الوضع المظلم
الجمعة ١٩ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
ماكغورك والروس.. هندسة للحلّ السوري المرفوض تركياً
شمال سوريا

خلال سنوات الحرب الدائرة في سوريا وعليها، برزت أسماء كثيرة مارست نشاطاً سياسياً ودبلوماسياً وعسكرياً، ثم جرى اقصاءها أو تغييرها، وفق المرحلة الزمنية، وكان من ضمنهم المسؤول الأمريكي بريت ماكغورك، الذي شغل منصب المبعوث الأمريكي لدى التحالف الدولي ضد داعش، حيث ومع إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في ديسمبر 2018، نيته سحب قواته من شمال سوريا، تقدمّ عدد من المسؤولين الأمريكيين باستقالاتهم، كان من بينهم وزير الدفاع جيمس ماتيس، بجانب بريت ماكغورك.


لماذا العداء التركي لبريت ماكغورك؟


يعتبر مراقبون أن ماكغورك هو مُشكلّ الشراكة بين الولايات المتحدة والأكراد في سوريا، وعليه فإنه كان يعتبر بمثابة عدواً مخيفاً لأنقرة، وقد سبق أن أطلقت وسائل الإعلام الرسمية في تركيا، لقب "لورانس العرب" الجديد، في إشارة إلى الجاسوس البريطاني الذي أذكى الثورات العربية ضد العثمانيين إبان الحرب العالمية الأولى.


اقرأ أيضاً: الحدود التركية.. بين الاحتضان المزعوم والتنكيل الفعلي بالسوريين

رغم أن ماكغورك لا يتجاوز مهامه، ويكتفي بأدائها كما يجب، ومنها الإشادة بالمحاربين الفعليين للإرهاب في سوريا، كالثناء الذي بعثه إلى قوات سوريا الديمقراطية، في الثالث والعشرين من مارس العام 2019، لتحقيقها النصر على تنظيم “داعش” الإرهابي في الباغوز، آخر معاقل التنظيم، واصفاً النصر بـ “الانجاز التاريخي”، مضيفاً في تغريدةٍ على تويتر: "من المهم اليوم أن نشكر قوات سوريا الديمقراطية لمتابعة هذه الحملة بفعالية، ونقدم تعازينا لأولئك الذين فقدوا حياتهم في المعركة، وتميزوا بهذا الإنجاز التاريخي في الدفاع عن العالم المتحضر".


بريت ماكغورك ينتقد الاتفاق الأمريكي مع طالبان

ماكغورك فاضح لتركيا


وقد كتب بريت ماكغورك مقالاً مطولاً لمجلة "فورين أفايرز" الأمريكية في منتصف أبريل العام 2019، تحدث فيه عن 4 سنوات من عمله كمبعوث خاص للرئيسين الأمريكيين باراك أوباما ودونالد ترامب، والحرب ضد داعش، والعلاقة مع تركيا.


وأشار ماكغورك في مقاله، إلى أن الوجود الأمريكي في سوريا كان حاسماً في إدارة العلاقات مع تركيا، التي كانت شريكاً غامضاً منذ بداية الحملة ضد داعش، مردفاً أنه في عامي 2014 و 2015، طلب أوباما مراراً من أردوغان السيطرة على الحدود التركية مع سوريا، والتي من خلالها يتوافد مقاتلو داعش والمواد بحُرية، وبعد ستة أشهر، رفضت تركيا طلبات التحالف لإغلاق المعابر الحدودية في البلدات التي أصبحت مراكز لوجستية لداعش، مثل تل أبيض - حتى بعد أن أخبر دبلوماسيون أمريكيون الأتراك أنهم إذا لم يسيطروا على حدودهم، فإن هزيمة داعش ستكون مستحيلة.


اقرأ أيضاً: هل تغيرت؟ ممارسات طالبان تجيب عن السؤال الشاغل

وكشف ماكغورك أنه في مواجهة عناد تركيا، بدأت الولايات المتحدة في شراكة أوثق مع المقاتلين الكرد السوريين، المعروفين باسم وحدات حماية الشعب (YPG)، الذين دافعوا عن كوباني، كما لفت إلى أن الهجوم التركي على عفرين، الذي نفذ في يناير العام 2018، لم يكن رداً على أي تهديد حقيقي، وإنما ناتج عن طموح أردوغان لتوسيع حدود تركيا، التي يشعر أنها رسمتها بشكل غير عادل بموجب معاهدة لوزان لعام 1923، موضحاً انه جلس في لقاءات مع أردوغان وسمع منه بأن ما يقرب من 400 ميل بين حلب والموصل بأنها "منطقة أمنية تركية"، وقد دعمت أفعاله كلماته (في إشارة لأردوغان).


الضوء الأخضر الأمريكي لغزو رأس العين وتل أبيض


مع اتخاذ الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، في السابع من أكتوبر 2019، قراراً بالانسحاب من منطقتي رأس العين وتل أبيض، ما اعتبر ضوءاً أخضراً أمريكياً لتركيا، بغية غزو المنطقتين واحتلالهما، هاجم بريت ماكغورك، ترامب عبر تغريدات على “تويتر”، مؤكداً في إحدى تغريداته، أن ترامب بقراره الانسحاب من شمال وشرق سوريا بعد مكالمة مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قدم هدية مُجزية إلى كل من روسيا وإيران و”داعش”، مشيراً إلى أنه لطالما حذر من ذلك التصرف.


اقرأ أيضاً: المنطقة الآمنة شمال سوريا.. الأحلام التركيّة تنتهي باقتتال عصاباتها

وقال: “ترامب اتخذ قراراً متهوراً بالمثل عندما كنت في منصبي”، مشيراً إلى أنه استقال من منصبه بعد ذلك، و ”اليوم يكرر ترامب الخطأ عينه، وهو عبارة عن تكرار محزن ولكنه يبدو أسوأ، حيث أقنع المسؤولون الأمريكيون قوات سوريا الديمقراطية منذ ذلك الحين أننا نخطط للبقاء”، محذراً من مغبة ما تنوي أنقرة فعله في “المنطقة الآمنة” التي تريدها، والتي تشمل مناطق الكرد والمسيحيين والمكونات الأخرى (جرى تهجير معظمهم فعلاً، وتوطين موالين لأنقرة عوضاً عنهم، عبر ما سمي بعملية نبع السلام).


ماكغورك يعود


ومع هزيمة دونالد ترامب للانتخابات الرئاسية ووصول الرئيس الأمريكي الديمقراطي جو بايدن إلى سدة الحكم، عاد من تعتبره أنقرة خصمها الأمريكي في الملف السوري، حيث تم تكليف بريت ماكغورك عقب استقالته من إدارة ترامب، لتولي منصب المسؤول عن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي الأميركي.


اقرأ أيضاً: بأسوار وجيش موحّد.. أوروبا تستعدّ لاحتلال القطب الثالث عالمياً

ويبدو أن تكليف بريت في هذا المنصب، أتى في صالح الحل في سوريا، حيث يعتبر المسؤول الأمريكي من المؤيدين للوصول إلى ترتيبات بين قوات سوريا الديمقراطية وجناحها السياسي من جهة، والنظام السوري وروسيا من جهة ثانية، على أساس الحصول على أفضل شيء ممكن لـ"الحلفاء الأكراد" قبل الخروج من هناك، ولعل ما يؤكد تلك الفرضية، الزيارات متتالية لمجلس سوريا الديمقراطية، إلى كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، خلال الفترة الماضي، بالتوازي مع لقاءات ماكغورك نفسه مع مسؤولين روس رفيعين بالملف السوري.


ماكغورك مهندس الحلّ في سوريا


إذ انطلقت منتصف سبتمبر الماضي، جولة مفاوضات بين ماكغورك ونائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فريشنين والمبعوث الرئاسي ألكسندر لافرينتييف، ركزت على ملفات عدة تخص سوريا، وفي الثامن عشر من سبتمبر الماضي، أفادت صحيفة “الشرق الأوسط”، إلى أن قرارات هامة صدرت عن اجتماع ماكغورك مع الجانب الروسي في جنيف.


وقالت أوساط أمريكية من الاجتماع للصحيفة: “المسؤول الأمريكي ناقش مع نظيره الروسي تداعيات التصعيد الأخير الذي قامت به شمال سوريا، واستعدادها للتمدد شرق الفرات، نحو المناطق التي يسيطر عليها الأكراد، معتبرة أن جهود الأول مزدوجة، فمن ناحية هو يرغب في فرملة الاندفاعة التركية، ومن ناحية ثانية يدفع باتجاه حث الأكراد على التوجه أكثر سياسياً وعبر الطاقة نحو نظام دمشق وروسيا.


اقرأ أيضاً: حزب الله يُخيّر لبنان.. البيطار أو الحرب الأهلية

تلا ذلك اجتماع أكثر هام بين قائدي الجيشين الأمريكي والروسي في هلسنكي في الثاني والعشرين من سبتمبر، ما فسره مراقبون بالانفراد الروسي الأمريكي بالملف السوري، حيث غابت دول الاتحاد الأوروبي، وهمشت الدول الإقليمية وحُصر الحل بيد الدول الكبرى، وفق متابعين.


ولعل تلك المعطيات التاريخية، والحديثة، تعطي صورة واضحة عن أسباب تصريح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في الثلاثين من سبتمبر، بأن منسق شؤون الشرق الأوسط وإفريقيا في مجلس الأمن القومي الأمريكي، بريت ماكغورك، "يعد بمثابة مدير الإرهابيين"، مردفاً أردوغان: "يتجول بحرية مع التنظيمات الإرهابية" (في إشارة لماكغورك).


مُوجهاً في الوقت نفسه، انتقادات شديدة اللهجة إلى إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، لما تقدمه من الدعم إلى "قوات سوريا الديمقراطية"، بالقول: "على الولايات المتحدة مغادرة هذا المكان وتركه للشعب السوري عاجلاً أم آجلاً"، ليقرر بذلك الرئيس التركي بأنه مَن يحق له أن يطالب الآخرين بالخروج من سوريا، محتكراً إرادة السوريين، ومتجاهلاً أن سوريا لن تنعم بالسلام، ما دام يوجد جندي تركي واحد على أرضها، وهو ما يبدو أن الطرفين الأمريكي والروسي قد أيقناه.


ليفانت-خاص

إعداد وتحرير: أحمد قطمة

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!