الوضع المظلم
السبت ٠٩ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • عن تراتبيّة الاستيلاء على المجال الحيوي الكردستاني في سوريا

عن تراتبيّة الاستيلاء على المجال الحيوي الكردستاني في سوريا
همبرفان كوسه

همبرفان كوسه -صحفي سوري / كردي


استولت حكومة الوحدة السوريّة المصريّة، عام 1958، على الأراضي الشاسعة لعائلة إبراهيم باشا المللّي بين مدينتي سري كانييه وتل أبيض وصولاً إلى ريف محافظة الرقّة، ووزّعت هذه الأراضي على مواطنين عرب، كذا ذلك أستولت على أراضي كثيرة عائدة لعائلة "آل كردو" في مركز تل أبيض.


ظلّت المساحة الجغرافيّة الفاصلة بين الجزيرة الكردستانيّة العليا في سوريا "محافظة الحسكة" وبين محافظة كوباني، مركزاً حيويّاً مهمّاً للعشائر الكرديّة في سوريا، لجهة الرعي والبداوة، قبل التحضّر الجزئيّ. كان هذا التجمّع الكرديّ مبنيّاً على تحالفين كرديين رئيسين، الأوّل هو التحالف الكردي البَرازي، والذي يتحكّم بالمجال الحيويّ الممتد بين تل أبيض وكوباني والذي لا يزال يحافظ على مجاله، والثاني تجمّع العشائر المللّيّة، الذي سُلب منه أرضه ومجاله.


ومع التقادم، تحوّل هذا التجمّع البدويّ والرعويّ الكردستانيّ الثانيّ، إلى مدن وبلدات وقرى عربيّة، بفعل عمليات التغيير الديموغرافي والتعريب، وصارت هذه المدن والبلدات العربيّة، تشكّل الحدود الفاصلة بين الأقاليم الكردستانيّة "المنفصلة" في سوريا. صار مشروع الفصل هذا شبه متكامل في الحدود الفاصلة بين منطتقي كوباني وعفرين الذي عاش تجارب مشابهة من تجربة تل أبيض، رغم اختلاف آليّات التغيير السكانيّ، ورغم أنّ تلك الأماكن كانت من أوائل الأمكنة التي طالبت بحكم ذاتي للكرد في سوريا. كانت جرابلس في بداية تشكيل الدولة السوريّة منطقة جغرافيّة ذات كثافة كرديّة شبه صرفة، ودعت إلى حكم ذاتي، حتّى أنه في فترات من تلك الحقبة، دُرست اللغة الكرديّة فيها.


إلا أنّ مدينة تل أبيض، وريفيها، المرتبط بكوباني وسري كانييه، لا يزال يحافظ على جزء كبير من كردستانيته، ذاك أنّ 30 إلى 40 بالمئة من سكان تل أبيض لا زالوا من الكرد، والمجال الحيوي نحو كوباني لا يزال صرفاً كردياً، فضلاً عن أن المجال المرتبط بسري كانييه، لم يشهد تطوّراً عمرانيّاً وبناء، ليتحوّل إلى مدن أو بلدات كبيرة، تفصل المدن الكرديّة عن بعضها، بل لا تزال أراض زراعيّة، قليلة السكان.


وبالعودة إلى مشروع تركيا، فإنّ مشروع إعادة اللاجئين السوريين إلى منطقة تل أبيض وسري كانييه بعد احتلالها، فائدتين جوهريتين، أوّلها أنّ هذه المنطقة الزراعيّة ستتحوّل إلى مدن وبلدات ثابتة، يقطنها سوريون غير كرد، وبالتالي القضاء على أي محاولة حالية ومستقبلية لبناء أي كيان كردستاني في سوريا، والثاني هو أن تقوم شركة الإسكان التركية ببناء هذه التجمعات السكنيّة في تلك المنطقة، بدعم أوربيّ، لدعم الاقتصاد التركيّ، شبه المنهار. زِد على ذلك أنّ التوجّه التركيّ في كردستان سوريا غالباً يتجه نحو الأمكنة الّتي يفوق فيها المكون العربي على الكرديّ في حجم السكان.


والجانب الأخر من القضيّة، فإنّ الوصول إلى تل أبيض وسري كانييه يعني اختراق مناطق نفوذ سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، ما يؤمّن طريقاً تركيّاً نحو محافظتي الرقّة ودير الزور، وبالتالي فإنّ تركيا تضمن وجوداً في محافظات الرقّة والحسكة وحلب، أي مناطق التوزّع الجغرافي الكردي.


تالياً، ماتزال تركيا تحتفظ بعقليّة الاستعمار، تلك العقليّة الّتي تسعى لإعادة تشكيل المدن وتأهيلها اجتماعيّاً، بما يتلائم ويخدم المصلحة القوميّة التركيّة، ووجود مدن وبلدات حديثة في كردستان سوريا، تحدد لتركيا جذوراً عربيّة على حدودها، مقابل إزالة جذور الوجود الكرديّ. وتصير بالتالي كوباني والجزيرة، منطقتين جغرافيتين على هيئة جزيرة مطوّقة إثنيّاً وعرقيّاً.


وربّما، اليوم، نحن أمام توحّد فكرة الاستيلاء على الحياة والمجال الحيوي الكردستاني والّتي أمتدّت من مصطفى كمال أتاتورك إلى جمال عبد الناصر وصولاً لرجب طيب أردوغان إلى بشار الأسد فالمعارضة السوريّة. هذه الأفكار مختلفة في بنية نظامها الفكريّ والتعاملي في قضايا حكمها، إلا أنّها على العموم تكمّل مشاريعها، تباعاً، ضدّ الكرد.


 


 




العلامات

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!