الوضع المظلم
الخميس ٠٧ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
فراغ سياسي أم حرب عصابات أنجع؟
إبراهيم جلال فضلون (1)

ليفانت: إبراهيم جلال فضلون

إنها المعضلة العربية في تشخيص جانب من أمراض العرب السياسية في زماننا، بسبب كثير من الخلل والاستبداد والفساد، وعوامل أخرى لا حصر لها سببها ابتعادنا عن قيمنا الدينية والحضارية والخُلقية، التي أدّت إلى تضخيم صناعة "الخلل الهيكلي" بأجهزتنا الممتدة من المجتمع وثقافته للسياسة فالاقتصاد، ولم يتوقع أحد في "الشارع العربي" أن تجترح القمم العربية والتي يجتمع في سلسلتها القادة العرب بالمنامة الآن، محاولين دعم القضية الفلسطينية المقهورة إن لم يكن "مُتنمرُ عليها" أو في حل أي أزمة عربية، فالفراغ يصيب أقاليم أخرى في عالم، يعاني من تفاوت في القوّة بين أجزائه، وفي دول لم تستطع إتمام الناقص في قدرتها، لتكون الأثمان فادحة، وبالتالي يجب عليهم أن يسارعوا إلى سدّه، بدلًا من المكابرة حياله، وعدم إغفاله وتجاهله، بهندسة المسرح السياسي على المستوى: المحلي، والإقليمي، والدولي، دون تضييع مزيد من الوقت في تقدير حجم الفراغ ومداه. فتقدير الفراغ يكشف، ويفضح، أنظمةَ كثيرة، وحقبًا تاريخية، تكشف كثيرًا من تلك الممارسات والألاعيب، ليكون في أفواههم فقط ما يسمّونه: "الجزء المملوء من الكوب"؛ لإثبات الشرعية السياسية وتسويقها بين الناس، بتعمية أي فراغ في القوة السياسية والذي ينجم عنه تفاقم وانهيارات يستيقظ الناس عليها، ما صار في طوفان الأقصى ولم تُهزم حماس بعد 7 أشهر من الحرب، وغيرها، من قبل وحروب الخليج واعدامات أنظمة وغير ذلك، مما يثير المخاوف في الأواسط الماسونية والصهيونية من أن الأمر قد يتطور لحرب إلى الأبد، تُستخدم فيه تكتيكات الكر والفر وخلايا أصغر للقتال لإظهار قدرتها على الاستمرار في الحرب لأشهر، إن لم يكن لسنوات، أمام الألات الحربية والدعم اللامحدود من أميركا والغرب وغيرهم، في ظل عدم وجود خطة موثوقة أو صور واضحة لاستراتيجيات ناجحة، وأيا كانت الإنجازات التي حققوها على الأرض أو إعلامياً.. وهو ما نقلته "وول ستريت جورنال" عن اللواء تامير هايمان، الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية قوله "حتى لو كنت تقوّض النشاط الإرهابي، فلا يزال لديك الهياكل المجتمعية، والشعور بالأخوة الإسلامية، والعناصر الأيديولوجية والدينية. هذا ليس شيئا يمكن اقتلاعه".

إذاً مسألة "الفراغ السياسي" يحتاج إلى "امتلاء" فما بالنا لو كان الفارغ ليس بفارغ، إنما ندركه، في رأي علم الفيزياء، ولا تقف عند حدود القضايا الكبرى، بل إنها تنسحب إلى الأفراد أنفسهم، لأن الإحساس بالفراغ يبدأ بالفرد، وينتهي بالجماعة، ثم الكتلة، في وحدة جغرافية صماء، فدراسة الفراغ ليست خصمًا من الحقيقة الموجودة، بل إضافة إليها، تصلح في حد ذاتها مدخلًا معتبرًا لتحليل الكثير من التصورات والقرارات السياسية، بدءًا من المواطن العادي وانتهاء بمتخذي القرار في هرم نظام الحكم.

وبالتالي نعود لكيفية ترسيخ ثقافة الفراغ السياسي التي بدأت بصورتها الأكثر منذ أن أعلن الرئيس أنور السادات مقولته الشهيرة بعد "حرب العبور"، أن"99% من أوراق الحل في الشرق الأوسط هي في يد أميركا، ولكني أختلف ها هنا معه أيُها القُراء، لأن كافة الأوراق بيد أمتنا العربية فالفراغ السياسي بلغ مبلغا يستحيل التراجع عنه، وأن ثقافة الفراغ ترسخت خلال عقود طويلة حتى عادت سياسة رسمية تحول من أي حراك رسمي ولو في بادرة تهويل حبر على ورق.. لنجد المقابل لهذه القاعدة البديهية، التطبيع العربي وبناء "علاقات طيبة" مع الإدارات الأميركية المتعاقبة دون استناد حفاظاً للمصالح، ولا ننسي ما ذكره السيد عمرو موسى مثلاً عن سياسات "الانفتاح الاقتصادي" والاتفاقيات الأمنية والسياسية و"السياسة المائية الجديدة" التي يشربها ملايين المصريين مياه ملوّثة سامة، ومشروع ربط البحر الميت بالبحرين الأبيض والمتوسط. وكلها بعيدة عن مصالح العرب لأنها فقط تخدم مصالح مشتركة لدول "المجتمع الدولي" وشركاتها العملاقة، ومصالح إسرائيل الاقتصادية والأمنية والسياسية، ومصالح مالية وتجارية ضيقة لفئات قليلة من نُخب السلطة.

لقد تحول الفراغ السياسي لأيديولوجيا يحددها "المجتمع الدولي" تباعاً في حماية "أمن إسرائيل" على شكل أدائي في أخلاقيات "السلام" أو ما يسمى "طاولة المفاوضات" التي لم تُؤتي ثمارها حتى في القوانين الدولية ومجلس الأمن والأمم المتحدة وغيرهم.. وهذا ما تراهن عليه السلطات العربية، وهو بيت القصيد في أسس الفراغ السياسي العربى.

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!