Dark Mode
Monday, 14 April 2025
Logo
Syria and the Greatest Challenges of the Future
Azeddine Mulla

في الخامس عشر من آذار/مارس عام ٢٠١١، انطلقت ثورة الكرامة في سوريا، حلمٌ بدأ بصوتٍ واحدٍ ثم تبدد في صرخات ملايين السوريين الذين طالبوا طويلاً بالحرية والعدالة والكرامة. هذه الثورة، التي بدأت بأمل، سرعان ما تحولت إلى بحرٍ من الدماء وألمٍ لا ينتهي. واليوم، وبعد أربعة عشر عاماً، تُحيي سوريا ذكرى تلك اللحظة التاريخية، لكن إحياء هذه الذكرى هذا العام يختلف تماماً عن كل ما سبقه. هذا العام، تأتي الذكرى بتحولٍ تاريخيٍّ كبير، تميّز بسقوط نظامٍ تسبب في تدمير الوطن وقتل الأبرياء وتشريد العائلات، حيث عانى الشعب السوري أهوالاً لا تُصدق، لا تُدرك إلا بدموع قلبٍ انكسر على وطنٍ كان يوماً ما من أجمل بقاع الأرض. ومع السقوط، تنفتح أبواب الأمل لمستقبلٍ جديدٍ قد يُشكّل بداية الجمهورية السورية التي طالما حلم بها شعبها.

مع انقشاع الغيوم التي كادت أن تخنق الأنفاس، تقف سوريا على أعتاب مرحلة جديدة، مرحلة تشرق فيها الشمس لأول مرة بعد سنوات من الظلام. واليوم، تتولى الإدارة الانتقالية بقيادة أحمد الشرع مهمة بناء وطن جديد وتأسيسه، ليس كما كان في السابق. لكن، وكما هو الحال في كثير من الأحيان خلال الثورات، فإن طريق السلام والاستقرار ليس مفروشًا بالورود، بل هو مليء بالتحديات التي تتطلب عزيمة وإرادة قوية للانتقال إلى مرحلة جديدة، بعيدًا عن الدمار والصراعات التي أثقلت كاهل الشعب السوري لأكثر من عقد.

من أبرز التحديات التي تواجه الإدارة الانتقالية إعادة إعمار سوريا المدمرة. ففي ظل الدمار الذي حل بالبلاد، من دمار واسع النطاق في المدن والقرى، وتدمير للبنية التحتية، لا بد من إعادة إحياء المؤسسات الحكومية التي كانت تحت حكم نظام قمعي، فشل لسنوات في تلبية احتياجات المواطنين. إن إعادة بناء ما دمرته سنوات الحرب تتطلب جهدًا جماعيًا من جميع القوى الوطنية السورية، وتعاونًا دوليًا لمساعدتها على العودة إلى مسار الدولة الطبيعية. لا يقتصر التحدي على إعادة إعمار المدن، بل يمتد إلى إعادة بناء الثقة بين الشعب والسلطة التي دُمّرت على مر سنوات من الظلم. ستكون هذه مهمة جسيمة، لكن السوريين الذين عاشوا الحزن والدمار لا يمكنهم الاستسلام مجددًا للواقع المرير.

لذا، نُدرك أن التحديات الكبرى تكمن في كيفية تحقيق توافق وطني بين مختلف المكونات السورية. فرغم الوحدة التي جمعت السوريين في سعيهم لإسقاط النظام، إلا أن الأزمة عمّقت الهوة بين العديد من الفئات المجتمعية، كاشفةً عن انقسامات عرقية وطائفية. سوريا موطنٌ لجنسيات وأديان متعددة، ولكل مكون همومه وتطلعاته. إلا أن التحدي الأكبر يكمن في كيفية توحيد هذه المكونات وبناء جسور الثقة بينها. في هذه اللحظة التاريخية، ورغم مرارة التضحيات، يجب أن يكون الأمل هو الرابط الذي يوحد الشعب السوري. على الجميع، من الشام إلى الأكراد، ومن العلويين إلى السنة، ومن المسيحيين إلى الدروز، أن يُدركوا أن نجاح سوريا الجديدة لا يتحقق إلا بإشراك جميع المكونات السياسية والاجتماعية في العملية الانتقالية. فالوحدة الوطنية لا تعني طمس الهوية أو الدمج القسري، بل تعني التعايش بسلام والاعتراف بحقوق الجميع في حياة كريمة يسودها العدل والمساواة.

من أبرز التحديات التي تلوح في الأفق القلق الذي عبر عنه المكون الكردي تجاه الإعلان الدستوري. فالأكراد في سوريا، الذين عانوا طويلاً من التهميش والقمع، يشعرون بقلق بالغ من تهميشهم مجدداً في الدستور الجديد. ويطالب الأكراد بضمانات واضحة لحقوقهم الثقافية والسياسية، وفي مقدمتها حقهم في التعليم بلغتهم، والتمثيل السياسي في المؤسسات الوطنية، والحكم اللامركزي في مناطقهم. هذه المطالب ليست مجرد رغبات سياسية، بل حقوق مشروعة لشعب عانى من القمع لعقود. لذا، فإن معالجة هذه المخاوف تتطلب من الإدارة الانتقالية الدخول في حوار جاد مع جميع الأطراف، والاعتراف بخصوصية كل مكون، وخاصة الأكراد، باعتبارهم فاعلين أساسيين في بناء مستقبل سوريا. إلا أن هذه الحقوق تبقى رهينة حصول السوريين على ضمانات حقيقية للعيش معاً في وطن يتسع للجميع.

في هذه الأثناء، يلعب الدور الإقليمي والدولي دورًا هامًا في دعم استقرار سوريا الجديدة. وعلى القوى الإقليمية والدولية التي شاركت، بشكل أو بآخر، في الملف السوري - سواءً بالتدخل المباشر أو بدعم جهات معينة - أن تتحمل مسؤولياتها في دفع عجلة العملية الانتقالية. قد تتباين المصالح الإقليمية والدولية، لكن التنسيق بين هذه القوى يبقى ضروريًا لتجنب الفوضى وضمان استقرار البلاد. وللقوى الإقليمية كتركيا وإيران والسعودية، وكذلك القوى الدولية كالولايات المتحدة وروسيا، دورٌ هام في إرساء دعائم السلام في سوريا.

بقلم: عزيز الدين ملا

Caricature

BENEFIT AGM approves 10%...

ads

Newsletter

Subscribe to our mailing list to get the new updates!