الوضع المظلم
الخميس ٢٨ / مارس / ٢٠٢٤
Logo
بعد فشله مع العبادي.. أردوغان يبحث عن ضالته لدى الكاظمي
الكاظمي

أسئلة واستفسارات عديدة قد تتبادر إلى ذهن المتلقّي للأنباء الواردة من أنقرة عن حفاوة سعى الجانب التركي إلى إظهارها في استقبال رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، من قبل الجانب التركي، وسرّ تلك الزيارة والأهداف التي يسعى الجانب التركي إلى تحقيقها، خاصةً إذا ما علمنا بأنّ العلاقة بين الجانبين اتّسمت خلال السنوات القليلة الماضية، بكثير من التوتر، نتيجة قضية المياه التي تسعى تركيا إلى تخفيف كميات تدفقها إلى العراق، من خلال تشييد السدود، أو بسبب الخروقات العسكرية التركية للحدود العراقية الرسمية شمال البلاد، بحجج وذرائع يعتبرها كثيرون واهية.


سد إليسو


ففي منتصف العام 2018، برزت إلى السطح خلافات عراقية تركية، نتيجة تشييد الأخيرة لسد إليسو، حيث بدأ العراق بالمعاناة من نقص تدفق المياه، في حين دقّت جهات رسميّة ومدنيّة عراقية ناقوس الخطر بسبب أزمة المياه في نهر دجلة، إذ قال وزير الموارد المائية العراقي، حسن الجنابي، بداية يونيو، إنّ الحكومة التركية بدأت بملء سدّ إليسو الذي أنشئ على نهر دجلة، وهو ما لوحظ مباشرة على النهر في الجانب العراقي بانخفاض منسوب مياهه.


وأدّى تحويل تركيا المياه إلى سد إليسو إلى التأثير في حصة العراق من مياه نهر دجلة، فانخفضت كميات المياه المتدفقة بنسبة 50 في المئة، فيما انخفضت مستويات المياه التخزينية في سد موصل إلى أكثر من 3 مليارات متر مكعب عن العام الماضي، مع العلم أنّه كان يصل في الأحوال العادية إلى أكثر من 8 مليارات.


بينما أعرب الوزراء العراقي حينها، حيدر العبادي، عن استغرابه من قرار أنقرة البدء بملء سد إليسو، متهماً الحكومة التركية بأنّها تملأ السد بغض النظر عن المطالب العراقية، وتابع أنّ الموضوع سياسي وانتخابي، حيث تسعى أنقرة إلى استغلال السد كورقة لكسب أصوات المزارعين في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المبكرة التي كان من المُقرّر إجراؤها في 24 من الشهر عينه.


الهجمات داخل الأراضي العراقية


وبالتوازي، دعا العبادي، تركيا إلى احترام سيادة بلده في نهجها تجاه المقاتلين الأكراد، في وقت كانت تشهد فيه المناطق الشمالية من البلاد عمليات عسكرية تركية ضد مقاتلي “حزب العمال الكردستاني”، واصفاً تلويح تركيا بتنفيذ عملية عسكرية في جبل قنديل بإقليم كردستان شمال البلاد، أنّه يأتي ضمن الدعاية الانتخابية لحكومة العادلة والتنمية، مشددّاً على أنّ السيادة العراقية “خط أحمر”.


وبعد شهرين، وتحديداً في أغسطس 2018، توجه العبادي إلى أنقرة لبحث تعزيز التعاون بين البلدين، وأكد وقتها العبادي أنّ ملف المياه سيكون له أولوية في المباحثات مع الجانب التركي، وهي كانت بمثابة زيارة جس نبض، اذ قُرنت بهجمات تركية شنتها المقاتلات الحربية على مناطق مدنية بقضاء “سنجار/ شنكال” غربي محافظة نينوى شمالي العراق، لكن الإشارات التي خرجت من بغداد لم تبدُ أنّها كانت مشجعة تماماً، إذ دانت وقتها وزارة الخارجية العراقية، تلك الضربات، نافية وجود تنسيق بين بغداد وأنقرة بشأنها.


وقال تلفزيون “روداو” الكردي إنّه تم اغتيال “إسماعيل أوزدان”، وكان قائداً سابقاً في وحدات مقاومة سنجار، التي تصدّت لتنظيم داعش الإرهابي، وقد جاءت تلك الهجمة بعد يوم من زيارة العبادي، حيث التقى بأردوغان، وشدّد على أنّ بلاده لن تسمح بشنّ “هجمات إرهابية” على تركيا انطلاقاً من الأراضي العراقية.


فيما لم يوفر أردوغان تلك الفرصة ليكرر تهديداته تجاه سنجار التي تعدّ المنطقة للكُرد الأيزيديين، ممن تعرضوا للإبادة في العام 2014 على يد داعش.. وفيما كثفت تركيا ضرباتها ضد قواعد حزب العمال الكردستاني شمال العراق، خاصة في معقله بمنطقة جبل قنديل، أبدت بغداد استياءها، وقال العبادي إنّه يُطالب أنقرة باحترام سيادة العراق، ورغم ذلك لم تتوقف العمليات العسكرية التركية حتى الوقت الراهن.


تباهٍ تركي بالقوة


هجمات وحروب لطالما تباهت بها تركيا، بدلاً من اللجوء إلى الحوار ومنح المكونات التي تحيا في تركيا حقوقها، وهي حتماً الخيار الوحيد الذي يمكن أن يحفظ لتركيا وحدتها وقوتها، لكن الحكومات التركية المتعاقبة وآخرها المحكوم من قبل الإسلام السياسي، أو حزب العدالة والتنمية، اختار كغيره الهرب نحو الأمام، باتجاه الخيار الذي لا يستلزم الكثير من التفكير أو العقل أو أياً من الحكمة، أي نحو الحرب، فبدأها في المناطق ذات الغالبية الكُردية شمال سوريا، وتحديداً من عفرين، لتتمدّد شرق الفرات ومن ثم ليبيا فالمتوسط فأرمينيا.


ويبدو أنّ النهج القائم على القوة العسكرية بات مدعاة فخر لدى صنّاع القرار في أنقرة، حيث صرّح أردوغان، في بداية يونيو 2020، بأنّ مستجدات الأوضاع في ليبيا وشمال العراق وإدلب في شمال سوريا، “أظهرت مدى قوة أداء تركيا”، (على حد وصفه)، وهو منطقٌ دفع أنقرة، في منتصف يونيو، إلى إطلاق عملية عسكرية جديدة، ضد مواقع حزب العمال الكردستاني في شمال العراق، وصفتها قيادة العمليات المشتركة العراقية بأنّها لا تنسجم مع التزامات حسن الجوار وفق الاتفاقيات الدولية كما تمثل انتهاكاً صارخاً للسيادة العراقية، داعيةً تركيا إلى عدم تكرار الهجمات، وإيقاف الانتهاكات، احتراماً والتزاماً بالمصالح المشتركة بين البلدين، مع التأكيد على استعداد العراق للتعاون وضبط الأوضاع الأمنية على الحدود المشتركة.


فيما دعت لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، في العشرين من يونيو، إلى تقديم شكوى لدى الأمم المتحدة ضد الاعتداءات التركية، إذ طالب نواب باللجنة الحكومة باتخاذ الإجراءات الممكنة، التي تجعل تركيا تتراجع عن هذا الخرق السافر واستخدام القوة تجاه الأراضي العراقيّة، بينما دانت حكومة إقليم كردستان، القصف التركي لمناطق من الإقليم مطالبة أنقرة باحترام سيادة أراضيها، مؤكدةً في الوقت ذاته ضرورة إخلاء تلك المنطقة من قبل حزب العمال الكردستاني، كما أصدرت رئاسة برلمان إقليم كردستان، بياناً، أدانت فيه الهجوم التركي على أراضي الإقليم، مُؤكدة أنّ حلّ الخلافات لا يمكن بسفك الدماء.


خيارات بغداد


إلا أنّ الهجمات التركية لم تتوقّف، وبداية يوليو 2020، جدّدت تركيا، قصفها لمناطق بمحافظة دهوك، بالمدفعية، ليؤكد عقبها متحدّث باسم وزارة الخارجية العراقية، على أنّ بغداد لديها خيارات للتعامل مع الاستفزازات التركية شمال البلاد، مع التأكيد على تمسكها بالخيار الدبلوماسي مع تركيا، مشيرة إلى انتظار رد منها.


فيما ردّت الخارجية التركية على انتقادات بغداد، وأكدت عزمها على اتخاذ التدابير الضرورية ضد الأنشطة التدميرية القادمة من الأراضي العراقية، على حدّ وصفها.. وقال المتحدّث باسم الخارجية التركية، حامي أقصوي، في بيان “نؤكّد مجدداً استعدادنا للتعاون مع العراق في مكافحة التنظيم الإرهابي المهددة لأمنه وسيادته”، والتي تبدو أنّها محور ما قد يكون الأتراك يسعون إلى ايجاده لدى الكاظمي، بعد أن فشلوا في جرّ العبادي إليه.


إذ يبدو للمتابع أنّ أنقرة، عقب معاركها في مُجمل محيطها الملتهب نتيجة تدخلاتها، من سوريا إلى ليبيا إلى قبرص واليونان فأذربيجان وأرمينيا، أنّ الهدف التالي قد يكون جرّ العراق وحكومته الاتحادية إلى معركة موحدة بحق المقاتلين الأكراد، والذي قد يتضمن تضييق الخناق أكثر على حكومة إقليم كُردستان العراق، إذ لطالما أبدت أنقرة استياءها مما تعتبره خطأً تاريخياً في السماح بإنشاء الإقليم الكُردي بالعراق، حيث تعتبر تركيا أي سلطة كُردية أياً كان شكلها وفي أي بقعة من الأرض، تهديداً وجودياً لها، كونها تقدّم مثالاً لملايين الكُرد الذين يوجدون في داخلها، وهو ما قد يفتح قريحتهم ربما على مشروع مُماثل جنوب شرق البلاد، ذو الغالبية الكُردية


ليفانت نيوز 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!