الوضع المظلم
الجمعة ٢٠ / سبتمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • حريق سينما عامودا في ذكراه التاسعة والخمسين.. ومقتل ما يقارب 200 طفل

حريق سينما عامودا في ذكراه التاسعة والخمسين.. ومقتل ما يقارب 200 طفل
من ضحايا حريق سينما عامودا

يصادف اليوم الأربعاء 13 تشرين الثاني الذكرى السنوية 59 لحريق “دار سينما شهرزاد” في مدينة عامودا التابعة لمحافظة الحسكة شمال شرقي سوريا عام 1960، هذه الفاجعة التي عُرفت في الذاكرة الشعبية الكردية والسوريّة باسم “حريق سينما عامودا”.


مازالت تلك المدينة التي عرفت بكتابها وشعرائها الكرد السوريين، تحتفظ بذاكرتها بروائح تلك المجزرة التي راح ضحيتها آنذاك ما يقارب 200 طفلاً من طلاب المرحلة الابتدائية، بعدما تمّت دعوتهم من قبل مدير ناحية عامودا، لحضور أحد الأفلام المصرية القديمة في صالة السينما، من أجل دعم الثورة الجزائرية ضدّ الاستعمار الفرنسي 1954-1962 آنذاك، على أنّ يتم إرسال ثمن التذاكر كمساهمة في دعم الثورة.


وفي ذكرى حريق سينما عامودا أصدرت منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة تقريراً تحت عنوان "شبح منتصف الليل” يلتهم “شهرزاد” وأطفالها الصغار !"، عن تفاصيل تلك الحادثة وعلى لسان شهود من أهل المنطقة، وتقول بداية التقرير: "في العام 1960 كان في مدينة “عامودا”، صالتان لعرض السينما، إحداهما تُعرف باسم “سينما فؤاد”، والأخرى كان ُطلق عليها اسم “سينما شهرزاد”، وكانت سينما “فؤاد” تعدّ صالةً صيفية بينما كانت سينما “شهرزاد” تعدّ صالةً شتوية مبنيّة من الطين والقشّ، كما تُبنى البيوت الطينية في عموم تلك المنطقة الزراعية الخصبة".


وتضيف المنظمة: "بحسب المعلومات التي حصلت عليها سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فقد لجأ صاحب السينما وهو من مدينة “عامودا” واسمه “خضر عزو معكو”، في تصميمها إلى وضع بعض “الديكورات الفلكورية” وكانت عبارة عن جوالات/أكياس خيش، وتمّت صباغتها بألوان مختلفة، حيث كانت الصالة في غالبيتها مصنوعة من الخشب وفيها كراسي من الخيزران، في حين كانت الأبواب خشبية وبمغلاق داخلي، أي يتم إغلاقها من الداخل، كما كانت السينما تتسع لحوالي 200 شخص كحد أقصى".

آنذاك وبدعوة من مدير ناحية “عامودا” تمّ إبلاغ مدراء المدارس بضرورة مساندة ثورة الجزائر عبر “أسبوع دعم ثورة الجزائر” وكان من ضمن برامج الأسبوع هو تخصيص يوم واحد من أجل عرض أفلام لأطفال المدارس، على أن يذهب ريعها للثورة الجزائرية، وكان ثمن بطاقة الفيلم آنذاك حوالي ربع ليرة سورية، حيث أفاد العديد من شهود العيان والناجين لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة بأنّ شراء البطاقات حينها لم يكن إجبارياً، لكن في المقابل من لم يكن يشتري تلك البطاقات كان يُنظر إليه بازدراء.



من ضحايا حريق سينما عامودا من ضحايا حريق سينما عامودا

وبحسب سوريون من أجل الحقيقة والعدالة: "كان الفيلم الذي تمّ عرضه هو فيلم “شبح منتصف الليل”، وهو فيلم مصري قديم وغير مخصّص للأطفال أساساً، حيث أشارت العديد من المصادر الذين التقتهم سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، إلى أنّ الفيلم كان قديماً ومستعملاً عدّة مرات، وربما كانت إدارة الصالة قد حصلت عليه مجاناً، حيث أنّ نوعية تلك الأفلام “الأبيض والأسود” كانت معرّضة للاحتراق ما إن استعملت مرات كثيرة بسبب طبيعتها البدائية التي كانت تُصنع فيها الأفلام آنذاك، وقد تمّ عرض الفيلم للمرة الثالثة يومها، وهي المرة التي تسببت في إشعال السينما، حيث أكدّت شهادات الناجين جميعها أنّ النيران بدأت من غرفة تشغيل الفيلم".


فيما قامت الجهة المنظمة بتكديس الأطفال داخل الصالة بما يفوق طاقتها الاستيعابية، فبينما كانت الصالة تتسع لحوالي 200 شخصاً، تمّ حينها إدخال أكثر من ذلك الرقم بكثير، مضيفين بأنّ عامودا لم تكن فيها محطة إطفاء أو أيّ سيارات إطفاء آنذاك فقد كانت بلدة صغيرة مقارنة مع وضعها الحالي.



مكان احتراق السينما مكان احتراق السينما

وتتابع: "الأطفال الضحايا الذين ماتوا حرقاً، كانوا في مُجملهم من طلاب مدرسة “المتنبي والغزالي” الابتدائيتين، وقد وثّقت جريدة “المصوّر” المصرية الحادثة بعد يوم من وقوعها، حيث تمّ التقاط مجموعة صور للضحايا، والناجين من الجرحى والقبور والسينما المحترقة، وقد قالت الجريدة حينها أنّ 193 طفلاً توفوا نتيجة هذه الحادثة فيما أصيب 50 آخرون".


وقال “عزيز كارس” أحد نشطاء مدينة عامودا الذين قاموا بأنشطة توثيقية حول الحادثة، مصرحاً لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة في شهادته أنّهم استطاعوا إحصاء مقتل 187 طفلاً، بينهم 12 طفلاً تم دفنهم في إحدى المقابر الجماعية في مقبرة “شرمولا” في عامودا، إضافة إلى 172 طفلاً تمّ دفنهم في قبور مفردة في المقبرة ذاتها، و 3 أطفال قتلوا في الحادثة وتمّ دفنهم في مقابر خارج مدينة عامودا، فيما كان من بين الضحايا 3 أطفال من المكون السرياني/المسيحي السوري في الجزيرة بينما كان الباقي من الكرد السوريين.


وبحسب العديد من المصادر فقد أهملت حكومة الوحدة آنذاك، أي الوحدة ما بين سوريا ومصر 1958-1961، التحقيق الجدّي للوقوف على أسباب الحادثة وتحديد المسؤولين عن تلك الفاجعة، ومنذ ذلك الحين بقي التحقيق مقيّداً ضدّ مجهولين، وتمّ تحويل مكان السينما إلى حديقة بعد أن اشترتها البلدية، وهذه الحديقة لا تزال قائمة حتى الآن، وتعرف باسم حديقة “الشهداء”، وفيها نصب تذكاري صممه فنان من محافظة دير الزور واسمه “محمود جلال” لأطفال مع علم يرمز للعلم الجزائري، في إشارة إلى أنّ الأطفال راحوا ضحية دعم الثورة الجزائرية، وفي السنوات اللاحقة منعت الحكومات السورية المتعاقبة إحياء ذكرى الفاجعة، ويُعتقد أنّ سبب المنع هو عدم إفساح المجال لتناول مواضيع وشعارات قد تخرج عن مجرد إحياء ذكرى، وبخاصة أنّ الغالبية العظمى من أبناء المنطقة هم من الكرد، لكن مع غياب أجهزة الأمن السورية عن مدينة عامودا عام 2012، وتأسيس الإدارة الذاتية في محافظة الحسكة عام 2014، عاد العديد من الأهالي إلى إحياء ذكرى الضحايا الذين سقطوا جرّاء هذه الحادثة.


فيما قام "محمد سعيد آغا دقوري" والذي دفع حياته ثمناً لإنقاذ 12 طفلاً، حيث ذكر الأهالي أنّ حين تمّ العثور على جثته تحت الركام حين كان يهمّ بإنقاذ طفلين آخرين، وقد استدلوا على ذلك بوجودهما تحت يديه (إبطيه).



"محمد سعيد آغا دقوري" والذي دفع حياته ثمناً لإنقاذ 12 طفلاً "محمد سعيد آغا دقوري" والذي دفع حياته ثمناً لإنقاذ 12 طفلاً

“رشيد فاتي” من مواليد مدينة عامودا عام 1948، كان أحد الأطفال الناجين من هذه الحادثة، وكان يبلغ من العمر آنذاك 10 أعوام، حيث استرجع لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة ما جرى قائلاً: “كانوا يسمّون ذلك الأسبوع بأسبوع الجزائر، أي أنّ ريع الفيلم كان يذهب لصالح الجزائر، وكنت حينها طالباً في المرحلة الابتدائية في مدرسة المتنبي، وأذكر أنهم يوم الحادثة، دعوا الناس للاجتماع أمام البلدية، وكانوا يدعون للتبرّع من أجل الجزائر، ولم يكن الأمر إجبارياً، لكنه كان شبه إجباري، فمن كان لا يذهب، كان من المتوقع أن ينظر إليه فيما بعد بازدراء".


ويضيف: "أذكر أنّ صالة السينما كانت معمّرة من الطين واللبن، وكان بناؤها بمقدار نصف متر تحت الأرض، أمّا سقفها فقد كان من القش والعواميد، وأبوابها لم تكن تصلح أن تكون سوى زريبة حيوانات. عرضوا الفيلم في الساعة السابعة والنصف مساءً، وكنت حينها جالساً في القسم العلوي، فتوقف العرض في منتصف الفيلم وابيّضت الشاشة، فسمعت صوتاً ونظرت خلفي وشاهدت النار، حيث كان النار تنبعث من غرفة تشغيل الفيلم، فصحنا وصرخنا “حريق” وقفزنا من القسم العلوي، وكان ارتفاع هذا القسم ما بين المترين والمتر والنصف، لكننا قفزنا إلى أرضية صالة السينما".


حاول “رشيد الفرار” من الباب الشمالي لصالة السينما، لكن لم ينجح في ذلك من شدّة الازدحام، فتوجه إلى الباب الجنوبي، حيث وجد الأطفال وهم مكدّسين فوق بعضهم البعض، فسارع للقفز فوق ثلاثة أطفال، وخلال هذه الأثناء أصيب “رشيد” بحروق من الدرجة الثانية في قدمه، وتابع قائلاً: “وصلنا للخارج وتنفسّنا، وكانت النيران مازالت مستعرّة، فنظرت خلفي، وكان المنظر كالجحيم تماماً والنار تنبعث من النوافذ، لقد وضعوا في السينما يومها حوالي 400 طفل أي فوق سعة السينما التي كانت تسع ما بين 200-300 شخصاً، وكانوا كلهم من الأطفال، وسمعنا حينها أنّ غرفة التشغيل في صالة السينما كانت تحوي حوالي 300 كيلو من الأفلام، وقد اشتعلت جميعها”.


مازالت حادثة حريق سينما عامودا حاضرة في كافة المناسبة الفكرية والإبداعية والسياسية لكرد سوريا، حيث يتم الاحتفال بتلك الذكرى والوقوف على تفاصيلها، التي أدت إلى مقتل ما يقارب 200 طفل.




ليفانت-سوريون من أجل الحقيقة والعدالة

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!