الوضع المظلم
الجمعة ١٩ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
التحصين ضد فكر الاخوان المسلمين
علي الأمين السويد جديد

علي الأمين السويد 

كاتب وسياسي سوري


بات واضحاً ومعروفاً للجميع أن تنظيم الاخوان المسلمين هو كما وصف الله أعداءه، نحسبهم جميع، وقلوبهم شتى. فهم بالشكل واحد، بينما في المضمون عبارة عن زُمَرٍ من الناس يمتهنون العمالة لأجهزة مخابرات الكثير من الدول الأجنبية، التي تحرّكهم وفق أجندات تخدم مصالح تلك الدول. ولأن معركة ملاحقة خيوط العمالة والخيانة شبه مستحيلة، ولأن النجاح في ذلك _إن تحقق_ فسيكون هزيلاً وفوائده لا تستحقّ الذكر، فكان الحل الناجح والأكيد هو تحصين المجتمع في الدولة ضدّ هذا التنظيم، وقطع سبل تغلغله هو ومن خلفه الى المجتمعات وتخريبها.


حقائق تاريخية معاصرة التحصين ضد فكر الاخوان المسلمين


لم تعرف البلدان العربية معنى الاستقرار الحقيقي منذ استقلالها، وكان هَمُّ معظم الأنظمة الحاكمة ضمان استقرار بلدانها بالطرق التي تؤمن استمرارية الأنظمة ذاتها أولاً.


فقد تمّ اعتبار نموّ البلدان العربية ناتجاً عن استمرار بعض الأنظمة الحاكمة بالتربّع على عرش السلطة، فابتعدت عن تحصين مجتمعاتها فكرياً من خطر الانزلاق والسير في ركاب التنظيمات التي تستغلّ الروحانيات عند البسطاء لتحقيق مكاسب سياسية – تنظيم الاخوان المسلمين نموذجاً.


وبسبب إهمال المعالجة الفكرية المخلصة، قصداً أو جهلاً، لإمكانية نشوء تيارات شعبية متعاطفة مع تنظيمات مثل الاخوان المسلمين وغيرها، تمت معالجة ظاهرة تلك الحركات السياسية "المتأسلمة" بسطحية أحيانا، وبعقلية مؤامراتية في أحايين أخرى، فقد اتخذت بعض الأنظمة الدكتاتورية محاربة الاخوان المسلمين أمنيا وعسكريا وسيلةً لتدعيم أركان سلطتها، كما فعل حافظ الاسد.


إنّ القضاء على الحركات السياسية المتأسلمة يعتبر الخطوة الأولى نحو تقدم المجتمعات العربية، ودفعها نحو التّصالح مع ذاتها ومع محيطها، ما يوفّر أرضية صلبة لتماسك تلك المجتمعات ونجاحها.


ولتحقيق هذا الهدف يتوجّب على مختلف الأنظمة الحاكمة في البلدان العربية اتباع خطوات علاجية حقيقية لاجتثاث فكر جماعة الاخوان المسلمين من جذوره، وإنهاء هذه الحقبة التاريخية المهينة للأمة في عصرنا من الوجود مرةً واحدة، وإلى الأبد.


ولتجفيف منابت الفكر الاخواني في المجتمعات الراغبة بطي صفحة الاخوان المسلمين، وجعلها من التاريخ المؤسف حصراً في نهاية المطاف، يتوجّب على الأنظمة الحاكمة اعتماد ثلاثة مبادئ لا يمكن تجاهلها، أو التغاضي عنها إن كانت الأنظمة جادة فعلاً في تحقيق نيتها بشفاء المجتمعات وخلاصها من هذا السرطان المتأسلم. وفيما يلي تلك المبادئ:


مبدأ حرية الاعتقاد الديني التحصين ضد فكر الاخوان المسلمين


يتوجّب على الجهات الرسمية التأكّد من تطبيق مبدأ حرية الاعتقاد الديني، ومحاسبة كل من يعتدي على حريات الاعتقاد عند الآخرين بالإشارة، أو بالقول، أو بالفعل محاسبة علنية وشديدة.


فمن حقّ الإنسان أن يفكر، ثم يقرّر ما يناسبه من توجّهٍ ديني أو لاديني، شريطة أن يكون فعله سلمياً، لا يعتدي به على حريات الآخرين. فمن كتب رأيه في قضية دينية ما ونشرها، تكون حقوقه الشخصية مصانةً، فلا يسمح للآخرين بالنيل من شخصه بالإشارة، او بالقول، او بالفعل، مهما كان رأيه. وكذلك من أراد الردّ على ذلك الرأي، فالردّ أيضاً يجب أن يكون ملتزماً بالقوانين، لتتمّ حمايته بذات الطريقة.


إنّ توفّر الأرضية المتوازنة والنظرة الواحدة لاعتقاد الناس، على أنه مسألة شخصية بحتة لا يحق لأحد في الأرض التدخل فيها بشكل مباشر، أو عنوةً، سيصون كرامة الشخص، وستنزع منه بواعث الغل والكيدية، وستجعله أكثر حرصاً على الواقعية.


مبدأ حرية الممارسات


مما لا شك فيه، أنّ الممارسات الدينية تأتي تطبيقاً للاعتقادات الدينية. فمثلما استطاعت إدارات المجتمعات صون حريات الاعتقاد، فينبغي عليها صون حرية الممارسات الناتجة عن تلك الاعتقادات وفق شروط تكفل سلميّة أدائها، وعدم توجيهها بشكل عدائي باتجاه ممارسات دينية، أو لا دينية أخرى. 


 فمن أراد أن يؤدي الرقصات الصوفية، اعتقاداً منه أنها توصله للجنة فهو حر، ولكن عليه أن يلتزم بعدم ازعاج الآخرين سمعياً على سبيل المثال. ومن أراد أن يلطم نفسه بهراوة أو بسيف، عليه أن يلتزم بعدم فعل ذلك أمام الأطفال والمراهقين الذين لم تتجاوز أعمارهم الثامنة عشر.


ومن أراد أن يسجد لمعزاة، فعليه أن يصون كرامته أولاً، وأن يفعل ما يشاء مع معزاته، ولكن بعيداً عن الناس الذين قد لا يمتلكون القدرة على ضبط أنفسهم والضحك على المتعبّد، سواء بفتح الباء أو كسرها.


ومن أراد أن يطلق لحيته ليجرّها خلفه، فله ذلك، ومن أراد أن يزيل شعر وجهه بالليزر فهو حرٌ أيضاً. ومن أراد ان يأكل بيده الشمال، أو بقدمه، فليفعل، ومن أراد صام أو أفطر.


وفي كل الأحوال، يتوجّب على السلطات التنفيذية في المجتمعات حماية حرية الممارسات الدينية ومظاهرها، بشكل مهني ومتوازن، ومعاقبة المتجاوزين بشكل علني وشفاف، بعقوبات رادعة ومناسبة.


مبدأ حيادية الدولة


تلعب حيادية الأجهزة التنفيذية في الدولة الدور الحاسم في نجاح تطبيق حريتي الاعتقاد والممارسة، لذلك يتوجب على من يُسند له العمل في الأجهزة التنفيذية المختصة أن يكون مثقفاً، وواعياً، ومدرّباً بشكل مفصل على القيام بعمله.


كما يتوجّب على الأجهزة التنفيذية أن تكون خاضعة للجان مراقبة، وأن تكون المساءلة مستمرة، بحيث يتمّ ضمان عدم استخدام عمل الأجهزة التنفيذية الخاصة بحرية الاعتقاد، وحرية الممارسة كوسيلة لتنفيذ مآرب ليس لها علاقة بضمان حرية الاعتقاد والممارسة، ما يجعل الأجهزة التنفيذية سيفاً ديكتاتوريا ًمسلطاً على رقاب المواطنين.


ولكي تكون الأجهزة المختصة حيادية ومنطقية في عملها، يتوجّب عليها التأكّد تماماً من نشر ووصول القوانين الناظمة لحرية الاعتقاد والممارسة لجميع المواطنين البالغين، الذين تجاوزوا سن الانخراط في المراحل التعليمية، بحيث لا يستطيع شخص الادّعاء بأنه "لا يعلم."


العلم في الصغر كالنقش في الحجر


أما من كان خلف مقاعد الدراسة، فيتوجب على السلطات التعليمية في المجتمعات العمل على إنبات المواطنين الصغار وفق مبادئ تصون حرية الاعتقاد، وحرية الممارسات بشكل يبدأ من مرحلة رياض الأطفال، حتى المراحل التعليمية النهائية.


وأن تكون هذه المناهج مقسّمة إلى عملي ونظري، وأن يكون مستوى التحصيل فيها منعكسا على تقدير التلميذ النهائي. على أن تلك المناهج يجب عليها أن تتضمن المفاهيم التالية كحد أدنى، مع ترك فسحة للتطوير والإغناء:



  1. حياة الانسان أهم ما في الوجود، ولا يجوز التعرّض لحياة إنسان ما، خارج القانون المتبع، وانتهاك القانون يعرّض حياة المنتهِك للمحاسبة الصارمة.

  2. كرامة الانسان واحترامه آرائه قضايا مقدسة لا تختلف عن أهمية حياته، ويجب التعامل مع مسألة كرامة الانسان أو احترام رأيه، بذات الحذر الخاص بتعريض حياته للخطر.

  3. يغرس في أذهان التلاميذ فكرة أن التدين أو عدم التدين أمور شخصية لا يجوز محاسبة الانسان عليها أو تقييمه على اساسها سواء بالإشارة، أو بالقول، أو بالفعل.

  4. يتعلم التلاميذ أنّ هدف الدين هو تزكية النفس، وهداية الناس الى العلم والمعرفة والصواب من وجهة نظر تعاليم ذلك الدين، وليس إقامة دول واضطهاد الآخر.

  5. أن المجتمعات تغنى بتنوعها، وتتخلف برفضها للتنوّع ومحاربتها لإثراء الثقافات الأخرى له.


ثوابت التعليم الديني الاسلامي


أما على صعيد مناهج التربية الدينية الإسلامية حصراً، فيجب أن تعاد صياغتها لتركّز على النقاط التالية:



  1. الدين لتزكية النفس ولصلاح الفرد، الذي يقود لصلاح المجتمع.

  2. إقامة الدول ليست من أركان الإسلام ولا من اركان الإيمان.

  3. أعضاء البرلمان المنتخبين أو المشرّعين المعينين من قبل سلطات الدولة هم أهل الحل والعقد، وليس كلّ من هبَّ، ودبَّ.

  4. إزالة المنكر مهمة الحاكم أو أدواته، فإن لم يفعل، فعلى من يرى في نفسه القدرة، أن ينصح الحاكم، فإن لم يفعل شيئاً، فلا إثم عليه، ولا لوم.

  5. لا يُقاتل الانسان لأنه كافر، وانما يقاتل أي انسان، كافراً كان أم مسلماً، إن اعتدى.

  6. الانتصار للدين يكون بالالتزام به، وليس بقتل المدنيين.

  7. حبّ النبي عليه الصلاة والسلام يكون باتباعه دون مراءاة.

  8. لا يحاسب الله الإنسان عمّا لم يفعله، وعمّا لم يكن فيه.

  9. حبّ بعض الناس لا يجب أن يكون سبباً في حرب بعضهم الآخر.

  10. لا يوجد ما يسمى "اسلام سياسي"، فهذه كذبة تستخدم للضحك على البسطاء.

  11. ترسيخ فكرة التوكل على الله، ومحاربة فكرة التواكل بشكل عملي.


ثوابت الحياة السياسية في الدولة


أما على صعيد الحياة السياسية، فيجب على الدولة أن تكون صارمة في تطبيق القوانين التالية:



  1. منع تأسيس أحزاب سياسية ذات مرجعية دينية أو مذهبية، واغلاق كافة المنتديات السياسية التي تعتمد الدين وسيلة لها للتفوق على أقرانها من المنتديات او الجمعيات او الأحزاب، وعلى رأسها تنظيم الاخوان المسلمين.

  2. منع تأسيس جمعيات خيرية لها ارتباطات سياسية، أو أنها تعنى بغير مساعدة المحتاجين والمعوزين من أبناء المجتمع.

  3. مراقبة التعاملات المالية والتحويلات الداخلية والخارجية المخصصة للجمعيات الخيرية والأحزاب السياسية، والحرص على ألا تكون موجهة لأعمال غير قانونية. التحصين ضد فكر الاخوان المسلمين


في الخاتمة أقول لا شك بأن محاربة تنظيم الاخوان المسلمين بعيدة كل البعد عن محاربة الدين، بل على العكس تماماً، فقد أثبت الاخوان المسلمون بأنهم المصدر الأساسي لتحريف الدين وتخريب تعاليمه، باعتماد نظريات ثورية أحياناً تثير الضحك، وتطبيقات إجرامية إرهابية تحت مسميات جهادية، تثير الاستغراب من قدرة الانسان على تنصيب نفسه إلهاً حاكماً في الأرض يميت ولا يحيي. التحصين ضد فكر الاخوان المسلمين

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!