-
الحرب على المتوسط قاب قوسي “التهديدات” التركية و”التعقّل” اليوناني
شهد الأسبوع الأخير، تصعيداً خطيراً وكبيراً ومتواصلاً بين اليونان من جهة، وتركيا من الجهة المقابلة، وذلك عقب فترة قصيرة من الإعلان عن نجاح المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، في نزع فتيل الصراع المسلح بين الجانبين، خلال الأسابيع الأخيرة، عقب وساطة بين الجانبين، أدّت لعقدهما مفاوضات سرية كما يبدو، لم تسفر عن حلول، لتعود معها أنقرة إلى تصعيد الخطاب، والإصرار على أحقيتها بالتنقيب ضمن مناطق تقع ضمن منطقة اليونان البحرية، وهو ما ينذر باندلاع حرب مباشرة بين الجانبين، في حال مواصلة تركيا بشكل خاص بمخططاتها وتنقيبها.
وذلك أمرٌ مرهون بالمقابل بالرد الفعلي لأثينا، الذي يتّسم بالرغبة بالدفاع عن منطقتها البحرية، لكن دون الخوض في نزاع مسلح ما استطاعت، مع عدم وضوح الجدية الحقيقة في الضغط على الزناد فعلاً لتدمير سفينة أو فرقاطة تركية، قد تكون بوابة لحرب، أو تنازل من أحد الجانبين للآخر، كما حصل مع إسقاط تركيا للطائرة الروسية في العام 2015.
الاتفاقية المصرية اليونانية
وعقب توقيعها اتفاقيات مع حكومة الوفاق الإخوانية في ليبيا، ورغبتها بفرض الأمر الواقع على دول حوض المتوسط، عبر ترسيم الحدود على هواها، امتعضت أنقرة مع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية المبرمة بين مصر واليونان.
حيث أشارت الخارجية التركية في السادس من أغسطس في بيان منشور عبر موقعها الإلكتروني، أنّ الاتفاقية التي وقع عليها وزيرا الخارجية المصري، سامح شكري، واليوناني، نيكوس دندياس، في القاهرة “باطلة بالنسبة لأنقرة”، لافتةً إلى عدم اعتراف تركيا بوجود حدود بحرية بين الدولتين (على حدّ وصفها).
وزعمت الوزارة أنّ الاتفاقية المصرية_اليونانية تخصّ منطقة تعتبرها أنقرة جزءاً من جرفها القاري، مردفةً أنّ أنقرة وجهت بلاغاً بهذا الخصوص إلى الأمم المتحدة، وقالت إنّ تركيا تعتبر هذه الاتفاقية مخالفة للحقوق البحرية الليبية، كذلك، وأردفت الوزارة أنّ لدى أنقرة “حقوقاً ومصالح مشروعة” في المنطقة المذكورة في الاتفاقية المصرية-اليونانية، مدعيةً أنّ تركيا والقبارصة الأتراك سيستمرون في الدفاع عنها بحزم.
وأتى توقيع الاتفاقية المصرية-اليونانية على خلفية إبرام مذكرة خاصة بترسيم الحدود البحرية بين تركيا وحكومة الوفاق برئاسة، فايز السراج، في نوفمبر الماضي، والتي أضحت مصدر توتر إضافي في المتوسط، واستجلبت معارضة جديدة لدى بعض جيران تركيا الإقليميين، على رأسهم مصر واليونان وجمهورية قبرص، المعترف بها دولياً.
وقال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في السابع من أغسطس، إنّ الاتفاقية المصرية اليونانية حول ترسيم الحدود البحرية، لا قيمة لها، واعتبرها باطلة، وأشار أنّ بلاده ستستمر في عمليات التنقيب شرق المتوسط، مشيراً أنّه تم وقفها في وقت سابق بناء على طلب من المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، لكن اليونان لن تلتزم، “لذلك أرسلنا سفينة للتنقيب عن الغاز”، وأضاف أردوغان: “لسنا بحاجة للتباحث مع من ليس لديهم أي حقوق في منطقة الصلاحية البحرية”.
الناتو والموقف المتذبذب
تلك النبرة العالية في الخطاب، وعدم إعلاء أنقرة لأي أهمية لمصالح دول المنطقة، وتوافقاتها، والتي قد توجه الدفة نحو نزاع مسلح، دفعت رئيس الوزراء اليوناني، كرياكوس ميتسوتاكيس، في السابع من أغسطس، للتأكيد أنّ سياسة الحلف القائمة على عدم التدخل والاحتفاظ بـ”مسافة متساوية” بين اليونان وتركيا، لم تعد مقبولة بالنسبة لأثينا، مشدّداً أنّه أعلم الأمين العام للحلف، ينس ستولتنبرغ، بأنّ هذا الموقف ليس عادلاً بالنسبة لليونان، وشدّد على نيّة بلاده اللجوء إلى محكمة العدل الدولية في حال عجزت عن التوصل إلى اتفاق مع أنقرة لتسوية خلافاتهما في منطقة البحر المتوسط.
ونوّه رئيس الوزراء اليوناني، إلى أنّه التقى مرتين منذ توليه مقاليد الحكم بالرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، مردفاً، أنّه اقترح على الزعيم التركي أثناء اللقاء الأول بينهما “إعادة تشغيل” العلاقات بين الدولتين؛ لأنّ اليونان وتركيا “ستظلان جارتين إلى الأبد”، إلا أنّه “لم يتلقَّ الرد المتوقع” من قبل أردوغان.
وأبدى ميتسوتاكيس رغبة أثينا في معاودة التفاوض مع أنقرة، لكن دون تهديدات من قبل الأخيرة، مؤكداً على أنّه “لا يجوز ممارسة الابتزاز في المفاوضات مع اليونان”، وأنّ أنقرة “تهدّد حقوقها السيادية”.
لكن تلك التصريحات لم تلقَ آذاناً صاغية في أنقرة، التي يبدو أنّها مصرّة على كسب مناطق نفوذ في المتوسط، واقعة ضمن المياه الإقليمية لقبرص واليونان أو مصر، حيث أفادت وسائل إعلام، في التاسع من أغسطس، بأنّ الجيش اليوناني رفع حالة التأهب في قواته إلى أرفع مستوى، في انتظار تدريبات عسكرية تخطط تركيا لإجرائها في منطقة بين جزيرتي رودس وكاستيلوريزو، شرق المتوسط.
ومعها ألغت قيادة الجيش اليوناني إجازات العسكريين في جميع الوحدات تقريباً، واستنفر الجيش اليوناني، لاسيما في مناطق حساسة، بينها مقاطعة إفروس القريبة من الحدود البرية مع تركيا، كما أنّ كثيراً من الوحدات المنتشرة عند الحدود وبعض الوحدات في الأراضي القارية اليونانية استلمت الذخيرة القتالية، فيما انتشرت سفن وغواصات تابعة للبحرية اليونانية في المواقع ذات الأهمية الإستراتيجية في بحر إيجه، لتكون تلك المرة الثانية التي يتم فيها إعلان التعبئة العامة خلال أسابيع.
توعّد تركي وتعقّل يوناني
وخلال الفترة المنصرمة، صعّد الرئيس التركي من تهديداته، ومنها في الرابع عشر من أغسطس، عندما توعد أردوغان، أثينا بأنّ أي هجوم على السفن المدنية التابعة لبلاده في شرق المتوسط، لن يبقى دون ردّ من قبل تركيا، مردفاً بأنّ “أدنى هجوم يمكن أن يوجه ضد سفننا المدنية شرق المتوسط، لا يمكننا أن نبقيه دون رد”.
فيما أبدى وزير الخارجية اليوناني، نيكوس دندياس، أمله في أن يتم التمكن من تفادي اندلاع نزاع في المتوسط، على خلفية تصعيد التوتر ما بين تركيا وبلاده عقب مشاريع التنقيب التركية في مياه قبرص، وبالتزامن، أعلن للبيت الأبيض، أنّ الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب، والفرنسي إيمانويل ماكرون، “أبديا قلقهما لتزايد التوتر بين اليونان وتركيا الحليفتين في الناتو”.
وفي سياق التصعيد العسكري المنذر باحتمالات انزلاق الأوضاع إلى حرب شاملة، ذكرت وسائل إعلام يونانية، في الرابع عشر من أغسطس، أنّه قد جرى رصد غواصة تابعة للبحرية التركية في المياه الإقليمية للبلاد، ووفق التقارير، تمكنت رادارات الجيش اليوناني من رصد غواصة من نوع 209 وسط بحر إيجه، بيد أنّها اختفت من الشاشات مجدداً عقب وقت قصير.
وأردفت التقارير، أنّ القيادة السياسية والعسكرية اليونانية عقدت عقب ذلك اجتماعاً على أرفع مستوى، أقرّت فيه الامتناع عن اتخاذ أي خطوات عسكرية ومواصلة متابعة الغواصة والاستعداد لاستهدافها إذا أقدمت على أي خطوة عدائية، في رد عقلاني من أثينا، لكنه ربما لن ينجح إلا في تأجيل موعد الحرب إلى حين.
وعليه، يبدو واضحاً أنّ الأمور تتجه نحو الأسوأ بين الجانبين، عقب فشل الوساطة الألمانية في التوفيق بين الجانبين، وإصرار أنقرة على قضم ما تستطيع بلغة التهديد والترهيب والسلاح، وهي لغة يبدو أنّ الأوروبيين فهموا أنّها باتت جزءاً من السياسة الخارجية التركية، ما يسترعي منهم المزيد من رصّ الصفوف والتحضير لحرب تُعيد رسم خرائط المنطقة من جديد.
ليفانت-خاص
إعداد وتحرير: أحمد قطمة
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!