-
ستيف جوبز.. وخليط البيولوجيا السورية مع الإبداع الأمريكي
في العام 1931، وُلد عبد الفتاح الجندلي في مدينة حمص، ومع مطلع الخمسينيات سافر إلى أميركا ليبدأ مرحلة جديدة من حياته وهو على مشارف العشرين من العمر، حيث انتقل إلى نيويورك والتحق بمنحة دراسية في جامعة "ويسكونسن" تُمكّنه من الحصول على درجة الدكتوراه في الاقتصاد والعلوم السياسية.
وكطالب دكتوراه، كان من ضمن المهام الأكاديمية لجندلي أن يُحاضر في بعض الدورات التدريبية للطلبة، ليقابل للمرة الأولى "جوان كارول شيبل" التي سحرته عندما رآها للمرة الأولى أثناء حضورها لإحدى محاضراته، ولم تمضِ عدة أشهر إلا وانتفخت بطن جوان معلنة عن قرب وصول مولودها الأول (وهو ستيف جوبز)، من علاقتها الغرامية بالجندلي الذي أصبح يُنادى بـ "جون" منذ قدومه إلى أميركا.
وعلى الرغم من أن هذا الأمر يعتبر "عادياً" بالنسبة للتقاليد الأميركية المتحررة، فإنه لم يمرّ بهذه السهولة بعد أن تفاقمت المشكلات بين "جوان" وعائلتها الكاثوليكية المحافظة، والتي أبدت استياءها الكامل من مواعدتها لشاب عربي مسلم، وأبدت الرفض الكامل لزواجها المُحتمل به، بل وهددتها بقطع علاقاتها بها بشكل كامل إذا استمرّت في علاقتها معه.
زيارة حمص
في العام 1954، وأثناء فترة حمل جوان، سافر الاثنان معا إلى حمص لتتعرّف جوان على أسرة عبد الفتاح الجندلي، وتقضي بعض الوقت معه في بلده بعيداً عن مشكلاتها مع أسرتها، في النهاية، عاد الاثنان مرة أخرى إلى أميركا وقد بدا أنهما يرضخان لضغوط والديها برفضهما القاطع للزواج، وقرر الاثنان أن أفضل تصرّف هو أن تلد جوان الطفل، ويعرضانه للتبنّي لأسرة تتولى تربيته ورعايته.
لاحقا، وبحسب رواية الجندلي، سافرت جوان بمفردها سرا إلى سان فرانسيسكو لتضع وليدها بعيدا الذي جاء إلى الدنيا في 24 فبراير/شباط عام 1955، وتبدأ في رحلة البحث عمن يتبنّاه لتتخلّص من الطفل الذي اعتبر الجميع أنه من المريح لكل الأطراف أن يتخلصوا منه لصالح أسرة أخرى.
أسطورة عالم التقنية
ذلك الطفل كان ستيف جوبز، الذي لمع اسمه في منتصف عشرينياته تقريباً، كأسطورة في عالم التقنية- لكن لم يسعَ ستيف جوبز للتواصل مع أبيه وأمه البيولوجيين أبداً، مكتفياً بالحب والاحترام الذي ناله من والديه بالتبنّي، حتى شُخّصت كلارا -والدته بالتبنّي- بمرض سرطان الرئة، ووقتئذ، بدأ ستيف جوبز في قضاء وقت أطول مع والدته، وبدأ يعرف المزيد من المعلومات بخصوص ظروف تبنّيهم له وما حدث بالضبط، وهي المعلومات التي حفّزته ليبدأ البحث عن والدته البيولوجية الأصلية.
وانطلاقاً من المعلومات التي ذكرتها له والدته بالتبنّي، استطاع جوبز أن يصل إلى الطبيب الذي كان مسؤولاً عن ميلاده في سان فرانسيسكو، إلا أن الطبيب لم يقدم لجوبز مساعدة حقيقية طوال فترة حياته، وبعد فترة بسيطة، وعلى غرار الأفلام الأميركية -إلا أنها كانت حقيقة موثقة هذه المرة- تُوفّي الطبيب تاركاً لجوبز رسالة أوصى بعدم فتحها إلا بعد مماته، ذكر فيها الطبيب أن أمه الحقيقية كانت طالبة جامعية غير متزوّجة من "ويسكونسن" وأن اسمها جوان شيبل.
جوبز بين أمه الحقيقة وأمه بالتبني
لم يتحرّك ستيف للتواصل مع أمه البيولوجية أبدا إلا بعد وفاة والدته بالتبنّي وبعد أن حصل على موافقة أبيه بالتبني "بول" الذي سمح له بالبحث عن أبويه البيولوجيين كما يريد، ومع ذلك، طلب ستيف من وسائل الإعلام ألا تذيع أبدا أي شيء بخصوص بحثه عن والديه، احتراماً لوالده بول ولعدم جرح مشاعره.
وأخيراً، تحرّك جوبز للقاء والدته الحقيقية، وقال في سيرته الذاتية إن سبب رغبته في مقابلة والدته البيولوجية هو أن يطمئن عليها وليشكرها بأنها تركته يأتي للحياة، بدلاً من أن تتوجه إلى قرار الإجهاض الذي كان من الممكن جداً أن تتخذه للتخلّص منه.
وأثناء اللقاء بدا التأثر واضحاً على والدته مع سيل من الاعتذار والشعور بالألم، إلا أنها لم تبدُ تعرف جوبز ومكانته جيداً في شركة أبل، وأثناء ذلك اللقاء، تعرّف جوبز للمرة الأولى على أخته البيولوجية "منى سيمبسون".
علاقة ستيف جوبز بأصوله السورية
وفي العام 2009 بدأ "والتر إيزاكسون" -صاحب القلم الذي خطّ سيرة عباقرة كثر- في مقابلة "ستيف جوبز" ليدوّن حياته، وتعددت لقاءاته على مدى عامين بين الخصوم والأصدقاء والعائلة، ووصفت دار النشر "سايمون أند شوستر" (Simon & Schuster) "ستيف جوبز" بأنه شخص "تسوقه الشياطين وتقوده المتناقضات، فهو الذي يدفع ملايين الأشخاص لشراء منتوج الشركة، وفي المقابل يمكن أن يدفع من يحيطون به إلى اليأس".
وفي سيرته الذاتية، ذكر "أيزاكسون" عدة مواقف مفتاحية بخصوص علاقة ستيف جوبز بأصوله السورية، منها أن ستيف اصطحب ابنه ريد لتناول العشاء مع أخته سيمبسون في منزلها في لوس أنجلوس، حيث قضى ريد بعض الوقت يتطلع إلى صور جدّه البيولوجي "عبد الفتاح الجندلي" التي علّقتها منى على الحائط، بينما تجاهلها جوبز تماماً، ولم يتوقف عندها لحظة.
يذكر أيضاً، أن ستيف جوبز لم يكن يبدو عليه الاهتمام إطلاقاً بما يحدث في الشرق الأوسط قبل وبعد اندلاع ثورات الربيع العربي، ولم يكوّن حتى رأياً قوياً بخصوص أي شيء، وفي الأيام الأخيرة من حياة ستيف جوبز، ومع تنامي مرض سرطان البنكرياس الذي أصابه في العام 2006، طفا على السطح مرة أخرى سؤال عام حول إمكانية أن يقابل والده البيولوجي حتى من باب الوداع الأخير، إلا أنه لم يحدث قطّ.
فيما وصفت "كريسان برينان" أم طفلته التي تخلى عنها بدوره قبل أن يعترف بها لاحقاً؛ أن حقيقة تعرض "ستيف جوبز" للتبني تركته حطاماً، وأن هذا ما يفسر بعضا من سلوكه ومن يُترك، يَترُك، فيما رفض ستيف جوبز الاعتراف بأن ألمه من هجر والديه له وهو رضيع لم يتجاوز ساعات من العمر رافق مسار مجده، بل وصف ذلك بأنه هراء وأمر سخيف، وقال في مذكراته: "إن معرفتي بأنني متبنى جعلني أكثر استقلالية، لكنني لم أشعر أبداً أنني مهجور، لقد شعرت دائماً بأنني مميّز".
تأسيس شركة آبل
فيما كان قد قرر "ستيف جوبز" و"ستيف وزنياك" تأسيس شركتهما الخاصة، ولم يكونا قد فكرا في الاسم بعد، وكان "ستيف وزنياك" قد صمّم حاسوبه الجديد، وظنّ حينها أنه من الأخلاقي أن يعرضه أولا على شركة "إتش بي" التي يعمل بها، قبل أن تكون ملك شركة آبل، لكن الشركة رفضته رغم انبهار مسؤوليها به.
وأسست شركة آبل رسمياً في العام 1976، حينها انطلق الثنائي في تسويق جهاز آبل واحد، وأصبح منزل "جوبز" مركز تجميع قطع الحاسوب، وتمكن الاثنان من بيع خمسين نسخة من الجهاز الجديد إلى متجر "بايت شوب"، ومنذ ذلك الحين تحوّل مرآب منزل عائلة "ستيف جوبز" إلى مصنع تجندت فيه العائلة أيضا لتشجيع "ستيف" وصديقه لإنهاء الدفعة الأولى في موعد تسليمها.
وفي العام 1976 ظهرت أول قصة عن الجهاز الجديد في عدد مجلة "إنترفايس" الذي قدّم آبل كأنها شركة كبيرة قائمة الذات، وبدأت الأنظار تتجه للاختراع الجديد الثوري، وتلت "آبل 1" إنجازات أخرى قادها طموح "ستيف جوبز" الجامح وعبقريته غير المحدودة، فجهاز "آبل 2" كان مختلفاً عن بقية الحواسيب الأخرى في تلك الفترة، ولقي نجاحاً كبيراً، فكان أول مفتاح قدمه "جوبز" للعالم للدخول إلى جنة التفاح، إذ كان نجاح جهاز "آبل 2" مرتبطاً بتصميم "ستيف وزنياك" البارع للدارة الكهربائية، لكن الأهم كان تصميم جسم الحاسوب الذي كان ذا قالب بلاستيكي، وكان خفيف الوزن.
وفي العام 1980 أصبحت قيمة شركة "آبل" التي طرحت للاكتتاب قبل ذلك بأربع سنوات 1079 مليار دولار، وفي العام 1982 اختارت مجلة "تايم" العريقة جهاز حاسوب "ماك" موضوع عدد نهاية السنة، حيث أطلقت عليه "جهاز العام".
فيما بدأت قصة الآيفون حين كان "ستيف جوبز" جالساً في متجر، فبدا له أن كثيرا من الأشخاص الذين يستخدمون هواتفهم في المتجر لم يكونوا سعداء، لذلك خامرته فكرة تحويل مشروع جهاز لوحي يعمل باللمس إلى جهاز أصغر، وبدأ مشروع "بوربيل" الذي تحوّل إلى "آيفون" في العام 2007، لتصبح شركة "آبل" أكثر الشركات إلهاماً، وكان منبعها الأساسي هو "ستيف جوبز".
وفي الخامس من أكتوبر 2011، توفي جوبز بمنزله في بالو ألتو، عن 56 عاماً، بعد ستة أسابيع من تقديمه استقالته كمدير تنفيذي لآبل، فيما أعلنت الأخيرة أن رئيسها الذي كان "نابغة رؤيوياً ومبدعاً، قد رحل بعد صراع طويل مع المرض".
ليفانت-خاص
إعداد وتحرير: أحمد قطمة
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!