-
في تقييم "حالة تغير المزاج الشعبي"
ربما تمنحنا المسافة الجغرافية القائمة مع السوريين داخل البلاد، أن نقيم اليوم ونحاول توصيف الوضع القائم، وقد كثر الحديث عن تغير المزاج الشعبي داخل البلاد تجاه السلطة ورموزها.
وهي أقرب لأن تكون حالة، لأنها تمظهرت بالعديد من الأشكال، ولكنها لم تصل بعد لتكون رأياً سياسياً يتم التعبير عنه بوضوح، كالقول بأن هذا الواقع واجب التغيير، لأن من يتخذ موقفاً سياسياً كهذا عليه أن يكون قد خرج من حالة التململ وعدم الرضا وقطع الأمل من إمكانية التغيير الإيجابي، وبعد قبوله بهذه الحقائق يستطيع الانتقال لفكرة ضرورة التغيير، لكننا على ما يبدو، بالنسبة للسوريين داخل البلاد وصلت حالة عدم الرضا ذروتها وتم التعبير عنها بأشكال عدة ووصلوا حالة فقدان الأمل، لكن الإقرار بضرورة التغيير لم يبت بعد على الصعيد الشعبي.
وإذا أردت الرجوع إلى العام الفائت فقد كان هنالك كم هائل من السخرية من رموز النظام وسلوكياته اجتاحت وسائل التواصل الاجتماعي مع استمرار تدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي والأمني. سخرية من سوء الوضع، من هزالة الرموز السياسية، سخرية من جدوى الانتخابات الرئاسية، من السيادة الوطنية التي يتم انتهاكها، خصوصاً من قبل العدو الصهيوني دون نهاية.
تلا تلك التعبيرات السلمية موجة من الاعتقالات شملت عسكريين ومدنيين، من الجيش والقضاء والجمارك وهيئة الرقابة والتفتيش والصحافة والإعلام، كان هنالك تضامن معقول مع المعتقلين بين صفوف السوريين، داخل البلاد وخارجها، أعتقد أن هذا التضامن يجب أن يبنى عليه لاحقاً.
لامس الناس مع استمرار تدهور الأوضاع عتبة فقدان الأمل، وهذا أكثر ما يتم التعبير عنه في اللحظة الراهنة، شبان وشابات في سن التعليم والإنتاج أقصى أحلامهم الخروج من البلاد إلى أي بقعة أخرى من الكوكب، عدم القدرة على تحمل سوء الأوضاع ومحاولات فردية لتغيير واقع يحتاج جهود أجيال كاملة لتغييره.
لكن هذه "الحالة" كما قلت لم يكتب لها بعد الوصول إلى عتبة القرار والفعل، خصوصاً مع غياب الحياة السياسية، ومنع الفعاليات الاجتماعية والتضامنية، لم يترك النظام القائم للناس منفذاً سواه، وربما هذا مأزقه قبل أن يكون مأزقهم، الأعراس والحفلات والندوات وكل ما يمكن أن يكون عفوياً يلزمه هنا موافقات أمنية.
المعارضة السياسية بأطيافها نالت عقاباً كببراً لاستمرار نشاطها، تم منع انعقاد مؤتمرات أحزاب وتيارات، الملاحقات للأفراد كما الاعتقالات لم تتوقف، بقيت المعارضة السياسية برأيي تنجز أكثر بكثير من إمكانيات واقعها المر، وبقيت عاجزة عن الوصول إلى الشباب السوري الذي يشكل أكثر من نصف عدد السكان.
اقتصار السياسة على النخب ومنعها في الحقل العام سيؤدي بالضرورة إلى تفكير الشباب لاحقاً بتشكيلات اجتماعية وسياسية مختلفة عن الأحزاب، في حالة 2011، كانت التنسيقيات والمجالس المحلية هي الصيغ التي تم التوصل لها، ومن الممكن أن يفاجئنا الشباب السوري بأشكال أخرى أكثر نجاعة إذا تمكن من قراءة التجربة وفهمها ونقدها دون أن يتخذ منها موقفاً مسبقاً، أو بالأصح إن استطاع حل عقد اللاجدوى والطائفية، وعبر بالمجتمع إلى ضفة يستطيع فيها الناس التحاور للاتفاق.
أعتقد بأن الناس داخل البلاد تجاوزوا بشكل جزئي مسألة الطائفية والمناطقية، وأصبحت احتياجات الإنسان وحقوقه المسألة الأكثر أهمية، وهذا يساعد جداً في الوصول إلى الاتفاق المنشود بين السوريين. بالطبع فإن كل الدول، العدوة والصديقة، ستقف ضد أي قرار سوري خالص، لأنها جميعا تتاجر بدمنا، وتستفيد من ذبحنا، والجيد أن الظروف والزمن يعري كل هؤلاء.
وعي ذلك، وعي واقعنا ومصلحتنا، هو المقدمة للخروج من حالة اليأس العامة، والوصول للقرار الصحيح.
ليفانت - هنادي زحلوط
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!