-
مونودراما "مساواة" السورية في باريس .. مناجاة نوار بلبل مع درّاجته وميشيل سورا صوت الحرية الثائر
يحمل عٌمر دراجته الوحيدة، كل ما بقي لديه، بعد أن فقدَ عائلته وكل أصدقائه، يحتضنها بحب، يعبر بها الحدود من سوريا المثخنة بالجراح ليصل إلى فرنسا، يقرر عمر أن يقدم طلب لجوء له ولها في ملفين منفصلين، دراجته التي تمثّل كل شيء، حبيبته.. الشعب السوري والأخت والرفيقة، فهي الذكرى الوحيدة التي بقيت من أثر صديقه الكاتب الفرنسي ميشيل سورا، الذي اغتيل في لبنان على خلفية تأليفه لكتاب "سوريا الدولة المتوحشة".
تدور أحداث المونودراما، آنفة الذكر، على مسرح " لافوار موديرن باريسيان" في باريس، من تأليف وإخراج وتمثيل الممثل السوري نوار بلبل، أدوات نوار على المسرح كانت الأرشيف الصوتي لميشيل سورا ودراجته وحقيبة سفر.
يغوص المتفرجون في المسرح ـ ومنهم الكثير من السوريين في أول عروض المسرحية في باريس ـ في قلب موضوع هذه الكوميديا السياسية التراجيدية.
تتناوب الشخصية على اللغتين، السورية العربية والفرنسية. تم وضع " التترات" بدقة من قبل فانيسا غوينو.
دراجة عمر كانت حامل العرض، عمّدها البطل باسم "مساواة" " Égalité " وطوال فترة العرض يتكلم عمر مع الدراجة، يدللها ويضع لها ستارة جميلة بين عجلتيها لينظفها جيداً، يُحاول أن يقبلها فترفض.
تمثل "مساواة" كل الشعب السوري، الأخت والأم والحبيبة، هي إشارة مبّطنة لألما شحود حبيبة الممثل نوار التي قُتلت في المعتقل، يقول نوار" لقد خلقنا علاقة حب أنا وهي (أي الدرّاجة)".
اقرأ أيضاً: هزائم حزيران: اغتراب العقل وبؤس الثقافة
يستعرض نوار أداءاً لا متناهياً من شأنه أن يثير شحوب الممثلين المتمكنين : بين محاكاة الذات و المناجاة وصولاً الى التمثيل الصامت. يتم استخدام دينامو الدراجة لتسخين الشاي، وتتحول النافورة إلى رقعة تعذيب، والجدار إلى مبكى تخليداً لذكرى الصديق المفقود.
يبدو وكأنه يستعين بكل شيء ليستدعي بأفضل شكل ذاكرة الثورة السورية و "دولتها الهمجية"، عنوان مجموعة مقالات لعالم الاجتماع "ميشيل سورا"، الذي اختطف في لبنان عام 1985، وعذب ومات في الاعتقال، ولم يُعثر إلا على عظامه.
يقول الممثل نوار بلبل لـ " ليفانت نيوز" أصبحت الدراجة تشعر بالوجع وتتألم بسبب تخلي المجتمع الدولي عن السوريين".
استمدّ نوار فكرة مسرحيته، بطريق الصدفة حين وصل ليديه في عام 2018 الأرشيف الصوتي لميشيل سورا، تزامناً مع الحصول على كتابه "سوريا الدولة المتوحشة" الذي قدّمه الدكتور برهان غليون.
يضيف نوار: "فكان بين يدي مادتين اعتبرتهم كإنسان مسرحي مواد غنية لنصنع منهم عرضاً مسرحياً في ظل الانسداد أو ظل انسداد الأفق الفني بالأصح، وببساطة كان السؤال كيف يمكن أن نجسّد عملاً بعيداً عن الحالة البكائية والتذمّر والشكوى إن صح التعبير، لننتقل بعدها إلى حالة أخرى نتحدث فيها عن قضيتنا دون أن نقدم أنفسنا كضحايا أولاً للجمهور الفرنسي، وثانياً للجمهور الأوروبي. فكانت الفكرة بأن نصنع شيئاً نبتعد فيه عن حالة الأخبار المملة للمتلقي".
"حاولت من خلال المادتين صنع العرض وأدخلت فيما بعد، الدراجة وفكرة اللجوء، ومن ثم تقديم هذا الملف بأسلوب الكوميديا السوداء إن صحّ التعبير" يستدرك نوار بلهجته السورية:"ما بحب كتير هالمصطلح في الحقيقة ولكن هو الأنسب".
اختيار شخصية الكاتب الفرنسي "ميشيل سورا" ليجسد الصوت الثائر التوّاق للحرية في الثورة السورية، كان مدروساً من نوار، لعدة اعتبارات، يقول نوار: "في الحقيقة شخصية ميشيل سورا شخصية إشكالية بحسب الدارسين والباحثين الذين عملوا لدى النظام السوري، والأهم أنّ سورا استطاع أن يشرح و يحلل بنية هذا النظام في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات".
اقرأ أيضاً: "معرض بانكسي" في "مول الإمارات" بالشراكة مع "دبي للثقافة"
" كما أنّ توافر الأرشيف الصوتي الذي يتحدّث عما يزيد عن ٤٥ ساعة، إلى جانب الكتاب كانت أحد العوامل الأساسية لاختيار هذه الشخصية" يضيف نوار، ويتابع: "اخترنا ميشيل سورا لتكريمه كشخص مناضل ضحى بحياته بحثاً عن الحقيقة رغم تحذيرات أصدقائه له من وحشية الاستخبارات السورية وحزب الله، لكنّه استمر رغم معرفته بأنه ذاهب لهلاكه، يقارب نوار القصة بتضحية "المسيح الذي صُلب لأجل أبناءه".
يوضح نوار لـ ليفانت نيوز: "الدكتاتورية لا تقابل الأعمال المسرحية الناقدة أو أفلام السينما أو المقالات بمثلها، بل ترد فقط بالعنف "القتل أو الاعتقال" ونتذكر نحن كل المعتقلين السوريين اليوم معتقلي الرأي جبران تويني، سمير قصير، سليم البذري، و لقمان سليم الذي قُتل بخمس طلقات في رأسه".
ما هي الرمزية التي تحملها الدراجة بتجسيدها للمساواة والدراجة عنصر جماد في الطبيعة، هل المقصود أن المساواة ميتة، غابت عنها الحياة، أو بمعنى آخر، هل هي تعبير عن الشرق الحزين حيث اندثرت المساواة ودُفنت، لكنّ الدراجة تنتظر أن تُقاد، هل هي دعوة رمزية لقيادة المساواة وعملية إنعاش للعودة إلى الحياة؟
يرى نوار أن حالة المساواة ليست فقط غير متوفرة وغير موجودة في الشرق المنكوب، هي غير موجودة بكل أنحاء العالم، هي مصطلح مثل العدالة، لم يتحقق، والناس جميعها تقاتل لتحقيق المساواة والعدالة، نجحنا أم لم ننجح، يستدرك نوار قائلاً: "وإذا نجحنا، سنكون في المدينة الفاضلة، ومن ثمّ، من هنا جاءت الدراجة وأنطقناها، وبردت ومرضت وتعبت، وانهارت وفقدت الأمل".
ما أهمية تجسيد ملف المعتقلين السوريين على خشبة المسرح من خلال الأعمال الإبداعية، ولاسيما، وأنّ السوريين باتوا عاجزين عن فعل أي شيء لبلادهم خلال كل هذه السنوات؟
يؤكد نوار حزيناً بأنّ السوريين لن يتمكنوا من فعل شيء للمعتقلين، "نحن نصرخ في الفراغ بلا جدوى، لأن الملف السوري أصبح شائكاً"، ويلقي نوار باللوم على السوريين أنفسهم، يقول: " نحن السوريين أضعنا قضيتنا بتشتتنا، تفككنا، كثورة وسوريين".
يقارب نوار بين الحرب الأوكرانية والقضية السورية" ويعبر عن وجهة نظره قائلاً: " اليوم الغرب كان يتمنى بلحظة من اللحظات، أن يستسلم الرئيس الأوكراني والشعب، لكن بعد خمسة أيام من الحرب، أثبت الشعب الأوكراني بأنه واحد وأن الرئيس الأوكراني بقي الممثل الوحيد لهذا الشعب الذي التف حوله مع الجيش، وعلى هذا، حشروا الغرب وأمريكا في الزاوية وطلبوا المساعدة" وأجبروهم على المساعدة".
اقرأ أيضاً: الثقافة الإماراتية تضيف الخطوط الطباعية العربية ضمن جائزة البردة
"اليوم الملف السوري أُهمل"، حسب نوار، ويتابع: " يتساءل الغرب من سيساعد إذا كنا منقسمين ومشتتين، لذا اكتفى بالمساعدة الإنسانية المتضمنة الغذاء والخيم، فتُرك الملف وغُيّب، وترُك من ضمن هذه الملفات ملف المعتقلين والجرحى الذي يعدّ من أهم الملفات على الساحة السورية".
يضيف نوار أن من مهمته كممثل إعادة ملف المعتقلين إلى الواجهة، وبالتالي المساواة أو العدالة. و "أن نقول للأوروبيين: ما زال لدينا ثوار، وأنا أجّسد ذلك بقولي لميشيل، بشار الأسد هجّر ١٢ مليون وقتل مليونين، ونص مليون موجودة بالسجون، ولا أحد يعرف ماذا يحدث لهم، " تعود لتتحدث بالسياسية، عد إلى الموت يا ميشيل".
لماذا أُطلق على العرض اسم "مساواة"، وهو كلمة من شعار الجمهورية الفرنسية (مساواة، حرية أخوة)؟
يجيب نوار: "ليس فقط بسبب شعار الدولة الفرنسية، "مساواة وحرية وأخوة"، لكن لأنّه شعار لأي شخص يتوق للحرية أو لتأسيس دولة مبنية على العدالة والحرية والمساواة والأخوة والتعاضد، لذا، أخذت هذا المصطلح أو المصطلحين وهي المساواة والحرية.
يوضح نوار فكرته من خلال حديثه عن حوار في مشهد من المسرحية، ويوجه كلامه إلى المساواة قائلاً: "بكرا بس تاخدي الجنسية الفرنسية بحقلك تجيبي أختك الحرية لم شمل".
يختم نوار كلامه قائلاً: "العدالة هربت من سوريا، وقدمت لجوء وما تزال الحرية عالقة هناك، الحرية غير الموجودة، التي خرجنا من أجلها ستأتي إلى فرنسا، وسنعود بالاثنتين معاً إلى سوريا لتعود سوريا حرة".
ليفانت نيوز_ خاص
إعداد: عبير صارم
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!