الوضع المظلم
الجمعة ٠٨ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
رفائيل نادال
ثائر الزعزوع

قررت أن أبتعد عن الكتابة في الشأن السوري، وتحديداً ما يتعلق بالسياسة، لأن الأمور ليست مفهومة أبداً، ولا يوجد أي محلل أو خبير يستطيع قراءة تفاصيل الحدث، أو ما ستؤول إليه الأوضاع، واخترت بدل ذلك الكتابة عن الرياضة. فاللجنة الدستورية تواصل كتابة دستور عتيد سوف يكون كفيلاً بتحويل سوريا إلى دولة عصرية متميزة، و القصف يتواصل هنا وهناك، وآلاف النازحين تضيق بهم الأرض كل يوم، والاحتلالات تتنافس على أرضنا، ولا جديد تحت شمسنا سوى الموت.


رفائيل نادال هو لاعب تنس إسباني، يعتبر من أساطير لعبة التنس في التاريخ، أتابعه شخصياً وبشغف منذ ظهوره عام ٢٠٠٥ حين كان ظاهرة، إذ تمكن من الفوز في نصف نهائي رولان غاروس على عملاق اللعبة السويسري روجر فيدرر، ليحصد بعدها لقب البطولة بعد تغلبه في النهائي على ماريانو بويرتا، ليسيطر بعدها على البطولة الفرنسية حتى صار ملكها المتوج دون منازع وحصد لقبها ١٢ مرة آخرها عام ٢٠١٩. عام ٢٠٠٨ حصد لقب بطولة ويمبلدون متغلباً مرة أخرى على فيدرر، وفي تلك السنة اعتبر أفضل رياضي في العالم، المهم في الأمر أنه في تلك السنة استقبل في بلاده استقبال الأبطال، وخرجت الجماهير إلى الشوارع لتهتف باسمه، واستقبله الملك خوان كارلوس في القصر الملكي في مدريد وقال له: نفتخر بك جميعاً. بعض المشجعين وضعوا صورة نادال على العلم الوطني الإسباني، بعد ذلك سوف يحرص الملك خوان كارلوس على السفر إلى فرنسا كل عام لحضور نهائي رولان غاروس حين يكون نادال أحد طرفي النهائي، وترصد عدسات الكاميرات حماس الملك الإسباني وهو يشجع البطل الإسباني، الذي يجتمع على حبه الإسبان جميعاً، فهو في كاتالونيا بطل تماماً كما هو في مدريد أو فالنسيا أو في ماناكور مدينته، التي قدم لها ليس فقط إنجازاته، ولكنه يقدم لها الكثير من الخدمات ما بين بناء مدارس ومستشفيات، ومساعدة المنكوبين في الكوارث كما حدث عام ٢٠١٧ في أعقاب الفيضانات والسيول التي ضربت المدينة، فقد تبرع “الماتادور” كما يلقب في بلاده بتكاليف إعادة إعمار بيوت المنكوبين من خلال مؤسسته الخيرية.


و منذ أن بدأ “رافا” صعوده نحو القمة أطرح على نفسي سؤال: ماذا لو كان هذا الشاب سورياً أو حتى عربياً؟


تخيلوا معي أي سيناريو ستمر به حياته.


سوف ينشأ في منظمة الطلائع ليتعلم الغناء للقائد والوطن، وسوف يتعلم كيف يكتب تقريراً في زملائه كي يكسب الحظوة عند أساتذته ومديريه، لينتقل بعدها إلى منظمة الشبيبة حيث يبدأ مشوار صعوده في أن يكون مواطناً صالحاً، وكيف يكون صالحاً؟ عليه أن يثبت ولاءه واستعداده التام لبذل الغالي والنفيس خدمة لشعارات لا يفهم منها شيئاً، شعارات بالية تتحدث عن وطن حر يقبع الآلاف من أبنائه في المعتقلات والسجون، وعن تقدم و تحديث بينما يستغرق تعبيد طريق عادي خمس سنوات، ليتبين بعدها أن الإسفلت كان مغشوشاً، و أن المتعهدين سرقوا ثلاثة أرباع الميزانية وتقاسموها مع أولي الأمر، وعن تحرير الأراضي المحتلة، بينما يجري في السر والعلن التنازل عن مزيد من الأراضي.


سوف يكون على رفائيل نادال السوري أن يظهر على شاشة التلفزيون الحكومي ليتغنى بالإنجازات التي لم ير منها شيئاً، وعن الصمود والتصدي، والمقاومة والممانعة، وسوف ينسى في ذروة انغعاله أن يتحدث عن الرياضة و عن لعبة التنس التي يعشقها، ففي بلادنا أنت لست مهماً، لكن المهم هو القيادة، وما تقدمه لبلدك ليس مهماً إن لم ترض عتك القيادة، وإنجازاتك كلها تساوي صفراً أمام إنجازات القيادة وعظمتها.


فلولا القيادة يا عزيزي نادال لرأيت الأعداء من كل صوب وحدب يتآمرون لتدمير بلادنا، ولولا القيادة، يا عزيزي نادال، لعشت حياتك كلها خائفاً مرعوباً من فكرة أن يقوم الغزاة باعتقالك دون أي ذنب، ولولا القيادة، يا عزيزي نادال، لفعلت المستحيل كي تهاجر وتبحث عن فرصة عمل في بلد آخر لعلك تؤمن حياتك، ولتذهب موهبتك إلى الجحيم، ما فائدة الموهبة إن لم تكن القيادة راضية عنها؟ قل لي بربك يا عزيزي نادال...


أخيراً، خلال السنوات الخمس الفارطات برز لاعب كرة القدم المصري محمد صلاح كواحد من أفضل لاعبي كرة القدم في العالم، حين تذكر مصر في أي مكان، بات الناس يعرفونها بسبب “مو صلاح” وليس بسبب إنجازات الحكومة المصرية، والمصريون فخورون بمحمد صلاح أكثر بكثير من إنجازات حكومتهم، لكن إعلام بلدهم مشغول بالإنجازات والشعارات أكثر من انشغاله بالشاب المصري المتميز. 


أهلاً بكم في بلاد الشرق بلاد الشعارات والإنجازات.


صحفي سوري

العلامات

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!