الوضع المظلم
الجمعة ٠٨ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
خامنئي وبائعو الوطن الإيراني
إبراهيم جلال فضلون

"إطار" و"برنامج"، لم يتضمنا أية تفاصيل على أرض الواقع، وقد أثارا انتقادات وردوداً مُتباينة وتساؤلات في الشارع الإيراني، ومخاوف دولية من ألاعيب النظام الإرهابي الذي باع نفطهُ لرُبع قرن من خلال توقيع بكين وطهران على وثيقة تعاون "استراتيجي شامل" بأفضلية لشركات الصين في النفط الإيراني، وإبقاء بنود الوثيقة سراً، وسط إجماع حكومة روحاني ودوائر مقربة من "المرشد"، علي خامنئي، على عدم وجود تفاصيل لها، وكأنّها صفة بيع لجزء من سيادة إيران، مُنطلقةً من هاشتاغ #بائعي_الوطن.


إذ عدّها المنتقدون تكراراً لنسخة من معاهدة "تركمانجاي" التي وقعت بين إيران وروسيا في النصف الأول من القرن 19، وتنازلت بموجبها إيران عن إقليمي (إيروان ونخجوان)، شمال غربي البلاد، فضلاً عن امتيازات جمركية واقتصادية داخل البلاد توصف بأنّها من "أسوأ" أحداث التاريخ المعاصر الإيراني.


وظهر للجميع علانية ما يتبعه النظام الإيراني والأوساط المحافظة المقرّبة من خامنئي منذ سنوات على تبني استراتيجية التوجه إلى الشرق (تحالف مع موسكو وبكين)، مقابل التيار الذي يدعو لتطبيع العلاقات والانفتاح على الغرب.. وذلك مُنذ أن طرحها الرئيس الصيني "شي"، في لقائه مع "خامنئي"، يناير 2016، بعد أيام قليلة من دخول الاتفاق النووي حيّز التنفيذ، وقد قالها خامنئي: "إيران، حكومة وشعباً، تسعى كما فعلت على الدوام إلى توسيع علاقاتها مع الدول المستقلة الموثوق بها كالصين"، معتبراً أنّ المشروع الصيني - الإيراني "صائب حكيم تماماً"، وصرّح وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، أنّ الصين "صديقة الأوقات الصعبة". ليُعبر رئيس البرلمان، محمد باقر قاليباف، في تغريدته عبر "تويتر" بأنّ "توقيع الاتفاقية يعد عنصراً مهماً في تنامي القوة، في إطار استراتيجية التوجه إلى آسيا وآسيا الوسطى للوصول إلى مقاربة متوازنة تتمحور حول الاقتصاد في السياسة الخارجية"، وأضاف: "حتى يومنا هذا، ضاعت فرص كثيرة، والآن يتطلب تحول الوثيقة الاستراتيجية إلى شراكة استراتيجية عزيمة راسخة لتحقق الفوائد الاقتصادية للشعب الإيراني"، وهنا نرى وصف منصور حقيقت بور، مستشار علي لاريجاني رئيس البرلمان السابق، أنّ "المرشد الإيراني هو مهندس هذه الوثيقة" التي وصفها بأنها "مسمار في نعش العقوبات الأميركية – الأوروبية". أما أمير عبد اللهيان، نائب رئيس البرلمان للشؤون الدولية الدبلوماسي المحسوب على "فيلق القدس"، فقد رآها "حكمة وبصيرة" خامنئي.


إنّ الوثيقة تفتح الباب على توسعات لا حصر لها في المجال العسكري، ومجالات الأبحاث وتطوير الأسلحة والتعاون الاستخباراتي، والتعاون في مجال المنظمات الدولية. والتي قد تشتمل على استثمارات صينية في قطاعي الطاقة والبنية التحتية في إيران، وسط محاولات إيرانية لكسر حالة الحصار الاقتصادي التي فرضتها الإدارة الأمريكية عليها على مدى سنوات طويلة عبر سلاح العقوبات، ليكون ذلك تحدياً للإدارة الأمريكية التي لم تتحرك للآن تجاه إيران وتجعلها مُتواطئة من تحت الطاولات مع إرهابها الدولي.. فهل تقلق إيران من نجاح طهران في توقيع اتفاقية تعاون استراتيجي مع بكين؟.


بالطبع على العالم أن يبكي ما حصده من الدمار الشرق أوسطي في بلداننا العربية وقتل أبريائنا، في سوريا وفلسطين والعراق واليمن وغيرهم، تحت لواء "ولاية الفقيه"، وكأنّه صك قبول للاستعمار من قطبي الشرق (حلف وارسو) والغرب (الناتو)، قبل أربعين عاماً، تحت شعار ينافيه شعار صحيفة "جوان"، الناطقة باسم "الحرس الثوري" "لا شرقية ولا غربية... جمهورية إسلامية".


إنّ الصفقة شاملة بها خارطة عمل لتعاون في مجالات حيوية يجعل الشعب الإيراني المغلوب على أمره رهن سياسة ثنائية وإقليمية ودولية، ودفاعية أمنية، تُؤثر عليها اقتصادياً. لتُمهد الطريق أمام تدفق مليارات الدولارات عبر استثمار صيني داخل إيران، قدرتها وسائل إعلام بـ400 مليار دولار.. حيث نشرت وسائل إعلام إيرانية بعض التفاصيل عن 3 ملحقات للوثيقة. أولها: أنّ الصين "مستورد أساسي للنفط الإيراني الذي يتعهد بحصول الصين على نفط أرخص من أسعار النفط العالمية. ثم رغبة المسؤولين الإيرانيين في وجود أكبر وأكثر نشاطاً للصينيين في إيران، ومحفزات على تطوير طرق المواصلات والموانئ والمناطق التجارية الحرة، ومجال البتروكيماويات والنفط والغاز، فضلاً عن إنشاء المصانع ومترو الأنفاق.


ولا ننسى أنّ الصين تتصدّر قائمة الشركاء التجاريين لإيران، بحجم تبادل تجاري بلغ 19 مليار دولار من السلع غير النفطية خلال العام الماضي، ليكون مجموع الصادرات والواردات الإيرانية يكون قد بلغ خلال العام الماضي، إلى 20 مارس الحالي، 145 مليوناً و700 ألف طن، بقيمة 73 مليار دولار، ووصل حجم الصادرات الإيرانية إلى 112 مليوناً و293 ألف طن، بقيمة 34 ملياراً و526 مليون دولار. وفي المقابل وصلت صادرات إيران إلى 26 مليوناً و600 ألف طن، بقيمة 8 مليارات و900 مليون دولار، إلى الصين. في حين وصل استيراد السلع من الصين إلى 3 ملايين و500 ألف طن، بقيمة 9 مليارات و700 مليون دولار. لتُشكل التجارة مع الصين 10.6 % من حجم الصادرات، و25.3 % من حجم السلع المستوردة للبلاد.


والواقع أنّه لا يجب أن تضع إيران كل البيض في سلة الاتفاق النووي، وإلا ستهلك كما هلك من قبلها من أُمم، وما اتجاهات طهران ونظامها إلا عُقدة ضمن عُقد دائرية مُفرغة في إبرام اتفاقيات قد تُبرم مثلها مع موسكو، في محاولة لعدم تكرار تغاضي الصين وروسيا عن استخدام الفيتو ضد العقوبات التي فرضها مجلس الأمن على إيران قبل التوصل إلى الاتفاق النووي.



إبراهيم جلال فضلون


ليفانت - إبراهيم جلال فضلون


 

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!