-
الكعب العالي الروسي من أوكرانيا إلى ملفات الداخل السوري
بينما يتابع العالم برمّته اجتياح الدب الروسي للحديقة الشرقية المكتنزة للقارة العجوز؛ وما سينتج عنها من آثار تطال علاقات الدول واقتصاداتها، فلا أحد بمنأى عن تداعيات الحروب كالعادة سوى أمريكا.
البعض صامت خوف تأثره من هذه الحرب، كتركيا وإسرائيل، ودول الاتحاد الأوربي تحاول التملّص من تعهّداتها مقابل الغاز الروسي، وعدم إقحامها بحرب تعود ذكرياتها للحرب العالمية الثانية، بينما تحاول بعض الدول استغلال الحرب لمصالحها، كالصين وبلاروسيا والشيشان والنظام السوري، لاحقة بسياسة الكعب العالي الروسية.
ففي سوريا، جاءت الحرب الروسية على أوكرانيا، لتكون مشجباً يعلّق عليه النظام سياساته الاقتصادية الكارثية، ويحيل عليها المطالبات والاحتجاجات والمظاهرات خلال الأسابيع الماضية، لاسيّما في السويداء، إثر ارتفاع أسعار القمح والأسمدة والأعلاف.
ولربما هدأت تلك المظاهرات قليلاً لأسباب عديدة، ليس أولها انتظار الرد على مطالب المحتجين، بقدر التهديد غير المباشر من قبل النظام عبر دفع التعزيزات العسكرية غير المسبوقة إلى المحافظة بحجة ملاحقة العصابات وضبط الفلتان الأمني، أما ثانيها فكانت التسريبات الأمنية بعودة نشاط داعش في الريف الشرقي للمحافظة، خاصة بعد فرار سجناء داعش من سجن غويران، فتقوم بعض فرق النظام، وعبر مؤازرة ما يسمى بالدفاع الوطني، بتمشيط الأماكن التي شهدت أحداث تموز عام 2018، فيما يرى الغالبية أنها لتأمين طرق تهريب المخدرات، بعد الفضائح التي أعلن عنها الجيش الأردني بتورّط الجيش السوري فيها.
ثالث الأسباب إقامة الحواجز الثابتة وتقطيع أوصال المدينة. ورابعها هو انشغال الأهالي بتبعيّات الانهيار الاقتصادي ولجوئهم إلى المساعدات الأهلية والمبادرات الفردية، ولربما هذا ما يعوّل عليه النظام.
أما من تابع الاحتجاجات، فقد تولّت الصفحات التابعة للأمن إلصاق تهم العمالة والطائفية وقبض الأموال والرشاوى (سندويش وعصائر)، كما ألصقتها بالمتظاهرين بداية ثورة 2011.
في واقع الحراك اليوم، فقد تسلّم زمام المبادرة ناشطون شباب، ولكن ورغم تأييد أصوات شعبية ذات ثقل اجتماعي، متل نايف العاقل، أحد الضباط القدامى في الجيش، والملقّب ببطل حرب تشرين، وتعالي صوت زعيم الهيئة الروحية، الشيخ حكمت الهجري، مؤيّداً للحراك بشدة، مؤكداً أن المطالبات باتت تمسّ كرامة السوريين، ومشيراً للنهب الخارجي للبلاد بتواطؤ من المسؤولين، داعياً إياهم للاستقالة. والدعم المعنوي التي تلقاه الحراك إثر زيارة موفق طريف، زعيم الهيئة الروحية لطائفة الموحدين الدروز في إسرائيل لموسكو، وطلبه تمييز الدروز في الدستور السوري، وفتح ممر للمحافظة إلى الأردن، يخفف من الأعباء الاقتصادية عليها. هذه جميعاً أدّت لانقسام الشارع بين مؤيّدين يرون به سنداً بعلاقاته الدولية، لا سيّما بروسيا ذات الكعب العالي اليوم، بينما رأى بعض النشطاء المدنيّين أنّ مطالبه هي ابتعاد عن المشروع الوطني السوري الجامع، معتبرين أنّ طريف لا يمثّل المحافظة.
وسط هذا الانقسام جاءت ورقة المطالب المعلن عنها، أمس الجمعة، من قبل ممثلي الحراك، جامعة لكل أطياف السوريين، شبيهة بورقة عمل، أقلّها إلغاء ما يسمى البطاقة الذكية، ورفع القوة الشرائية، لترتفع المطالب إلى دولة مدنية بدون تمييز حزبي أو طائفي أو احتكار للسلطة، ثم إلى الكشف عن مصير المعتقلين والمفقودين، وإعادة المال المنهوب وفتح ملف الفساد ودعم القطاع الزراعي، ولم ينسوا جرحى الجيش السوري. ويرى كثيرون أنّها مطالب تعجز عنها الحكومة والنظام، لأنها مطالب الانتقال السياسي والقرار 2254 والذي تعارضه روسيا.
ما يزال الجميع بانتظار ما سيحدث في أوكرانيا، سواء كان النظام ومتابعة سياساته، أم كان الأهالي وتعويلهم على قوة الدب الروسي إرضاء لطريف، والضغط على حلفائه الصغار، كالسلطة السورية.
يبقى الجميع محكومين بالانتظار، وما تسفر عنه الأيام القادمة وموازين القوى العالمية، ونفوس الأهالي متعلقة بالفرصة التي تتيح تفعيل المطالب السورية عامة في التغيير السياسي ضمن حلقة متداخلة من الملفات العالمية تديرها روسيا من أوكرانيا إلى سوريا.
ليفانت - سالم المعروفي
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!