الوضع المظلم
الخميس ٢٥ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
  • قطر وطالبان.. علاقة تطرف وطيدة يُستغرب من استغرابها

قطر وطالبان.. علاقة تطرف وطيدة يُستغرب من استغرابها
قطر وطالبان

في السابع عشر من أغسطس الجاري، كشفت وكالات أنباء، عن عودة الملا عبد الغني برادر، الشريك المؤسس لطالبان ونائب زعيم الحركة ورئيس مكتبها السياسي، إلى جانب الملا محمد عمر، إلى أفغانستان للمرة الأولى منذ 20 عاماً، قادماً إليها من الدوحة عاصمة قطر، حيث قاد من هناك مفاوضات الحركة مع الجانب الأمريكي، كونه رئيس مكتب طالبان السياسي في قطر.


فبرادر، هو أحد مؤسسي طالبان الأربعة في أفغانستان في العام 1994، وقد شغل مناصب رفيعة في حكومة التنظيم المتشددة، في تسعينيات القرن الماضي، وساهم في قيادة المسلحين المتمردين في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وقد أضحى الزعيم السياسي لطالبان، وقاد المفاوضات مع الولايات المتحدة لسحب قواتها من أفغانستان في العام 2020، بعد أقل من سنتين من إطلاق سراحه من سجن باكستاني.


اقرأ أيضاً: الترهيب في الخليج.. شُعلة قد تُلهب الحرب الإيرانية-الإسرائيلية

لتأكد قطر يوماً بعد يوم، بأنّه لا داع للغرابة في أي علاقة قد تظهر بينها وبين المزيد من المنظمات الإرهابية في المستقبل، ومن ضمنها طالبان، فالتقارير التي صدرت خلال الشهور الماضية، كافية لإدانة قطر بشكل جلي كونها تدعم المليشيات الراديكالية في مختلف أصقاع المعمورة، من تنظيمات الإخوان المسلمين إلى الحرس الثوري الإيراني وصولاً إلى حماس وجبهة النصرة، وهي في المجمل تنظيمات باركت أو كانت سعيدة ضمناً بسيطرة طالبان على أفغانستان.



تبييض صورة طالبان


ساهمت قطر عبر إعلامها واحتضان طالبان، في تبييض صورته، وسعت إلى إظهار إمكانية التعامل معه كحركة قابلة للحياة، رغم أنها من حيث المنطق والتفكير لا تختلف عن داعش والنصرة، فخلال فترة حكمها من 1996 إلى 2001، تم إدانة طالبان دولياً، لتطبيقها القاسي للشريعة الإسلامية، ومعاملتها الوحشية للعديد من الأفغان.


حيث ارتكبت طالبان مذابح بحق المدنيين الأفغان، وحرمت إمدادات الأمم المتحدة الغذائية لـ160 ألف مدني جائع، واتّخذت سياسة الأرض المحروقة، وحرقت مساحات شاسعة من الأراضي الخصبة، ودمرت عشرات الآلاف من المنازل، وحظرت الأنشطة ووسائل الإعلام، بما في ذلك الرسومات والتصوير الفوتوغرافي والأفلام التي تصور الأشخاص أو الكائنات الحية الأخرى.


اقرأ أيضاً: مصر لـ الإخوان: ارحلوا.. فلا مكان لكم

كما حرّمت طالبان الموسيقى ومنعت الفتيات والشابات من الالتحاق بالمدارس، ومنعت النساء من العمل خارج الرعاية الصحية، وطالبت النساء برفقة قريب ذكر، وارتداء البرقع في كل الأوقات عندما تكون في الأماكن العامة، وإذا خالفت النساء قواعد معينة، يتم جلدهن أو إعدامهن علانية، كما تعرضت الأقليات الدينية والعرقية للتمييز الشديد خلال حكم طالبان.


هذا ناهيكم عن احتضان التنظيمات الإرهابية وتوفير الملاذ الآمن لها، وكان منها تنظيم القاعدة وزعيمها أسامة بن لادن، الذي شنّ هجمات 11 سبتمبر العام 2001، على مبنيي التجارة العالميين في مانهاتن الأمريكية، لترد واشنطن بشن هجومها المسلح في 7 أكتوبر من العام عينه، على أفغانستان، للانتقام من القاعدة، ومنع طالبان من مساندة التنظيمات الإرهابية.


اقرأ أيضاً: الجيش الناطق بالتركية وأرمينيا.. تهديد وجودي يذكر بمجازر الماضي

إلا أن كل ذلك لم يمنع الدوحة من التحول إلى منصة للتنظيم، ومفاوضاته مع الدول الغربية، لتبديد مخاوف الأخيرة من التعامل مع طالبان، رغم أنه قد صدرت كثير من التحذيرات بخصوص طالبان، ففي العشرين من أبريل الماضي، أبدى قائد القيادة المركزية الأمريكية، الجنرال كينث فرانك ماكنزي، عن "شكوكه العميقة" في التعويل على حركة "طالبان" كشريك في المفاوضات حول التوصل إلى سلام في أفغانستان، قائلاً خلال اجتماع للجنة القوات المسلحة بمجلس النواب الأمريكي: "لدي شكوك عميقة في التعويل على طالبان.. لكن ينبغي أن نرى ماذا سيفعلون هنا".


وأردف: "إذا كانوا يريدون أي شكل من الاعتراف الدولي بأفغانستان في المستقبل، فسيكون عليهم الوفاء بالاتفاقات التي أبرموها"، لافتاً إلى أن "الجيش الأمريكي سيظل قادراً على مراقبتهم والتحقق من أفعالهم"، مشيراً إلى أنه سيقدم لوزير الدفاع، لويد أوستن، خطة لقوات مكافحة الإرهاب من خارج أفغانستان بحلول نهاية الشهر، محذراً من أن فقدان الشبكة العسكرية الأمريكية الراهنة، والقدرات المخابراتية المتصلة بها سيكون له تأثير.


من حماس إلى طالبان


لا ينبغي الاستغراب من مباركة حماس وإسماعيل هنية لتمدد طالبان واستيلائها على أفغانستان، فقطر هي مفتاح السر للطرفين، إذ توفر الدوحة لحماس الأموال، وهو ما تم تثبيته عبر تقارير، علق عليها نائب رئيس الوزراء، وزير خارجية قطر، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، بداية يونيو الماضي، عندما زعم أن اتهام قطر بتمويل المنظمات الإرهابية، بأنه جزء من حملة تضليل، قائلاً إن "وجود علاقة جيدة مع حركة حماس في قطاع غزة لا يعني أن قطر تمولها، لكنها أنفقت ملياراً و400 مليون دولار لإعادة إعمار غزة منذ 2012 وإسرائيل تعلم كيفية الإنفاق"، وادّعى أن اتهام إسرائيل لقطر بتمويل بعض المنظمات الإرهابية جزء من حملة تضليل تعرضت لها قطر.


اقرأ أيضاً: تميم وآل مرة.. فضح المُحاولات الزائفة لتحسين صورة قطر

وفي التاسع من يونيو الماضي، قالت تقارير إعلامية عبرية، إنّ منظمة "يش دين" الإسرائيلية رفعت دعوى قضائية باسم 24 عائلة إسرائيلية، ضد بنوك وجمعيات خيرية قطرية، حولت أموالاً لحركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي"،  وأفاد وقتها موقع "إسرائيل 24" بأن دعوى إسرائيلية ضخمة بقيمة مليار ومئتي مليون دولار رفعت ضد بنوك وجمعيات خيرية قطرية في المحكمة المركزية في مدينة القدس، وهي دعوى قدمتها منظمة "يش دين" الإسرائيلية باسم 24 عائلة لضحايا إسرائيليين قتلوا في هجمات نفذها فلسطينيون والتي ضمت 130 اسماً لمقدمي الدعوى، وادّعت المنظمة في القضية، أن البنوك والجمعيات القطرية قامت بتحويل أموال لـ"حماس" و"الجهاد الإسلامي" في قطاع غزة.


النصرة وقطر


أما في سوريا، فلا يختلف الواقع كثيراً، إذ تعتبر الدوحة الراعي الأساس للتنظيمات الإرهابية، وهو ما ذكرته صحيفة التايمز، في الخامس من يونيو، عندما قالت إن قطر استخدمت البنوك التركية كجزء من مؤامرة، لتحويل مئات الملايين من الدولارات إلى تنظيم جبهة النصرة الإرهابي في سوريا، المعروف بمسمى (هيئة تحرير الشام، حالياً).


اقرأ أيضاً: على الطريقة التركية.. لوكاشينكو يُكرر ابتزاز أوروبا باللاجئين

ووفقاً للتايمز، فإنّ رجال أعمال قطريين رفيعي المستوى وجمعيات خيرية وموظفين حكوميين استخدموا مكتباً خاصاً مملوكاً لأمير البلاد بالإضافة إلى بنكين، وهما بنك قطر الوطني وبنك الدوحة، لنقل مئات الملايين إلى النصرة، وأضافت أنه تم غسل الأموال بحجة كونها عقود بناء وبيع عقارات، وهي مبالغ باهظة إلى حد كبير.


وأكدت أوراق المحكمة أن هذا كان جزءاً من جهد أوسع، تمّ بالتنسيق مع جماعة الإخوان المسلمين، لتمويل جبهة النصرة في الحرب الأهلية في سوريا، وقالت الصحيفة إن الأموال الخاصة بالجماعة تم إرسالها إما مباشرة أو من خلال البنوك في تركيا، حيث تم سحبها وتحويلها عبر الحدود إلى المسلحين.


قطر وتعريف الإرهاب


ولأن المعطيات الحالية، ليست في صالح قطر، كونها عملياً بوابة اتصال مع التنظيمات الإرهابية في مجموعة كبيرة من دول العالم، دفع ذلك الدوحة لمحاولة تغيير تعريف الإرهاب، وهو ما دعا إليه وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في التاسع عشر من يونيو، خلال منتدى أنطاليا الدبلوماسي، عندما طالب بوضع تعريف جديد لما يمكن تسميته بـ"المنظمة الإرهابية".


اقرأ أيضاً: حرائق تركيا.. محاولات للاستغلال السياسي وأخرى للتنصّل

زاعماً أن هدف وساطة بلاده في الأزمة الأفغانية، هو التوافق على مستقبل البلاد وتقاسم السلطة، مدّعياً أنّه "إذا كان التعامل يتم مع منظمة متطرفة على أنها طرف في النزاع، فننصح بوقف هذه الوساطة إلى حين تخلي تلك المنظمة الإرهابية عن موقفها، وإلا فإن الأمر سينتهي بنا إلى الاعتراف بمشروعيتها، ولذلك أعتقد أنه من المهم وضع تعريف جديد لما يمكن أن يسمى منظمة إرهابية".


وصولاً إلى الحرس الثوري


ولم تكتفِ الدوحة بالعلاقة مع كل تلك التنظيمات الإرهابية، ووصل الأمر بها إلى إيران، إذ أفصحت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، في الرابع والعشرين من يوليو الماضي، نقلاً عن مسؤول دبلوماسي إسرائيلي، عن تزويد تل أبيب للولايات المتحدة بمعلومات استخبارية حول "التمويل الأخير الذي قدمته قطر إلى الحرس الثوري الإيراني".


ونوّهت "تايمز أوف إسرائيل"، نقلاً عن ذلك المسؤول الدبلوماسي، إلى أن الرئيس الإسرائيلي المنتهية ولايته، رؤوفين ريفلين، منح واشنطن معلومات استخباراتية بخصوص "التمويل الأخير الذي قدمته قطر إلى الحرس الثوري الإيراني"، مشيرةً إلى أن "المعلومات أزعجت المسؤولين الأمريكيين في الاجتماع".


اقرأ أيضاً: أكاديمي عراقي لـليفانت: الحرب الإيرانية الإسرائيلية مستبعدة.. لكنها ممكنة

كما لفتت "تايمز أوف إسرائيل" إلى أن وزارة الخارجية الأمريكية "فتحت تحقيقاً في تقرير للحكومة الإسرائيلية، يتهم النظام القطري بتمويل الحرس الثوري الإيراني الإرهابي"، إذ بيّن ناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية لصحيفة "واشنطن إكزامينر"، في وقت سابق من يوليو، بالقول: "نحن نحقق في المزاعم الإسرائيلية".


وعليه، بدءاً بـ طالبان ومروراً بـ حماس والنصرة وليس انتهاءً بالحرس الثوري، لا يعد مُستغرباً إلا أن يستغرب أحد، علاقات الدوحة مع التنظيمات الراديكالية والمتطرفة، إذ تعتبر الدوحة مفرخة لإنتاج مثل هذه التنظيمات، أو توفير الرعاية والحماية والملاذ الآمن لها، إن بشكل سري وإن بشكل علني، وهي بالكامل تدخل ضمن النهج القطري التدميري للمنطقة، والذي عاشت أفغانستان قبل عقدين بعض فصوله، وستعود إليه من جديد، فيما لم تنتهِ بعد مآسي السوريين والليبيين، وغيرهم، ممن تمكن المشروع القطري من النيل من أركان الدولة في أوطانهم، لصالح مشروع الفوضى واللاقانون، كونه الأنسب لتمدد الأذرع الإخطبوطية للدوحة.


ليفانت-خاص

إعداد وتحرير: أحمد قطمة

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!