-
قاسم سليماني وخطوط ترامب الجديدة
تعتبر الخطوة الأمريكية بمقتل الإرهابي قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، خطوة مهمة وتطور لافت في المواجهة الأمريكية مع الإرهاب الإيراني وميليشياتها في المنطقة، فهذه الخطوة في تقديري تأتي لكي تؤسس لخطوط حمراء جديدة أراد ترامب أن يقوم برسمها بدماء قاسم سليماني لكي تكون رسالة تعكس الجدية الأمريكية، حيث أراد ترامب أن يؤكد أنه يختلف عن سلفه باراك أوباما وأن الخطوط الحمراء فيما يتعلق بالمصالح الأمريكية هي حمراء بالفعل وليست (قلم رصاص) كما هو حال الخطوط التي سبق وأن قام بوضعها باراك أوباما التي كان أشهرها في الملف السوري.
لا شك أن مقتل قاسم سليماني سعى لإرباك الحسابات الإيرانية، فهذه الخطوة الأمريكية التي تميزت بعنصر المفاجأة كان يريد منها ترامب أن يسعى لبعثرت الأوراق الإيرانية وأن يسعى لإفساد تقديرات الموقف الإيرانية في السابق، والتي سعت مراكز صناعة القرار الإيرانية إلى تفسير حالة التردد الأمريكية في اتخاذ خطوات تجاه إيران بأنها ربما تعكس غياب الرغبة الأمريكية في المواجهة مع إيران، وهو ما حاولت إيران أن تسعى لتوظيف هذا التردد لمصلحتها للاستمرارية في سياساتها المزعزعة للإستقرار في المنطقة، وبالتالي كان مقتل قاسم سليماني خطوة أمريكية لإجبار الإيرانيين على إعادة تقديراتهم للموقف الأمريكي وعدم تفسير التردد بأنه رغبة بعدم المواجهة.
مقتل الإرهابي قاسم سليماني والذي يأتي في ظل وجود تغيير في الاستراتيجية الأمريكية التي سعت في عهد ترامب إلى الانتقال بالخيار العسكري من خيار مطروح على طاولة الإدارات الأمريكية إلى خيار مطروح على الأرض، في ظل التعزيزات العسكرية الأمريكية، وبالتالي أرادت الولايات المتحدة الأمريكية بهذه الخطوة الجريئة التي أقدم عليها ترامب في هز أركان النظام الإيراني أن تؤكد واشنطن جديتها في الذهاب نحو تفعيل الخيار العسكري إذا ما تطلبت المواجهة مع إيران.
لا شك أن مقتل الإرهابي قاسم سليماني سيكون له ارتداداته على مستقبل الميليشيات الإيرانية في المنطقة وعلى النفوذ الإيراني في المنطقة بخاصة وأن قاسم سليماني يعد حلقة الوصل بين المرشد الإيراني ووكلاءه في المنطقة، وبالتالي فهذه الخطوة الأمريكية سوف تقود بلا شك لإضعاف وكلاء إيران في المنطقة، كما أن مقتل سليماني رجل خامنئي في المنطقة وذراع طهران الرئيسي في مشاريعها التوسعية سوف يزيد من حدة التراجع للنفوذ الإيراني في المنطقة، بخاصة وأن هذه الخطوة هي تأتي في وقت يشهد فيه النفوذ الإيراني تراجعاً مستمراً في الأونة الأخيرة بالتزامن مع الثورات الشعبية العربية التي تواجهها إيران ووكلاءها في كل من العراق ولبنان.
ومن جهة أخرى مقتل الإرهابي قاسم سليماني لن يكون تأثيراته على الوضع الإقليمي ونشاطات إيران في المنطقة، وإنما سوف يلقي بتأثيره على الداخل الإيراني في ظل حالة التصاعد الحاصل في صراع الأجنحة في إيران والتي كان قاسم سليماني يتزعم محور المتشددين ويحاول أن يدير دفة السياسة الخارجية، وهو ما قاد لأزمة استقالة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف قبل أشهر، وبالتالي فإن غياب قاسم سليماني عن المشهد السياسي الداخلي هو ضربة موجعة لمحور المتشددين وفرصة قد يسعى لاستغلالها محور الاعتدال، أو هكذا يسمي نفسه للتعزيز من سيطرته على عدد من الملفات وبخاصة الخارجية.
أما بالنسبة لإمكانية الرد الإيراني على هذه الخطوة الأمريكية، فإن النظام الإيراني يعيش في مأزق فهو أمام خيارين إما الرد وهذا سوف يقحم إيران في دوامة الكثير من الخسائر التي سوف تتكبدها على المستوى السياسي ليس هناك قدرة إيران على مواجهة الضغوط السياسية الدولية في ظل العزلة التي تعيشها طهران، وعلى الصعيد العسكري فإن إيران دولة تعيش تحت وطأة الأزمة الاقتصادية المتصاعدة وهذا يعني أن تكلفة الحرب سوف تكون باهضه وهذا مالا يستطيع النظام الإيراني أن يتحمله، والأهم أن إيران منذ نهاية الحرب العراقية الإيرانية العام 1988 وهي لا تفضل الدخول في مواجهة مباشرة وتعتمد بشكل رئيسي على حلفاءها ووكلاءها في المنطقة.
ولعل هذا ما يفسر القناعة الأمريكية بهذا والتي نجدها تبرز في تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عقب مقتل قاسم سليماني والتي قال فيها ( بأن إيران لم تكسب حرباً أبداً، ولكنها لم تخسر مفاوضات) يؤكد أن الإدارة الأمريكية لديها قناعة بعدم وصول الأمر إلى حد المواجهة المباشرة مع الإيرانيين، وبالتالي أراد ترامب أن يؤكد للإيرانيين بأن خيار الحرب لن يجعلهم يكسبون، وبأن خيار المفاوضات هو الأقرب لإيران، وهي رسالة أمريكية مهمة بأن على الإيرانيين أن يقرأوا خطوة مقتل قاسم سليماني بعقلية الإدراك للواقع بعيداً عن الشعارات المزيفة والقرارات المتسرعة، وبأن الطريق الأفضل للإيرانيين ليس الحرب أو التفكير بالانتقام بل الذهاب إلى المفاوضات.
بالنسبة للإيرانيين فإن الانتقام وارد بشكل كبير في حساباتهم لأن عدم الرد على مقتل قاسم سليماني سيكون له فاتورة باهضه على النفوذ الإيراني الذي يعيش حالة من التراجع المستمر، وبالتالي فإن من المبكر جداً ذهاب الإيرانيين إلى المفاوضات، لأن ذلك يعني جلوسهم على الطاولة من موقع ضعف، وبالتالي ما يجعلهم مجردين من أوراق الضغط التي تمكنهم من تحقيق ما عجزوا عن تحقيقه عبر التصعيد.
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!