فيها التراث الفلسطيني من محو ممنهج، مشيرة إلى تزامن الأمسية مع معرض "الكنوز الناجية من غزة: 5 آلاف سنة من التاريخ"، والذي يستمر حتى نوفمبر 2025، ويعرض آثارًا وتراثًا إنسانيًا فلسطينيا يواجه خطر التدمير في ظل القصف والتدمير الاستثنائي الذي رافق هذه الحرب.


وشمل الجانب الأدائي من الأمسية، قراءات شعرية باللغتين العربية والفرنسية بأصوات مارجوري ناكاش وغنى ضو، تخللتها مقطوعات موسيقية حية لعازفة التشيلو أوريلي ألكسندر دالبغون، ما أضفى على الأمسية أجواء حسية تفاعلية، مزجت بين الكلمة واللحن، ومنح النصوص حياة أخرى على المسرح.

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!