-
المؤتمر الرابع للمجلس الكردي: أوراق قوة وضعف وخيارات
أمن تأسيس المجلس الكردي في نهاية 2011 زخماً إعلامياً وجماهيرياً وكردستانياً وقومياً لكرد سوريا، وبداية مميزة لرتم العلاقات الكردية الداخلية، ومع الأطر السياسية السورية، والأطراف الإقليمية.
وحالياً يستعد سبعة عشر حزباً كردياً بأحجام تنظيمية متفاوتة ومجموعة من المنظمات الشبابية والنسائية والمستقلين، لعقد المؤتمر الرابع خلال أيام، وسط ظروف تعصف بالمنطقة برمتها، وارتفاع مؤشر تململ القواعد الحزبية والرفض الشعبي لحال الوطني الكردي. وتعرض المجلس الكردي خلال عقد كامل لكل أشكال الضغط والمنع من العمل السياسي والميداني، من اعتقالات، خطف، حرق مكاتب، منع التظاهر، حملات تشهير ضد أعضائه والمقربين منه، في ظل استفادة الإدارة الذاتية من تركيز الجانب الأمريكي والتحالف الدولي اهتمامهم في الملف السوري على محاربة الإرهاب، واعتمادهم على قسد في ذلك. ما أتاح الفرصة أمام الإدارة الذاتية للتفرد بالمجلس الكردي وزيادة الضغط عليه، لمنعه من القيام بأية نشاطات ميدانية، وزادت من حملات الاعتقالات والمضايقات الأمنية والمنع بحقه، مؤسسة وأفراداً.
بالمقابل، فالمجلس نفسه يعيش عطالة تنظيمية وملل فظيع في اتخاذ القرار. فمع بداية الحوار الكردي - الكردي خُففت الكثير من القيود المفروضة على أنشطة وفعاليات المجلس ميدانياً، لكنه لم يستفد منها بشيء، ويمكن الاستشهاد بحجم ونوعية الأنشطة السياسية والترميزية والهويّاتية الضعيفة للمجلس خلال شهر آذار لعامي 2021/2022، والمعروف أن آذار يحمل للكرد عشرات المناسبات ما بين القومية والمأساوية والوطنية والاحتفالية، ولم يتعرض لمضايقات تمنعه من العمل، مع ذلك لم يتمكن من التعبئة والنشاط الميداني المطلوب، لأسباب عديدة ومركبة، منها أن المجلس ركز طيلة الأعوام الماضية على سياسية الاستجداء واستدرار العواطف، وعدم خروجه من قوقعة الاكتفاء بسياسية إصدار البيانات رداً على حدثٍ ما، وبدا فاقداً لسياسة المبادرات والتشبيك مع المنظمات، واحتواء النُخب داخل وخارج المجلس.
أوراق قوة غير مكتملة
يمتلك المجلس الكردي خمس أوراق قوة متينة، تتخللها شوائب ونواقص، لكنها ما تزال صالحة لأي ضغوط سياسية مستقبلية:
اعتماده ومنذ تشكيله على اتخاذ نهج وطني واضح، وانحيازه للشارع السوري والحركة السياسية المعارضة، كخيار فيما يخص مستقبل سوريا، وتبنيه الطرح القومي الكردي، خاصة الإصرار على سوريا كدولة ديمقراطية علمانية اتحادية متعددة القوميات والأديان يقر دستورها الحقوق القومية للشعب الكردي، فإن البعض من العمل والنشاط سيعيد له شيئاً جيداً من بريقه وقوته الشعبية. يعيق هذه الورقة الضغوط الأمنية للإدارة الذاتية من جهة، والأنانية ضمن المجلس ذاته من جهة ثانية.
عضويته في جبهة السلام والحرية، وهو الجسم السياسي الأحدث على الساحة السياسية السورية، ويضم القوميات العربية والآشورية والكردية. والمشكلة أن الجبهة وعلى أهميتها؛ كونها مشروع لم يشهد اعتراض أي من الدول الفاعلة في الشأن السوري، لكنها ما تزال في البدايات، وتحتاج إلى المزيد من التفعيل.
عضويته في المعارضة السورية وهيئة التفاوض واللجنة الدستورية، وهو ما منحها بعداً دولياً مهماً هو في أمس الحاجة إليه. لكن هذه التشكيلات السياسية مدعومة من تركيا وأمريكا، والأولى ترفض الإدارة الذاتية وقسد ومسد، وينظران بعين العداء لبعضهما البعض، والتواجد الأمريكي يُوصف بالعدو المحتل من جانب الحكومة السورية، ومع زيادة التهديدات بمعارك جديدة، تزداد حيرة ومخاوف المجلس على حواضنه الشعبية التي تقطن في دوائر الخطر المهدد بالاجتياح، أو التي تسيطر عليها تركيا وفصائل المعارضة السورية، أو عودة القوات الحكومية السورية إليها، وفي كِلا الحالتين لن يتمكن من إدارة تلك المناطق، وستتسبب بالمزيد من الهجرة.
تشبيكه القوي وعلى أسس قومية راسخة، مع قيادة إقليم كردستان العراق، وخاصة الحزب الديمقراطي الكردستاني - العراق، وهو ما يمنحه بعداً كردستانياً مهماً في وضعه الداخلي وتوازناته مع تركيا والمعارضة والمجتمع الدولي إلى حدٍ ما، وهذه الخاصية القوية تتحول إلى عبء ضخم على كاهل الديمقراطي الكردستاني العراقي ما لم يكن المجلس بالسوية والقوة المطلوبة.
تواجد الآلاف من عناصر وتشكيلات بشمركة روج آفا، والتي تشكلت من الشباب الكردي السورية المقيم في كردستان العراق، وخاضت معارك ضارية ضد داعش في إقليم كردستان، لكنها لم تنل بطاقة العبور إلى المنطقة الكردية حتّى اللحظة.
أوراق ضعف تُكبل المجلس
فقدان الفاعلية الحركية والميدانية، وضعف المشاركة الشعبية في أنشطته كالمظاهرات والاعتصامات التي يدعو إليها، والأكثر غرابة أن تغيب القيادات والقواعد التنظيمية والسياسية لأحزاب المجلس عن تلك الأنشطة.
إهماله المريب للنخب الثقافية والفكرية، وبل إن تلك النُخب تشكل أحياناً الشيطان والشر المطلق لقسم من قيادات المجلس، والمنطق السياسي والنفسي ينفي إمكانية قيام الشخص الواحد بعدة مسؤوليات ومهام مختلفة، من سياسية وتنظيم وثقافة وإعلام وفكر في الوقت نفسه، هذه الصفات تفوق حجم العقل البشري الطبيعي، مع ذلك فإن المجلس مصر على حجب الثقة عن النخب الثقافية.
فشل المجلس في خلق مؤسسة واحدة رديفة له أو منظمة مدنية تعمل في الشأن العام تكون بمثابة ذراع مجتمعي داخل القواعد الاجتماعية، ولم يلتفت لخلق الكادر الإداري المطلوب، مع إهمال المنظمات الشبابية والنسائية الموجودة لديه فعدا أن تلك المنظمات يمكنها رصد ومتابعة وتوثيق أي حالة انتهاك أو مراقبة عمل السلطة، بما فيها عمل مكاتب المجلس نفسه، فإنها كانت كفيلة بتوفير سيولة مادية لعدد ليس بالقليل من أعضاء مكاتب المجلس.
يشكل إعلام المجلس الكردي حالة فريدة في عالم الصحافة والإعلام. وبعد قرابة الــ/9/ سنوات على تأسيس المجلس الكردي، وغياب أيّ نشرات ورقية أو إلكترونية، تمكن كاتب هذه المادة مع مجموعة مصغرة من الكتاب والصحفيين من إصدار عشرة أعداد لجريدة إلكترونية، تم توقيفها لأسباب غير مقنعة، إضافة إلى عدم الاهتمام بالكوادر الموجودة في المكتب الإعلامي.
الصراع داخل أروقة المجلس للوصول إلى صدارة المشهد السياسي والقرار ضمن المجلس، وهو ما يعني كثرة الثغرات والقضايا الشائكة التي تمنع تطوير عمله.
خيارات محددة مرتبطة بالوضع السوري العام
أمام تعقيد المشهد السياسي، وتعرض الحوار الكردي - الكردي للمزيد من الضغوط والموانع التي أوصلته إلى التوقف غير النهائي، تنحصر في أربعة فقط:
1- الانضمام إلى الإدارة الذاتية، وهو أمر متفق عليه بينه وبين أحزاب الوحدة الوطنية، لكن ليس بالشكل الذي تطالبه أطراف متحكمة بالإدارة التي تشترط انضمام المجلس دون شروط، وليس بالضرورة تواجده في كافة المفاصل. في حين يصر المجلس على إعادة هيكليته وتواجده في كافة مفاصل القرار السياسي، الإداري، العسكري والأمني، الاقتصادي.
2- اتخاذ موضع المواجهة الشعبية لها، وهو ما أحسن المجلس رفضه منذ بداية تشكيله، وفضل كل أساليب المواجهة السياسية والمدنية على أيّ خيار عسكري، لكن المشكلة أن تلك المقاومة السياسية تعرضت للبطء الشديد والضعف الواضح.
3- العمل على تغذية راجعة ومراجعة نقدية لعمل المجلس طيلة الأعوام الماضية، وتفعيل مكاتب المجلس كافة مع انسيابية العمل، والتواصل مع النُخب الثقافية والفكرية والإعلامية والكتّل العشائرية الكردية والعربية في عموم شمال شرق سوريا.
4- اتخاذ موقف واضح وصارم من التجاوزات والانتهاكات التي تمارس ضد المدنيين في عفرين وسري كانيه (رأس العين)، والتأكيد على عودة سكانها المهجرين إليها، إضافة إلى توحيد الخطاب السياسي والإعلامي لقيادات المجلس داخل وخارج سوريا.
قصارى القول: المجلس الكردي آخر المطالبين بالحقوق القومية الكردية، ولا يُمكن التعويل الضخم عليه براهنيته والظروف التي تعصف بالمنطقة، وليس من المنطق السياسي إبقاؤه على وضعه. ثمة حلولٌ وازنة تحتاج للجرأة والمبادرة، وإن كان العمق السياسي لمطاليب وعمل المجلس مرتبط بالوضع السوري العام، لكن خطوات فعالة تعيد ثقة الشارع الكردي به ليست مرتبطة بالوضع العام.
ليفانت – شفان إبراهيم
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!