الوضع المظلم
الخميس ٢٨ / مارس / ٢٠٢٤
Logo
الوجه الآخر للحرب في أوكرانيا
زاكروس عثمان

تمتاز الحرب الروسية على أوكرانيا عن الحروب المنسية الجارية منذ عقود على هامش العالم في دول الجنوب، بأنها تدور في أقرب دائرة محيطة بمحور النظام العالمي، ما جعل أوروبا وأمريكا وبلدان عديدة في العالم تتأثر مباشرة بمجريات الأحداث في أوكرانيا، ولا أدل على ذلك من السرعة القصوى في ردة فعل دول حلف الناتو على الهجوم الروسي على أوكرانيا، صحيح أن الحلف لم يتدخل عسكرياً، ولكنه أعلن على الفور حروباً من أنوع أخرى على روسيا. 

ويرى بعض المفكرين أن الحرب الدائرة في أوكرانيا ليست مجرد امتداد لصراع تقليدي بين الشرق والغرب، بقدر ما هي تعبير عن أزمة عالمية مستعصية ناجمة عن السقوط المبكر للنظام العالمي الجديد، وتشير السرعة في تطورات الأحداث وتراكمها، وانفلات الأوضاع على كافة الصعد، إلى أن الحرب باتت خياراً ممكناً للخروج من هذه الأزمة أو حتى الهروب منها.

فما الذي حدث بالعالم في 24 فبراير/ شباط 2022؟ هل هي مجرد حرب عدوانية تشنّها دولة أقوى على دولة أضعف منها، أم هو صراع دولي ينذر بحرب عظمى؟ وهل الأسباب المعلنة تكفي لفهم ما يجري إن كانت موسكو تبرر الهجوم بخوفها على أمنها القومي من تمدد حلف شمال الأطلسي ـ الناتو شرقاً، جرّاء تطلعات كييف في اللحاق بركب الدول الغربية، فيما تتحدث هذه الدول عن النزعة الاستبدادية للنظام الروسي الذي لا يتقبل وجود حكومات ديمقراطية في دول الجوار، ناهيك عن محاولات موسكو المستمرة في استرداد مكانتها كقطب منافس للولايات المتحدة الأمريكية؟ ولكن هل هذا كل شيء، أم أن حيثيات الحرب الدائرة في هذا البلد الأوروبي تكشف فقط عن الجزء الظاهر من جبل الجليد؟

حرب تعكس مستجدات عديدة في صراع عالمي تتسع حدته، دول تصطف مع المحور الأمريكي، وأخرى تدعم روسيا بدرجات متفاوتة، إضافة إلى دول تحاول النأي بالنفس أو التزام الحياد للحفاظ على رأسها، هذه التحالفات والاصطفافات تذكرنا بمقدمات حربيين عالميتين انطلقت شرارتهما من أوروبا، وتحديداً من وسطها، حيث تقع أوكرانيا، وعلى ما يبدو أن الشرارة الثالثة ستشتعل أيضاً في نفس البقعة، ما دفع بالمفكر الأمريكي نعوم تشومسكي إلى التنبؤ بـ (نهاية العالم بشكله الحالي) حيث بدأت العوامل الخفية المبهمة التي تحرك التاريخ تنشط من جديد.

والسؤال لماذا عجز النظام العالمي الجديد عن التبلور للإتيان بآليات مبتكرة تنظم العلاقات الدولية بطريقة عصرية؟ والجواب ببساطة هو حدوث تناقض مبكر بين طرفي هذا النظام، أي بناه التحتية "قوى الإنتاج" وبناه الفوقية "السلطة السياسية" التي تديره.

يذكر أن النظام العالمي الجديد نشأ في العقد الأخير من القرن العشرين بفعل متغيرات دولية مركبة ومترافقة، أبرزها ثورة الإنترنت وسقوط المعسكر الاشتراكي، وكانت كافية كي تنقل البشرية إلى منعطف تاريخي جديد، عنوانه ثورة التسارع ثورة الديجيتال، حيث يشهد العالم طفرة تكنولوجية علمية في مجالات الروبوت، الذكاء الاصطناعي، النانو، ومؤخراً دمج عناصر الديجيتال مع العالم المادي لجعل العالم رقمياً أكثر.

ولا يخفى أن كل هذه التطورات في عصر التسارع تترك تأثيراً على الاقتصاد، ويرى مفكرون أن هذه التأثيرات من الاتساع والعمق ما يؤدي إلى الحاجة في إحداث تحويل بأنظمة الإنتاج والإدارة والحكم، ويصف الباحث البريطاني عظيم أزهر في كتابه المتسارع، طريقة الذكاء الاصطناعي السريعة، بأنها تحول في الاقتصاد والمجتمع، وهنا تكون المعضلة لأن البناء السياسي في النظام العالمي سابق الذكر غير مستعد للاستجابة للبنى التحتية التي تنتج التكنولوجيا المتسارعة، ولا يُعرَف سبب عدم استجابة البناء الفوقي، هل هو موقف مدرك يتخذه الطرف المهيمن على النظام العالمي أم عجز تقنية مؤسسات وأنظمة هذا الطرف عن مجاراة تسارع التطور التكنولوجي الذي تحققه البنى التحتية، وهي عموماً شركات عملاقة غير حكومية؟ ومهما تكن الأسباب فقد حدث التناقض بين البنى التحتية التي دخلت عصر التسارع والبنى الفوقية التي تحاول التحكم في وتيرة هذه السرعة المتزايدة باطراد.

ويتخوف القادة السياسيون من انفلات تكنولوجيا التسارع إلى حد يصعب التحكم بها، ما يعني الحاجة إلى قلب العالم وإعادة صياغته بشكل لم تعرفه البشرية من قبل، والمشكلة أن لا أحد يمتلك فكرة أو قدرة لإنتاج نسخة مبتكرة للعالم، والخوف هو أن تتراكم التناقضات داخل النظام العالمي المترنح وتتزايد التوترات إلى أن يحصل الانفجار العظيم الذي ربما يبيد البشرية أو يعيد إنتاج العالم من نقطة الصفر.

ليفانت - زاكروس عثمان

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!