الوضع المظلم
الجمعة ٢٩ / مارس / ٢٠٢٤
Logo
وجهاً لوجه مع الكاتبة والشاعرة الكردية ديا جوان
وجهاً لوجه مع الكاتبة والشاعرة الكردية ديا جوان

أستطيع التعبير بلغة أمي أكثر من أية لغة أخرى


مفرداتي لا زالت معي ولم تهجرني يوما ً وبالأخص في الكتابة


ليس من السهل أن تناقش شخصية ثقافية مثل (ابنة بوطان) التي تحمل بين جوانحها مواهب بارعة خاصة في مجالات الشعر, والقصة , والتراث , والفلكلور. ربما لأنك أمام صرحاً ثقافياً ذات ثراء معرفي, وإنساني هذا بالأخص عندما تواجهها, أي وجهاً لوجه وأنت أمام هذه الكاتبة التي تمتلك طقوساً مختلفة عن جيلها من الأدباء. تحيرك الأفكار والتأملات في اتجاهاتها الكثيرة. يأخذك الخيال في متاهة أجوبتها تبعثرك في شرفات حديثها الشيّق, عندما تتحدث عن تجربتها الثرية.


من الصعوبة بمكان أن تمتلك في غياهب هدوئها الرهيب لذاتك موطئ قدم ..! إن لم تملك معرفة واسعة من الثقافة, والرصانة الذاتية أيضاً. يراودك التساؤل, من أين وكيف تبدأ معها حوارك؟! وفي أي زقاق ستسلكه لتعبر إلى كوامنها الغائرة, والمحتضنة شتى ألوان المعرفة, وأي أسئلة ستختار لتطرح عليها لأنها في المطلق لا تترك للآخر الثقافي نوافذها مشروعة كي يتسلل إليها أحد خلسة إلا من خلال بوصلة, ودقيقة تهديك إلى اكاديمتها المزركشة والمليئة بالفنون الأدبية، إلى جانب كل هذا لها شخصية قوية موصوفة بأن تكون سليلة (البوطانيين). ولا شك أنها بعيدة تماماً عن كل أشكال الصخب والعلاقات الشللية الموجودة , التي أخذت طريقها في وسطنا الثقافي.


إذاً من هي هذه الأديبة الكردية الرقيقة, والشاعرة الرائعة, وهذه القاصة الممتعة؟. وأخيرا ًهذه الأستاذة القديرة, أنها بدون شك الشاعرة النابغة والمبدعة (ديا جوان), والتي كرست جل أوقاتها لخدمة الثقافة الكردية على مساحتها الواسعة , بدءاً من أول نهر إلى آخر جبل , سواء من خلال نتاجاتها الرائعة أو من خلال قصائدها أوكتاباتها أو أفكارها النيرة .فلندخل معاً إلى عالمها الجميل والرائع عبر هذا الحوار 


س- ديا جوان شاعرة, وقاصة, وكاتبة. أين تضع نفسها من بين كل هذا وأين تجد ذاتها؟


أنا أعتقد أن كل أجناس الأدب أشبه بأفراد أسرة واحدة قد تختلف في الشكل واللون ولكنها تتفق في الهدف والمضمون. وأنا بدوري حاولت أن أتناول معظم الأجناس الأدبية ولكن الشعر يشدني نحوه دوماً.


س- لماذا الكتابة باللغة الكردية حصراً, مع العلم انكِ تمتلكين القدرة في الكتابة مثلاً باللغة العربية؟


يذكرني هذا السؤال بقول شعبي "كلّ طفل يبكي على أمه" فتعلقي الشديد وإصراري الواضح على الكتابة باللغة الكردية هو أنني واحدة من أولئك الذين يخشون من اندثارها – لأنه حتى يومنا هذا لم أسمع عن جهة أو مؤسسة تعمل على حماية هذه اللغة. وهوية المرء تتألف من ثلاث : الأرض – اللغة – التراث.


س- هل اللغة الكردية قادرة على التعبير عما في داخل الشاعرة , والقاصة "ديا جوان"؟


نعم أستطيع التعبير بلغة أمي أكثر من أية لغة أخرى، مفرداتي لا زالت معي ولم تهجرني يوماً وبالأخص في الكتابة.


س- ديا جوان - أصدرت مجموعتين شعريتين (عبرات متمردة) و(موجة من بحر أحزاني) فلماذا هذه القطيعة الواضحة بعد هذين المجموعتين؟


ليس هناك قطيعة بيني وبين الكتابة ولكن كتاباتي دروبها غير سالكة إلى المطابع في أغلب الأحيان .


س- يتوجه الكتّاب والشعراء الكرد إلى الكتابة باللغة العربية, مع إهمال للغتهم الأم الكردية على الرغم من أن الكثير فيهم يجيدون الكتابة بهذه اللغة, كيف تفسرين ذلك؟


أنا عاتبة على المثقفين الكرد الذين يجيدون لغتهم وتستهويهم الكتابة بلغة أخرى وهؤلاء أشبه بالذين يعملون في حقول الآخرين في حين تعاني حقولهم الشاسعة من البور، ويغنون مكتبات الآخرين بأعمالهم ومكتباتهم فقيرة وشبه خاوية ويبنون للآخرين وبيوتهم مهدمة.


س- ديا جوان، هناك كتّاب وشعراء كرد يكتبون بغير اللغة الكردية مثل (سليم بركات- يشار كمال - أحمد عارف- شيركو بيكس -إبراهيم اليوسف- إبراهيم محمود - إسماعيل كوسة - داريوس داري) فما هي موقع أدبياتهم, ونتاجاتهم هل هم يخدمون أدبنا الكوردي أم آداب تلك الأمم والمجتمعات؟


كل هؤلاء الذين جئت على ذكرهم، كتّاب محترمون ومعروفون وأثبتوا وجودهم بجدارة على الساحة الثقافية، وترجم أعمال البعض منهم إلى لغات عالمية . لا بأس لهؤلاء إن كتبوا بغير لغتهم ولديهم أعذار شبه مشروعة .. أعتقد أن أحاسيسهم ومواقفهم المشرفة تجاه قضيتهم تشفع لهم.


س- ديا جوان، أنت من المهتمين بالأدب الكوردي بقوة وكثافة, ماذا تقولين حول القصيدة الكردية الحديثة في سوريا؟


لا شك أن القصيدة الكردية الحديثة في سورية فتية ولا بد لها أن تتعثر في خطواتها حيناً وتصعد أحياناً وبشكل عام إنني متفائلة بمستقبل زاهر لها.


س- هل زمان ومكان القصة محددة عند (ديا جوان)؟ مع العلم أن بعض الكتّاب الغربيين تجاوزا إشكالية "الزمكان" في قصصهم، بحيث نقرأ قصص وحكايات لا زمان لها وأخرى لا مكان لها، كيف تنظرين إلى ذلك؟


القصة عندي أشبه بوثيقة تاريخية فالتاريخ لا يصبح تاريخاً إلا إذا كانت ممهورة بالمكان والزمان .


س- من خلال قراءتي لمجموعتكِ القصصية الحجاب (بازبند)، نستنتج أن هناك ثمة ملامح كثيرة لهذه المجموعة كما أكد على ذلك أيضا الشاعر جميل داري في مجلة الصدى الإماراتية منها: ( اللغة السلسة الواضحة، البراعة في وصف الشخصيات، الصور البيانية الجميلة، التنوع في الأساليب الإنشائية والخبرية، لمزج بين الحقيقة والخيال، السخرية المريرة بالإضافة إلى النبرة الشعرية هنا وهناك. ماذا تقول ديا جوان في كل هذا؟


أعتقد أنه ليس من حق أي كاتب أن يقيّم أعماله، رغم أنه أعلم من غيره بمكامن القوة والضعف في أعماله، على أي حال إنني سعيدة بما قاله الشاعر والكاتب المعروف الأستاذ جميل داري وغيره من الكتاب عن أعمالي الأدبية.


س- هل هناك من دوافع وأسباب وراء تسمية مجموعاتكِ الشعرية بالخواطر؟


الأسماء والعناوين أشبه بالأبواب للبيوت، قد نجد باباً مزخرفاً أنيقاً لإحدى البيوت، وحين ندخلها نجد العكس تماماً المهم عندي ما هو موجود خلف الباب من الداخل.


س-كيف تنظر الشاعرة والقاصة "ديا جوان" إلى الأدب النسوي الكردي, ونحن في بدايات القرن الواحد والعشرين؟


إن الأدب النسوي الكردي موجود وهو يحاول الصعود باستمرار وظهرت في الآونة الأخيرة بعض نتاجات الأدبية النسوية التي تبشر بمستقبل لائق للمرأة الأدبية.


س- من الملاحظ أن النقد الكوردي نقد كلاسيكي. برأيك لماذا لا يحصل التطور في النقد الكوردي الحديث ؟


حتى الآن لم نسمع عن ناقد أكاديمي متخصص، ومعظم نقادنا الأكراد في سورية هم من الكتّاب والشعراء.. فالكل ينقد حسب مزاجه وقدراته وحسب حبه وكرهه للآخر – وباختصار حسب تصوري يجب أن يكون الناقد أشبه بأستاذ المدرسة عندما يخطئ الطالب عليه أن يبيّن له الخطأ ويعطيه الإجابة الصحيحة، وعندما يصيب الطالب أن يثني عليه .


س- يميل كثير من الأدباء الكرد إلى كتابة الشعر تحديداً, والابتعاد عن باقي أنواع الآداب الأخرى . مثل: القصة – المسرح – الرواية، ماهو سبب ذلك برأيك؟


نعم ملاحظاتك في مكانها.. معظم الكتّاب الأكراد يتوجهون إلى كتابة الشعر أكثر من غيره من الأجناس الأدبية الأخرى، ظناً منهم أن الشعر يبلغ الآذن بسرعة هذا صحيح، ولكن لا أحد يسأل نفسه، مالفائدة إذا دخل الشعر من الآذن اليمنى وخرج من اليسرى دون أن يلتقي بالعقل والروح؟.


س- برأيكِ كيف يمكن للمثقف الكوردي أن يلعب دوراً ايجابياً في الحياة السياسية الكوردية؟


حسب رأيي أن كل مثقف في العالم هو سياسي حكماً، السياسة ليست شعاراً بل هي ممارسة، فالسياسة هي علم وهذا العلم يحتوي في طياته كل ما يهم الإنسان والحياة, والمثقف السياسي يخدم القضايا السياسية، ولكن بأدواتٍ مختلفة.


س- يلجأ بعض الشعراء الكرد إلى الكتابة المقالة الأدبية. هل هو نوع من المغامرة الأدبية؟


من المؤكد أن المقالة هي نوع من الأنواع الأدب، بل نستطيع القول أن المقالة هي أكثر أنواع الأدب شيوعاً وحاجة فمن الضروري أن ترتدي ردائاً أدبياً حتى تصبح أطول عمراً و أكثر سهولة، في تناول القراء وكتابة المقالة ليست حكراً على أحد بشرط أن تفي المقالة شروطها وتفي الغرض الذي كتبت من أجلها.


س- هناك فوضى واستسهال في النشر, حتى أن كل شخص وإن لم يكن مبدعاً, يجد مساحة للنشر فيه، فما تقيمكِ لمسألة النشر بهذه الصورة المؤلمة؟ وخاصة على المواقع الأنترنيتية, يبدو وأن الكرد مصابون بداء الانترنت.


ها أنت تسمي هذا الوضع داءً، وبل إنها مأساة ثقافية تعاني منها منطقتنا بشكل عام والكرد بشكل خاص، فوضى – أنانية – مزاجية – اجتاحت ساحتنا الثقافية والفكرية. ولكن ألا ترى معي أن الثقافة هي دائما المرآة الحقيقية التي نعكس حياة المجتمع بكل أبعاده؟ ورغم ذلك حسب اعتقادي إنها فترة زمنية أتمنى لها أن تكون وجيزة, أن يعود كل شيء إلى حجمه وحقيقته.


س- أخيراً ما الجديد الذي تعمل عليه الشاعرة والقاصة "ديا جوان" ؟


أشياء عديدة .. منها الجزء الثاني من حكايات شعبية كردية، وديوان شعر جديد قيد الطبع وغيرها.


حسين أحمد - كاتب سوري

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!