-
لترحيل اللاجئين السوريين..الدنمارك تنقلب على مبادئها الإنسانية
ليفانت - مرهف دويدري
أحداث وأهوال كثيرة مرّة على السوريين، خلال السنوات العشر المنصرمة، وهي على أي حال امتداد لعقود القمع السابقة التي فرضها النظام السوري، والتي كانت هي المقدّمات الموضوعية لما وصل إليه الحال، طالما أنّ التنكيل والأحكام التعسّفية لم تلق القد الكافي من التفاعل من قبل المجتمع الدولي ومؤسساته في وقت سابق، وفرار السوريين من البلد، وسط كلّ هذا الخذلان الدولي، كان نتيجة طبيعية، كما أنّ البحث عن الدول التي تمتلك سياسات لجوء سخية، والتي كانت الدنمارك على رأسها، حيث أنّ الكثير من اللاجئين السوريين وصلوا إليها حتى عام 2014. اللاجئين السوريين
واليوم يعيش اللاجئون السوريون، الحاصلون على الإقامة المؤقتة في الدنمارك كابوساً حقيقياً، بعد أن بدأت دائرة الهجرة الدنماركية بإلغاء التصاريح والإقامات، إثر تقييم جديد للوضع الأمني في سوريا، والذي يعتبر مدينة دمشق وما حولها منطقة آمنة، وبذلك أصبحت الدنمارك أول دولة أوروبية تلغي تصاريح الإقامة لأكثر من 200 لاجئ سوري الشهر الماضي، حيث واجهت إدانة من المشرّعين في الاتحاد الأوروبي والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وجماعات حقوق الإنسان، ولم تكتف الحكومة الدنماركية التي يرأسها – للمفارقة- الحزب الديمقراطي الاجتماعي، بهذا النوع من القرارات، بل بدأت الضغط على دور الجوار الاسكندنافي لاتّباع سياسات مماثلة بحقّ اللاجئين، بدعوى أنها الأكثر تضرّراً بسبب موقعها الجغرافي.
قرارات دنماركية جائرة ضد اللاجئين وانتقادات أوروبية
ليست المرّة الأولى التي تطرح فيها الدنمارك، قوانين إشكالية من هذا النوع، ففي عام 2016 صوّت البرلمان الدنماركي، على مشروع قانون أثار جدلاً واسعاً بشأن مصادرة الممتلكات القيمة لطالبي اللجوء لدفع تكاليف إيوائهم، واعتبرت السلطات الدنماركية حينها، أن تلك التدابير تساوي بين المهاجرين والعاطلين الدنماركيين، الذين يتوجب عليهم بيع الأصول التي تزيد قيمتها عن مستوى معين كي يحق لهم المطالبة بإعانة البطالة، وأجار القانون حينها للشرطة التحقق من ممتلكات المهاجرين وتفتيش حقائبهم وملابسهم بحثاً عن الأموال والأصول الثمينة، ومصادرة ما تزيد قيمته عن 10 آلاف كورونا (1.450 دولار)، مع استثناء المقتنيات التي تمثل أهمية خاصة من المصادرة مثل خواتم الزواج والأشياء الضرورية مثل الهواتف والساعات اليدوية.
وكان قد أقرّ البرلمان الدنماركي قانوناً يسمح للسلطات بنقل طالبي اللجوء إلى دول أخرى خارج الاتحاد الأوروبي أثناء مراجعة قضاياهم، وتسعى الحكومة، التي يقودها الديمقراطيون الاجتماعيون، إلى إيجاد دول شريكة لإدارة المعسكرات وتمويل الوكالات على طول طرق الهجرة، لكن المفوضية الأوروبية قالت إن لديها مخاوف بشأن القانون، في حين وصفته منظمة غير حكومية بارزة بـ"غير المسؤول"، ونقلت وكالة رويترز للأنباء عن المتحدث باسم الحكومة راسموس ستوكلوند قوله "إذا تقدمت بطلب لجوء في الدنمارك، فأنت تعلم أنك ستعاد إلى بلد خارج أوروبا، وبالتالي نأمل أن يتوقف الناس عن طلب اللجوء في الدنمارك"، وستُراجع حالات اللجوء في الدولة الثالثة ويمكن أن يُمنح مقدم الطلب الحماية في ذلك البلد، لكن المفوضية الأوروبية انتقدت القانون، ونقلت وكالة رويترز للأنباء عن المتحدث باسم المفوضية، أدالبرت جانز، قوله "إن المعالجة الخارجية لطلبات اللجوء تثير تساؤلات جوهرية حول إمكانية الوصول إلى إجراءات اللجوء والوصول الفعّال إلى الحماية". اللاجئين السوريين
فيما قال المجلس الدنماركي للاجئين، وهو منظمة غير حكومية بارزة، في بيان إن أعضاء البرلمان صوتوا فعليا لصالح قانون "لا يعرفونه"، لأن النموذج الذي دعموه "لم يوجد بعد"، وأضاف المجلس أن هناك خطراً الآن يتمثل في أن الدول التي تستضيف أعدادا أكبر من اللاجئين ستحذو حذو الدنمارك، وجاء في البيان أن "فكرة معالجة طلبات طالبي اللجوء خارج البلاد هي فكرة غير مسؤولة وتفتقر إلى التضامن. وقد طالبنا مرارا أعضاء البرلمان الدنماركي برفض هذا القانون"، فيما تقول السلطات الدنماركية إن هناك مناطق في سوريا آمنة بما يكفي للعودة إليها، لكن هذه الخطوة أثارت احتجاجات من نشطاء وجماعات في المجتمع.
المبررات الدنماركية لاتخاذ قرارات ضد اللاجئين السوريين
قامت مصلحة الهجرة في الدنمارك وعلى مدار العام الماضي، بإعادة تقييم حالات أكثر من 1200 لاجئ من دمشق وريفها، وقالت أن "الأوضاع في دمشق لم تعد خطرة ولا يوجد سبب لمنح أو تمديد تصاريح الإقامة المؤقتة لأبناء هذه المنطقة"، فيما تقول الحكومة إنها كانت واضحة دائماً بشأن الحماية التي قدمتها وأكدت دائماً أنها لفترة مؤقتة، والعديد من أولئك الذين لديهم تصاريح لجوء مؤقتة هم من النساء أو كبار السن، لأن الشباب الذين كانوا معرضين لخطر التجنيد العسكري الإلزامي، مُنحوا تصاريح إقامة وحماية مختلفة، فيما لا يزال مئات اللاجئين السوريين ينتظرون معرفة مصيرهم والعديد منهم ينتظر البت في طلبات الاستئناف التي تقدموا بها ويستغرق ذلك فترات طويلة.
وكشفت الحكومة الدنماركية أنها زوّدت مفوضية الأمم المتحدة للاجئين بأسماء حوالَيْ 4 آلاف سوريّ في الدنمارك زاروا دمشق بين عامَيْ 2018 و 2021، مشيرةً إلى أنّ ذلك مؤشر على أن بلادهم منطقة آمنة، ووفقاً للأرقام التي تحدّثت عنها الدنمارك، ترى أنه من غير المقنع اعتبارهم لاجئين، وهم يزورون بلادهم باستمرار، معتبرةً أن دمشق على الأقل، باتت آمنة، ويتوجب على اللاجئين العودة إليها، وذلك في إطار تبرير السياسة "الصارمة" التي تنتهجها الدنمارك في ملف اللجوء، وأكّدت أن "عدد اللاجئين السوريين الذين ذهبوا إلى سوريا في الفترة الممتدة ما بين عامَيْ 2018 و 2021، بلغ 13 ألفاً، 4 آلاف منهم من المقيمين في الدنمارك، والبقية في الدول الأوروبية، مؤكدة عدم تعرُّضهم للتهديد داخل سوريا". اللاجئين السوريين
من جهتها تقول السيدة "منى الناصر" وهي أحدى المتضررات من قانون سحب الإقامة المؤقتة لـ"ليفانت": "كنت أعمل مدرّسة في سوريا وشاركت بشكل كبير في المظاهرات ضد نظام (بشار الأسد) ولدي أخوة كانوا معتقلين لسنوات حالياً أنا لاجئة بالدنمارك" وتضيف: " وصلت للدنمارك عن طريق لمّ الشمل وما زلنا انا وزوجي وأولادي ننتظر إجابة الإجابة من مصلحة الهجرة لتجديد الإقامة ولكن لم يصلنا لا رفض ولا موافقة على التمديد".
بدوره قال الناشط المدني والمقيم في الدنمارك "سمير بركات" والذي نظّم عدة اعتصامات رفضاً لقرار الحكومة الدنماركية وإجراءات مصلحة الهجرة، لـ"ليفانت": "اعتمدت الدنمارك على ١٢ مصدر هي من حددهم وبعد ذلك تم نقد التقرير من ١١ مصدر على أنه تم تحويل أقوالهم بما يناسب أهداف الحكومة"، وأضاف بركات: "نسبة المتضررين الذين حددتهم الحكومة الدنماركية نحو ٩٠٠ قضية لاعادة دراستها، فيما تم فتح ٧٩٢ حتى الآن من أصحاب الإقامة المدرجة تحت بند إقامة حماية مؤقتة من سكان دمشق وريفها".
المحامي السوري والناشط الحقوقي المقيم في مملكة السويد "إيهاب عبد ربه" يقول: الأسس التي ارتكزت عليها الدنمارك هي أن معظم هؤلاء الأشخاص حصلوا على إقامات مؤقتة أو حماية إنسانية، وبالتالي في هكذا نوع من الإقامات القانون لا يمنع من ترحيل الشخص إذا تحسنت الأوضاع في بلده الأم، والتي كانت سبباً للحصول على لجوء. النسبة بلا شك كبيرة لأن الدانمارك من الصعوبة أن تمنح إقامات دائمة أو لجوء انساني طويل الأجل". اللاجئين السوريين
"دمشق مدينة آمنة".. الدنمارك تعيد تقييم المدن الآمنة
رغم ما تمتع به الدنمارك بسمعة ليبرالية ويحكمها الآن حزب يساري ومن المؤمنين بحقوق الإنسان، إلا أنها باتت تتسم بالتشدد المتزايد في مجال سياسات الهجرة في السنوات الأخيرة، حيث تجادل السلطات في كوبنهاغن بأن أجزاء من سوريا باتت آمنة بما يكفي لعودة اللاجئين إليها، ووضعت الحكومة هدفاً لها يتمثل بالوصول إلى رقم صفر من حيث عدد اللاجئين الذين يحصلون على الإقامة في البلاد، بذريعة أن الأموال التي يتم توفيرها في هذا المجال يمكن أن تذهب الى نظام الرعاية الإجتماعية، ولكن فيما يبدو بدأت الخلافات حول سياسة اللجوء في الدنمارك بالظهور بين حلفاء الحكومة وكذلك بين بعض المؤيدين على مستوى القاعدة الجماهيرية.
ووقّعت الدنمارك ورواندا اتفاقاً غير ملزم للتعاون في قضايا اللجوء والهجرة، لكن المسؤولين الدنماركيين قللوا من أهمية تلك الاتفاقية، وكان قد قام وزيرا الهجرة والتنمية في الدنمارك برحلة سرّية إلى رواندا، مما أثار تكهنات بأن تكون الزيارة عبارة عن خطوة أولى نحو إنشاء مركز للتعامل مع اللاجئين وطلباتهم خارج حدودها، وحذر نيلز موزنيكس، من منظمة العفو الدولية من أن أي محاولة لنقل طالبي اللجوء إلى رواندا هي "بلا ضمير وغير قانونية".
تقول منى الناصر التي تنتظر مع عائلتها نتيجة الاستئناف على قرار عدم تمديد الإقامة: إن "الدنمارك ترسل أنها تريد إعادة تقييم لأشخاص سوريين، في البداية قالت الهجرة إنها ستدرس فقط قضايا الأشخاص الذين ينحدرون من دمشق وريفها، وللذين يحملون حماية مؤقتة (مدتها سنة)، فيما بعد بدأوا بإرسال الإشعارات تباعاً لأشخاص من مناطق مختلفة، والمبرر إن دمشق وريفها باتا آمنين بالدرجة الأولى وبقية سوريا تقريباً أصبحت آمنة ويجب عودة اللاجئين إلى سوريا". اللاجئين السوريين
وتضيف الناصر: "أنا من حمص وكنت مقيمة بمدينة الرقة لعدة سنوات، لكن زوحي من دمشق، ولا اعتقد أن الدنمارك لديها أسس تعتمد عليها، فالذين وصلتهم قرارات الرفض من المحافظات السورية".
من جهته يؤكد الناشط المدني "سمير بركات" أن "الدنمارك صنّفت مدينة دمشق وريفها منطقة آمنة على من فرّ من الحرب في سوريا، ولكن لا يحق للدنمارك أن تقرر بمفردها وبعيداًعن تكتل دول الاتحاد الأوروبي أن هناك مناطق آمنة في سوريا، كما لا يحق لها إعادة أي شخص معارض لهذا للنظام السوري المجرم وأبدى مخاوفه من العودة الى سوريا، غير أن الدنمارك لا تأخذ بعين الاعتبار كل ما يقوله اللاجئ إلا عندما يتم تحويل قضيته إلى محكمة تظلّم اللاجئين"، ويشير بركات" "يجري تقييم الشخص على أنه معرّض للخطر عندما يثبت أنه مطلوب للنظام وبالتالي عليه احضار مستندات اذا لم يكن في مقابلته الأولى قد افصح عن ذلك".
اقرأ المزيد تشتيت العائلات السورية.. انتقادات حادّة لسياسات “الهجرة” الدنماركية
فيما أكد المحامي والناشط الحقوقي "إيهاب عبد ربه": "من المفترض عدم إعادة أي شخص أعلن أنه معرّض للخطر في بلد الأم من قبل النظام الحاكم"، وأضاف عبد ربه: "ما يحصل عادة أن الهجرة قد لا تصدق أن هذا الشخص معرّض للخطر من قبل النظام، خاصة وأنه من منطقة أصبحت آمنة، في الجوهر المنطقة الآمنة أي لا يوجد فيها حرب". اللاجئين السوريين
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!